هدية نهاية الخدمة
السلطة عندنا في الجزائر لا تنسى أبدا من يخدُمها، ولا تتنكر، مهما كلّفها الأمر، لمن أبوا شق عصا طاعتها.. ولمن أراد قياس صحة هذا الأمر بالحجة والدليل الدامغ، ما عليه إلا أن يستقرئ مكافأة ''هدية نهاية الخدمة''، التي يتردد بأن السلطات العمومية قررت منحها لفائدة 389 نائب في البرلمان كتتويج لنهاية عهدتهم البرلمانية، والمقدرة بغلاف مالي معتبر لكل نائب، نظير الجهود الجبّارة التي بذلوها، والتفاني المستميت الذي استظهروه في ''تمثيل الشعب والدفاع عن مصالحه''.
وحتى لا أكون موضوع اتهام بالحسد ممزوج بالغلّ، أزف تهاني المُسبقة والخالصة إلى جميع نوابنا، وأنصحهم بأن يُرقُّوا أنفسهم هذه الأيام، ويُكثـروا من قراءة المعوذتين، فالعين حق، والكثير من الزوالية الذين يُصبحون مع الفقر، ويُمسون مع الحرمان، لا يفقهون بأن هذه أرزاق، وبأن الله قسم المعيشة بين الناس، فلا سبيل إلى الاعتراض على قضاء المولى وقدره المكتوب أزلا في اللّوح المحفوظ، ولا داعي إلى التأويل والتهويل مادامت الأرصدة عامرة والخير كثير. ولكن ألا يستوجب الأمر أن نطرح مجرد تساؤل عن الإنجازات الخارقة التي حققها هؤلاء النواب، والمشاريع المصيرية التي نجحوا في تحويلها إلى قوانين خلال عهدتهم التي أشرفت على الانقضاء، حتى يستحقوا هدية بمثل هذا الحجم من الأموال؟
الجميع يتفق بمن في ذلك أهل الغرفة السفلى، بأن تشكيلة البرلمان الحالي لم توفّق في تمرير أي مشروع قانون طرحته طيلة عهدتها، ولا أدلّ على ذلك من قانون تجريم الاستعمار الذي سقط في الماء رغم المساعي التي قام بها 152 نائب من مختلف التشكيلات السياسية بهدف استنكار الجرائم التي اقترفتها فرنسا وإرغامها على الاعتذار، ونفس الأمر تكرر مع لجان التحقيق حول أحداث جانفي من السنة الماضية التي حوصرت في قالب أزمة سكر وزيت، والفشل الذي تكلّلت به محاولات إقناع الحكومة بالعدول عن قرارها منع المواطنين بيع السكنات التي استفادوا منها في إطار صيغ السكن التساهمي الاجتماعي، وخسارة معركة الحفاظ على نشاط تجار الشيفون... وبالمقابل، نجحت السلطات على مدار الخمس السنوات، التي تمثل عمر عهدة هؤلاء النواب، في تمرير كل المشاريع التي اقترحتها، وحوّلتها إلى قوانين سارية المفعول بعد افتكاكها مصادقة الأغلبية. هذه العطية غير المبررة، تسجل بالرغم من أن السواد الأعظم من النواب يتغيّبون عن حضور جلسات النقاش داخل قبة البرلمان، حيث إن معدل نسبة الحضور لا يتجاوز في كثير من الأحيان نسبة 30 في المائة فقط، تماما مثل نسبة المشاركين في الاستحقاقات التشريعية السابقة التي فرضت هؤلاء النواب ممثلين باسم الشعب. وحتى إن حضروا، فإن تواجدهم من عدمه سواء، ما دام أن نهاية الأمر رفع الأيدي، ومنتهاه التزكية والمصادقة على كل ما تطرحه الحكومة، بدل العمل كأداة رقابية مهمتها تقويم اعوجاج الجهاز التنفيذي متى زاغ عن الحق، أو حاد عن جادة الصواب.
21/01/2012 - محمد درقي
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 21/01/2012
مضاف من طرف : Fadhel222
صاحب المقال : محمد درقي / الصورة فاضل222
المصدر : جريدة الخبر ( مجرد رأي ) 21/01/2012