الجزائر

الزوايا ..حلقة مهمة في الحفاظ على الهوية والشخصية الوطنيتين



الزوايا ..حلقة مهمة في الحفاظ على الهوية والشخصية الوطنيتين
الزوايا ..حلقة مهمة في الحفاظ على الهوية والشخصية الوطنيتين


لم تتخلف الزوايا الجزائرية منذ نشأتها في لعب دور بارز في الحفاظ على وحدة المجتمع الجزائر وصون هويته وشخصيته الوطنية، كما كانت رقما مهما في خروج الجزائر من المحن والمصاعب التي عرفتها عبر تاريخها سالمة موحدة وبمجتمع متماسك لم تستطع أن تنخر في جسده المكائد، وكان إخراج المستعمر الفرنسي من على هذه الأرض الطيبة ومحاربة كل أشكال خبثه التي أراد من ورائها تشتيت المجتمع وطمسهويته وإضعاف بنيته ليسود هو ويضمن بقاءه، ثم المشاركة في مرحلة البناء والتشييد والحفاظ على المكاسب الوطنية خلال فترة الاستقلال.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فقد كان للزوايا التي كانت منتشرة عبر التراب الوطني في تحديد اهداف المجتمع نحو اهم القضايا التي صادفته بداية بمحاربة المستعمر الذي ما فتيء يجرب كل الطرق ويستعمل كل الوسائل التي كان يملكها ليضع له موطئ قدم لا يزول، الى جانب عملها على الحفاظ على هويته وشخصيته الوطنية خلال تلك الفترة وما تلاها بعد الاستقلال التي نعيش ذكراها الخمسين والتي شهدت هي الاخرى مصاعب ومحن خرجت منها شامخة كالجبال الرواسي.

الزوايا ..حاضنة للثورة وآوية للمجاهدين

ويقول الدكتور محمد بن بريكة، أن الزوايا كانت دائما وأبدا حاضنة للثورة والثوار أيام الاستعمار الفرنسي ومدافعة عن الهوية الوطنية وقيم المجتمع الجزائري، كما واصلت نفس الدور أيام الاستقلال حيث كانت وظلت النبراس الذي ينير طريق المجتمع ويحافظ على وحدته.

ويضيف بن بريكة، أن الكثير من خريجي الزوايا الجزائرية كانوا من أبرز أبطال الكفاح ضد المستعمر الفرنسي الغاشم، ومهم لعل المجاهدة لالة فاطمة نسومر من بلاد القبائل وهي خريجة الزاوية الرحمانية، جاهدت وقاتلت وانتصرت في كثير من المعارك على جنرالات فرنسيين واستشهدت وهي في عمر الزهور 33 سنة، وكذلك الشيخ المقراني الذي تجهز مع إخوانه من الرحمانيين لمقاتلة المستعمر بكل بسالة وكذا الشيخ الحداد، وكانت الزوايا من بين أهم القلاع التي تجندت من أجل محاربة المستعمر وتطهير الأرض من دنائسه حيث كانت عرفت العديد من المناطق مقاومات شرسة كما حدث بنواحي برج بوعريريج والشرق الجزائري مثل الزاوية الحملاوية.
وساهمت الزوايا بشكل كبير في دعم الثورة، حيث كانت تؤوي المجاهدين وتمدهم بالسلاح، مثلما كان الحال مع الزاوية القادرية بمدينة العقلة بتبسة على الحدود التونسية بينما كانت الطريقة الخلافية والطريقة التيجانية في أقصى الغرب الجزائري، كما انطلقت أول مقاومة في الوسط الجزائري من طرف الزاوية الرحمانية بمدينة سطاوالي حيث استشهد 17 ألف في معكرة واحدة وكان أغلبهم من أبناء الزوايا.

الحفاظ على الشخصية والهوية الوطنيتين..

ويقول الشيخ لحسن حساني شيخ المشيخة العامة للطريقة القادرية في الجزائر وعموم إفريقيا، أن الزوايا لعبت دورا هاما في الحفاظ على الشخصية الوطنية إبان الاستعمار ووقفت في وجه المستعمر الذي حاول بكل الأساليب أن يطمس الشخصية الوطنية المستمدة من اللغة العربية والدين الاسلامي.

