ما وصلت إليه ليبيا اليوم، تنبأ به ابن رشد قبل تسعة قرون. فقد قال الفيلسوف الأندلسي إن ''السلطة المطلقة مفسدة مطلقة''. وهو ما ظهرت نتائجه في الدول التي رفضت أنظمتها التخلي عن السلطة التي احتكرتها عقودا متتالية، دون أن تنتبه إلى أنها دخلت في دائرة ''المفسدة''. وكانت هذه الأنظمة مشرفة على توريث سلطتها لتتواصل مفاسدها على أيدي الأبناء، الذين لا فضل لهم على الناس، ''كفاءتهم الوحيدة'' هي ''شهادة الميلاد''.
الأنظمة العربية الحديثة، التي ظهرت في مرحلة ما بعد الاستعمار، وما شابهها ممن يكتب من اليمين إلى اليسار، تشترك كلها في أنها نصبت نفسها في منزلة ''القداسة''. نظرتها هي الأصوب، مناهجها هي الأنجع، مستخدموها هم الأقدر. وتحولت باسم شرعيات مختلفة إلى مجرد ''أنظمة مناولة في مجال الحراسة'' لصالح أرباب النظام العالمي الجديد، الذين من المفروغ منه أنه لا يهمهم إن كانت هذه الأنظمة ديمقراطية وتضمن الحريات لشعوبها. وحتى إن كانت هذه الشعوب لا تأكل ولا تشرب، وهو أبسط حق إنساني. ولا مجال هنا للبرهان على اهتمام أرباب النظام العالمي الجديد بالشعوب، وخاصة منها تلك التي تعيش في المناطق الجغرافية الغنية بثرواتها الطبيعية، والتي مازال الناس فيها يموتون بسبب نزلات البرد وداء الكلب وبالمخلفات الكيمياوية القاتلة التي ترمى في براريها التي حولت إلى مزابل، وهي الشعوب التي توفر لهؤلاء الأرباب وسائل تراكم ثـرواتهم. وكان أرباب العالم يختارون ''أصدقاءهم'' من الحكام العرب على أساس: من يضمن لهم التموين بما يحتاجونه وبالأسعار التي يفرضون، وكذا الذين يفتحون لهم أسواقهم لترويج سلعهم كل السلع، ومنها الهراوات والغازات المسيلة للدموع التي يفرقون بها الذين يجهرون بأصواتهم الرافضة لاستمرار الباطل والمناكر، والأسلحة، مثل تلك التي يستعملها القذافي ضد الشعب الليبي، ليبقى ''نبي آخر الزمان''.
قبل تسعة قرون كاملة قال ابن رشد إن ''السلطة المطلقة مفسدة مطلقة''، ونعيش اليوم في سنة 1102 تبعات ورثة الذين لم يمنحوا لهذا العالم فرصة الموت كريما، والذين أوصلوا شعوبهم وبلدانهم إلى مآزق، وجعلوا سماءات أوطانهم تمطر على شعوبها قنابل وصواريخ لا تفرق بين الأحياء، مثلما فعلت القنابل والصواريخ في العراق وغيرها من الأمصار التي ''وجهت أنطمتها الحاكمة دعوة'' بتسلطها المطلق للتدخل الأجنبي، الذي لا يمكن في كل الحالات أن ينتج عنه خير للشعوب.ئ؟
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 21/03/2011
مضاف من طرف : sofiane
صاحب المقال : لحسن بوربيع
المصدر : www.elkhabar.com