الجزائر

السلطة تنخرط في الحملة الانتخابية كمنافس للمرشحين


انتظرت الحكومة اقتراب رئاسيات 12/12 لإخراج ورقة التقسيم الإداري الجديد، التي كان يحضر للإعلان عنها قبل الانتخابات الرئاسية لأفريل الماضي، في خطوة تطرح إشكالات مالية لإنجاحها، زيادة على المشاكل التنظيمية والسياسية.ويفرض إنشاء ولاية جديدة بكل مصالحها وملاحقها تحديات مالية ضخمة للميزانية العمومية المرهقة بالنفقات في ظرف يتميز بالضيق الاقتصادي، تحت تأثير هدر مقدرات البلد في السنوات السابقة في مشاريع غير مجدية أو عبر تضخيم الفواتير وفي ظل تراجع مداخيل صادرات المحروقات ونفاد احتياطيات ومدخرات الدولة. وتؤدي هذه الخطوة أساسا إلى زيادة الضغط على صندوق تضامن الجماعات المحلية الموكل له مهمة تقديم "إعانات موجهة إلى تنمية المناطق الواجب ترقيتها"، في ظل معاناة غالبية الولايات من عجز مالي مزمن. ومن الناحية العملية فإن الإجراء المعتمد في مجلس الوزراء لن يؤدي سوى لرفع عدد الولايات العاجزة التي تعيش على ميزانية الدولة وزيادة أعباء التسيير بدل توجيهيها للتنمية، إذا يتطلب الأمر أموالا إضافية تحسبا لزيادة عدد المنتخبين المحليين والوطنيين وتنقل وتجهيز الهياكل الإدارية.
ولم تتردد الحكومة عبر هذه الخطوة في انتهاك أحكام الدستور أفقيا وعموديا، بالنظر إلى غياب السند القانوني لاستحداث ولايات منتدبة، حيث ينص الدستور في مادته 16 على أن الجماعات الإقليمية للدولة هي البلدية والولاية دون التنصيص على الولاية المنتدبة أو المقاطعة الإدارية، علما أنه سبق للسلطة أن ألغت نظام المحافظات الكبرى التي استفادت منها العاصمة، في انتظار تعميمه على قسنطينة ووهران، بحجة عدم دستوريته.
ومن خلال اتخاذ قرار له تكلفة مالية هامة، تضع الحكومة نفسها في تناقض مع قواعد النزاهة السياسية. ففيما يمنع مثلا على النواب وفق المادة 139 من الدستور تقديم اقتراح أي قانون، مضمونه أو نتيجته تخفيض الموارد العمومية أو زيادة النفقات العمومية، إلا إذا كان مرفوقا بتدابير تستهدف الزيادة في إيرادات الدولة أو توفير مبالغ مالية في فصل آخر من النفقات العمومية تساوي على الأقل المبالغ المقترح إنفاقها"، منحت الحكومة لنفسها الحرية لاتخاذ تدابير ستكون لها آثار على تقديرات وحسابات الموازنة العمومية.
وفي العمق تكشف هذه الخطوة الشعبوية محدودية الخيارات المتاحة للسلطة وتفضح محاولتها رشوة سكان ولايات الجنوب والهضاب العليا للمشاركة في الانتخابات الرئاسية وأنها لن تتردد في اتخاذ أي خطوات يائسة لرفع نسبة التصويت في هذه الانتخابات التي لا تحظى بدعم كل الجزائريين وتقابل بمقاومة كبيرة من نخب سياسية وفئات شعبية عريضة.
وتدخل الحكومة بهذا القرار مرة أخرى كفاعل في الحملة الانتخابية ومنافس لمرشحين يسوقون بدورهم لتقسيم إداري، ترقى فيه مدن وواحات إلى صفة ولاية معترف بها إداريا وقانونيا ويصبح لها ترقيم، مستعملة إغراء الجزرة أحيانا والعصا مرات أخرى. واعتمدت في الأشهر الأخيرة قرارات تضمنها قانون المالية، منها رفع ميزانية السكن والترخيص باستيراد السيارات الأقل من ثلاث سنوات بعد 10 سنوات من المنع. بالموازاة، يواجه المعارضون بالقمع والسجن.
وفي الخلف، تحمل قرارات التقسيم الإداري الجديد رغبة البيروقراطية المنفصلة نفسيا واجتماعيا عن المواطنين والمتحالفة مع السلطة الفعلية في الإبقاء على هيمنتها على هياكل الدولة والمجتمع الذي انتقل إلى مرحلة جديدة من التحرر وقيادة مصيره بنفسه بعيدا عن وصاية مؤسسات الدولة الوطنية المنبثقة عن حرب التحرير الوطني.
ويعاكس التوجه حركة التاريخ والتوجه العالمي لتجسيد الديمقراطية التشاركية والحكامة، حيث يجري منح مزيد من الصلاحيات للجماعات المحلية والمؤسسات المنتخبة لتسيير نفسها ذاتيا ومصيرها بخصوص التنمية المحلية، فيما تحتفظ الدولة المركزية بإدارة السياسة الخارجية والدفاع.
واختارت السلطات عبر هذا الإجراء توجها مخالفا لتوجه إقامة نظام الجهات الذي جرى الترويج له في العهدتين الثانية والثالثة للرئيس السابق والمنصوص عليه ضمنيا في إصلاحات قانون الولاية والبلدية.
ومن شأن خطوة الحكومة بعث نقمة مناطق لم تستفد من "الترقية الإدارية"، معززة بذلك الصراعات القبلية والشعور بحرمان مواطنين وأعراش ترى نفسها الأحق بالترقية.
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)