ويضيف الشيخ لحسن، أن الاستعمار استعمل كل ما لديه من وسائل لقمع هذه الزوايا ومحاولة استمالتها له، لكنها بقيت ثابتة في الحفاظ على موروثها الديني الذي اكتسبته عن الأجداد، إلى جانب الحفاظ على الهوية الوطنية ومساندة المجاهدين بإمكانياتها المتواضعة. وكانت الزوايا خلال تلك الفترة نواة أساسية تنبه المجتمع إلى كل الأخطار التي تهدده وتشتت وحدته وتمس كيانه ووجوده، وذلك منذ الاحتلال الفرنسي للجزائر عام 1830 حيث أن معظم الثورات ضد المستعمر الفرنسي كان منبعها الزوايا والطرق الصوفية، مثلما هو الحال مع الأمير عبد القادر ولالة خديجة والمقراني وشريف محمد بن عبد الله الذي يوجد قبره بمدينة ورقلة.

ويقول الشيخ لحسن حساني إن الاستعمار عمل بأساليب مدروسة لزرع الفتنة والخرافة والتشكيك في كل ما يمت بصلة إلى ثقافتنا وديننا الحنيف لتجهيل المجتمع حتى يكون تابعا له، فكانت الزوايا إحدى القلاع التي وقفت في وجه هذه الأساليب وعملت على نشر الوعي ودعت إلى التمسك بالمبادئ والهوية الوطنية من خلال تعليم القرآن الكريم واللغة العربية، وعلوم الدين الإسلامي كالفقه فاستطاعت ان تخرج العديد من العلماء الكبار أمثال البشير الابراهيمي وعبد الحميد ابن باديس، وقد التحق معظمهم بثورة أول نوفمبر.



العلم وحده كان سلاح الزوايا في مواجهة الاستعمار..

ومن جانبه، قال الشيخ الشريف رقاني شيخ زاوية الشيخ شريف الرقاني بولاية تمنراست، إن الزوايا الجزائرية حافظت خلال فترة الاستعمار على الهوية الوطنية والعقيدة الاسلامية، حيث أن الاستعمار بدأ في تهميش دور اللغة العربية وطمس الهوية الوطنية، فحارب المساجد وشيوخها الذين قاوموا بسلاح العلم أعتى قوة في تلك الفترة فكان لهم عظيم الأثر في ترسيخ العقيدة الاسلامية والمحافظة على الهوية الاسلامية من خلال تعليم اللغة العربية وتحفيظ القرآن ووضع اليد على النشء الصاعد وتحسيسهم بخطورة المستعمر الذي جاء ليطمس معالم وجودهم.

كما لم تتخلف الزوايا بالصحراء الجزائرية -التي دخلها الاستعمار الفرنسي متؤخرا- عن هذا الدور الهام في صنع تاريخ الجزائر، ويذكر الدكتور بن بريكة في هذا الجانب ما قامت به زاوية الهامل والزاوية القادرية خاصة بوادي سوف اين يوجد ضريح محمد شريف الهاشمي الذي توجد زواياه بتونس والجزائر وهو دفين البياضة بوادي سوف، وقد كان مقاوما للاستعمار و"كتب الله له اسمه بأحرف من نور لأنه تتطوع للجهاد وجند الكثيرين"، كما خرج من مدينة البيض الشيخ عبد القادر بن محمد الذي يدعى سدي الشيخ وقد مات على السواحل الوهرانية سنة 1613 مقاوما للاستعمار الاسباني قبل الاستعمار الفرنسي.

الزوايا بعد الاستقلال..في مناكب المعاهد والجامعات

لم تتخلف الزوايا عن أداء دورها الهام في المجتمع الجزائري بعد الاستقلال وظلت تؤدي ادوارا مختلفة من تعليم القرآن الكريم واللغة العربية وعلوم الدين، إلى جانب الحفاظ على قيم المجتمع الجزائري وتقاليده وتماسك بنيته ولحمته، ويقول الدكتور محمد بن بريكة أن عراقة الزوايا الجزائرية وقوتها في المجتمع وأهمية الدور الذي تؤديه جعلها تقدم أعمالا جليلة حتى بعد الاستقلال لتكون في مناكب المعاهد والجامعات لتعرف الجزائر نمطين من التعليم ، التعليم المعاصر الذي له مدارسه وثانوياته وجامعاته والتعليم التقليدي الذي تجسده الزوايا والكتاتيب القرآنية.

