كانت المصاهرة في العهد الزياني، تخضع في كثير من الأحيان إلى الفئوية والطبقية إن صح التعبير، فنرى الأسر العريقة تتقدم إلى مثيلتها في الجاه، والمال والعلم مثل أسرة المرازقة، التي كانت تربطها علاقة المصاهرة، مع بيوتات تلمسانية عريقة كأسرة المقري، وأسرة ابن النجار، وأسرة ابن زاغو وأسرة التنسي(220)، فقد تزوج أبو عبد الله محمد بن مرزوق (681هـ/1282م) جد الخطيب، بابنه الفقيه أبي عبد الله الكتاني، وكان هذا الأخير يعد من كبار بيوتات مدينة تلمسان مالا وجاها، يتمتع بشهرة كبيرة ومقرب لأمراء بني عبد المؤمن في تلمسان، قدم لها زوجها صداقا محترما من الحلي والفرش وغيرها(221)، ولدت له ولدان وبنتا وتوفيت تاركة ورائها أموالا طائلة(222)، وكان ابن مرزوق أهدى لكل بنت من بناته الكثيرات حليا بألف دينار من الذهب، فضلا عن الفراش والثياب قبل زواجهن، وهو ما يعرف بـ''الشورة'' في الماضي، والوقت الحاضر. وأعطى لكل واحد من أبنائه مثل ذلك(223)، وقام بتزويج المؤرخ الفقيه أبي العباس بن القطان، وبنو عامر من البيوت المعروفة بالدين والصلاح والفقه قديما بمدينة تلمسان، وكانت العروس تربطها علاقة القرابة مع العريس(224).
وتزوج محمد الثالث بن مرزوق خطيب مسجد العباد وإمامه (773هـ/1333م)، بست الملوك، بنت يعقوب الهواري، وسبق لها الزواج بالسلطان أبي حمو موسى الأول(225)، تركت بعد وفاتها أموالا كثيرة وحليا وخدما ودواب وبقرا وفرشا وعقارا(226)، ويجهز الأب الميسور ابنته بالملابس والعطور والحلي وأشياء أخرى للزينة يصل ثمنها أحيانا إلى ألفي دينار ذهبا(227).
أما عن سن الزواج، فيبدو أنه كان في ذلك الوقت مبكرا بالنسبة للرجل والمرأة، وكانت بعض الأسر التلمسانية في العهد الزياني، كما هو في الوقت الحاضر، تقدم على خطبة إحدى البنات لأحد أبنائها أو الكلام عليها، وهي في سن الصبا نتيجة القرابة أو الصداقة الحميمة، أو لما تتمتع به الأسرة من علم وجاه، ودين وصلاح. كما فعل الشيخ الفقيه أبو إسحاق إبراهيم التنسي (680هـ/1281م)، عندما أوصى بأن تزف ابنته خديجة(228)، لأبي العباس أحمد بن مرزوق والد الخطيب، وليست ابنة أخيه أبي الحسن كما ذكرت ماريا خيسوس(229)، وهي في سن الرابعة وأحمد ابن مرزوق لا يتعدى السابعة من عمره في ذلك الوقت، وتم الزواج بعد وفاة والدها في عهد عمها أبي الحسن سنة (707هـ/1307م)، وكان السلطان يوسف بن يعقوب المريني، قد أمر لها بمبلغ مالي قدره أربعمائة وثمانين دينارا ذهبا وأهدى لها فرسا، وهو محاصر لمدينة تلمسان(230).
وقد صادفت اليوم السابع لزواج ابن مرزوق بخديجة، فك الحصار الطويل على مدينة تلمسان فخرج من بقي فيها من بقي فيها من المحاصرين، وحضروا الوليمة وأكلوا منها ''فكان ذلك أول رزقهم''، حسب تعبير ابن مرزوق(231).
وكان أمراء بني زيان، يتدخلون إبطال الزواج، ترغم عليه إحدى بنات البيوت العريقة بتلمسان، دون رضاها كما فعل السلطان أبو سعيد عثمان بن يغمراسن مع الفقيه أبي زكريا بن محمد ابن عصفور قاضي مدينة تلمسان، الذي اتفق مع أخ السيدة فاطمة، أرملة الولي أبي عبد الله محمد بن مرزوق جد الخطيب. على الزواج بها بالرغم من معارضة أمها ''منية'' إلا أنها قبلت تحت إلحاح أخيها، وعلى مضض، واشترطت أن تبقى في منزلها، وكان ابن مرزوق قد أوصى السلطان بها خيرا قبل وفاته، وفي اليوم الثالث من زواجها، سمع السلطان بذلك، وكان يوما شديد البرد كثير الثلج، فأمر السلطان بإخراج القاضي مكبلا مجرورا على الثلج وأودعه السجن، ثم أخرجه من المدينة، ونفاه إلى تونس، وندمت فاطمة ولم يهنأ لها بال إلى أن ماتت بعد ذلك بقليل(232). ولعل السبب في غضب السلطان ونكبته للقاضي، هو أنه كان وصيا على السيدة فاطمة وأبنائها بوصية من زوجها الصالح الصوفي المعتقد فيه، ولاسيما وأنه صرح أمامه بجملة توحي بأنه لا يرغب في أن تتزوج أرملته بقوله: ''كيف ترى يا فلان الذباب تدخل مراقد الأسود''(233).
وكانت بعض الأسر من فئات اجتماعية ميسورة، تختار لابنها أو ابنتها من العائلات المتدينة الصالحة، واو كانت فقية(234)، وكانت ظاهرة تعدد الزوجات شائعة في المجتمع التلمساني، كغيره وأن زواج المسنين بصغار السن من الفتيات موجودة في المجتمع التلمساني أيضا، وكذلك الزواج الملون الأسود بالبيضاء، كزواج العلامة فخر الدين بن محمد التكروري، من بنت أبي عبد الله المليكشي الصغيرة الوسيمة الفائقة الجمال، وهو كبير السن أسود اللون(235)،و كما كان سلاطين بني زيان وأمراؤهم يتزوجون زواجا سياسيا، مثل زواج أبي سعيد عثمان بن يغمراسن بابنة أبي إسحاق الحفصي(236)، ويتهادون بالجواري كتلك التي أهداها أبو سعيد الزياني إلى نظيره المريني(237).
وكانت الزوجة ترافق زوجها في هجرته أو ترحاله، وكانت بعض الأسر ترفض ذلك، فتقع الخصومة بين الزوج وصهره، كما حدث مع الخطيب ابن مرزوق، عندما كان ينتقل من مكان إلى مكان عبر أرجاء المغرب والأندلس والمشرق، فالزوجة كانت راضية بينما أهلها كانوا رافضين(238).
وعزف بعض الرجال عن الزواج لكثرة نفقاته(239)، وبسبب طلب العلم والتفرغ له أو زهدا أو خشية من عدم معاشرة الزوجة بالمعروف(240)، وكان التنافس شديدا على المرأة العالمة النبيهة الذكية، وذات المنبت الطيب، في حين أفضل العوام المرأة الجميلة البدينة الشقراء(241).
والظاهر أن عدد النساء بمدينة تلمسان كان أكثر من الرجال، بسبب الحروب المستمرة التي خاضها سكانها، مخلفة عددا كبيرا من الأرامل كما أن تجارة الجواري أسفرت عن اكتظاظ الأسواق بهن، فعز الزواج وكثرت الأرامل والعوانس اللائي، كانت أعمارهن ما بين خمسة وثلاثين وأربعين سنة دون أن يجدن بعولا لهن(242).
تاريخ الإضافة : 24/11/2018
مضاف من طرف : tlemcen2011