ويضيف بن بريكة، بأن الاستقلال الذي ساهمت الزوايا بشكل كبير في تحقيقه، قد أعاد لها شأنها، حيث تم تجديد البعض منها وإعادة بناء ما هدم الاستعمار، وظلت الزوايا متماسكة تؤدي دورها بثبات عبر كل المراحل التي عرفتها الجزائر إبان الاستقلال، لتشع من خلال النهضة الروحية الكبيرة التي تشهدها اليوم.

ويقسم بن بريكة عمل الزوايا الذي تقوم به خلال الاستقلال إلى ثلاثة محاور مهمة، الأول يتعلق بالمحافظة على القرآن الكريم والمتون والتعليم التقليدي اما الثاني فيتعلق بالمحافظة على الثقافة الوطنية من خلال مظاهر التعامل واللباس والمأكل والضيافة والإكرام. بينما يتمثل المحور الآخر الذي لا يقل أهمية عن سابقيه في إبراز وسطية واعتدال الدين الإسلامي، وبذلك أعطت الجزائر صورة للعالم المعاصر كله عن اعتدال الإسلام، ومدت الجزائر يدها بعد الاستقلال من خلال الزوايا إلى الضفة الأخرى للحوار والوئام والسلام، وبقيت الزوايا رائدة وأسست لها تنظيماتها الخاصة وما زالت تؤدي هذه الرسالة وظهر ذلك جليا في معاملاتها وفي محافظتها على الهوية الجزائرية.

ما الشيخ لحسن حساني، رغم أنه اعترف أن الزوايا عانت الكثير من التهميش مباشرة بعد الاستقلال وخاصة من خلال من رميها بالشعوذة التي هي منه براء -كما قال-، غير أنه اكد بأنها ضلت واقفة وصامدة لتؤدي دورها في نشر العلم وتسديد خطى المجتمع.

الحفاظ على مكاسب أول نوفمبر..
ومثلما ساهمت الزوايا قبل 50 سنة في لم شمل الجزائريين وكانت سندا للثوار والمدرسة التي تخرج منها العلماء أسمعت أيضا صوتها خلال الاستقلال وساهمت في الحفاظ على وحدة المجتمع ومكاسب ثورة أول نوفمبر وبرز ذلك من خلال مشاركتها في الكثير من القضايا المصيرية لمجتمعنا وخاصة في الوقت الذي عاشت فيه الكثير من البلدان العربية بما سمي بالربيع العربي حيث ساهمت في توحيد رؤية المجتمع نحو هذه القضايا وتوحيد صفه وحفظ الوطن وصون كرامته.

وقال لحسن حساني إن الزوايا وقفت بعد الاستقلال في القضايا المصيرية للوطن نفس الموقف الذي وقفته أيام الاستعمار مشيرا في هذا الشأن إلى أن استعمار 1830 هو استعمار 2012 لكنه غير طريقته معتمدا في ذلك على التدخل في شؤون المجتمعات عن طريق زرع الفتنة والبلبلة.

كما ساهمت الزوايا، في دعوة المواطنين إلى المشاركة بفعالية في الأمور المصيرية التي تتعلق بالأمة وزادت من تعلقهم بقضاياهم الوطنية التي تصون وحدتهم وتلم شملهم.

ويقول الشيخ الرقاني، إنه بفضل حكمة الزوايا والرصانة في النظر وتسيير الامور استطاعت ان تحارب كل التيارات التي ارادت أن تبث الفتنة في المجتمع، كما ساعدت بما تتمتع به من صيت حسن في بث الاستتباب الروحي في المجتمع. وأضاف بأنه بفضل فطنة اهلها وشيوخ زواياها وقفت الجزائر امام كل المكائد التي كانت تحاك ضدها وامتثل الجزائريون لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يقول "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد اذى اشتكى من عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى".

موقع الإذاعة الجزائرية/ محمد فركود





سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)