الجزائر

الزواج بمنطقة القبائل:بين احترام العادات والتمرد عليها



الزواج بمنطقة القبائل:بين احترام العادات والتمرد عليها
يرتبط الزواج بمنطقة القبائل بإحياء العائلات لعادات مختلفة تبدأ من مرحلة الخطوبة إلى غاية إحضار العروس إلى بيتها الزوجي. ولقد كان لكل مرحلة ما يميّزها من عادات وتقاليد تربى النشء عليها؛ كونها عادات يعتبرها الكثيرون أساس نجاح العلاقات الزوجية بالمنطقة، وهكذا تم الحفاظ على العادات والعمل على توريثها جيلا بعد جيل.قديما كانت العائلة تختار الزوج والزوجة
كان الزواج في الماضي بمنطقة القبائل لا يخرج عن نطاق اختيار الأهل للشاب أو الشابة، حيث كانوا يتفقون على تزويج ابنة فلان من ابن فلان دون أن يدرك أحد من الطرفين الأمر، كما أنهما لا يعارضان اختيار الأهل بعد اطلاعهما، وبهذا يكون الارتباط بين عائلتين أساسه اختيار الكبار، حتى إن العروس ستخضع بعد زواجها لسيطرة العائلة التي ستقرر مصيرها إن أخطأت أو قامت بعمل جيد لعائلتها الجديدة. وليس للزوج أن يعترض؛ فالأساس في الزواج الاحترام والعمل على تكوين أسرة متينة تعيش بكرامة، ولذلك فإن مثل تلك العادات من شأنها المحافظة على رباط الأسرة والعائلة ككل.
وبهذا الشأن تقول “نا فاظمة” البالغة من العمر 90 سنة، إن حياتها لم تكن كما توقعتها؛ حيث كانت بعد زواجها بطريقة تقليدية، مثل اللعبة في يد شقيقات زوجها وحماتها، التي كانت تسكنها الغيرة إلى درجة طلب منها القيام بأعمال شاقة حتى ينال منها التعب، ليشتكي منها زوجها ويطردها، وتجد طريقا للتخلص منها. وتضيف: “لقد صبرت كثيرا على هذا الوضع، لكن مادام اختياري كزوجة تم من طرف أهل الشاب فإن مصيري يقف بيدهم. ومرت السنوات حتى قرروا ردي إلى بيت أهلي لأتفه الأسباب في الوقت الذي لم لم ينطق زوجي بكلمة!... أنجبت ابنتي في بيت أهلي وبقيت هناك إلى أن بلغت سن الخامسة، ليقرروا بعدها ردي إليهم، لكن شاءت الأقدار أن تفرقني الحياة مرة أخرى عن زوجي بعدما خطفه الموت، وهكذا قضيت حياتي وشبابي في خدمة أهل زوجي إلى أن تُوفوا”..
من جهتها، تقول “نا ذهبية” 84 سنة: “لم يكن بإمكاننا أن نتنفس كما يقال أمام الأهل، وليس علينا سوى قول “أنعام”، “يرباح”؛ أي نعم، أو هز الرأس، كدليل على الموافقة، فالرفض لم يكن موجودا في قاموسنا آنذاك، وما يقوله الكبار هو الصحيح والمناسب، فصوتنا كان لا يعلو خشية أن يسمعه الآخرون؛ حيث كانت المرأة تحرص على سمعتها؛ لأن لذلك تأثيرا على سمعة أهلها. وما يقال عنها يؤكد حسن تربيتها ومكانة أهلها، والعكس صحيح، فالخوف هو الذي يتحكم في تصرفاتنا من أن يبلغ الأمر أهلنا، وتكون العاقبة وخيمة”.
وأضافت المتحدثة أن هذا الفكر ظل قائما لسنوات عديدة إلى أن تمكّن جيل اليوم من الشباب، من فك حرية اختيار العروس، لكن تبقى أمور أخرى في يد الأهل، ومن ذلك السماح لها، مثلا، بزيارات قليلة إلى بيت أهلها. وتقول في هذا الشأن “نا عجلية” 99 سنة، إن الحماة هي التي تأمر، وما على الكنّات سوى التنفيذ دون مناقشة أو إبداء رأيهن، كما لا يجب على العروس حتى التفكير في مغادرة بيتها إلى بيت أهلها؛ لأنها تعرف مسبقا أنها لن تُستقبل بالحضن والمحبة!

تمرّد عن العادات لاختيار شريكة الحياة
في السنوات القليلة الماضية، سعى بعض الشباب للخروج عن العادات في اختيار شريكة حياتهم، حيث عمدوا إلى اختيار الزوجة بأنفسهم، وذلك عن طريق التعارف، إما في إطار الدراسة أو العمل أو الجيرة أو غيرها. وهنا تقول السيدة يمينة إن الأولياء يأتون في المرتبة الثانية، كما إن النزعة حاليا تقر بسعي الزوجين للاستقلال ببيت الزوجية، وترى أن مثل هذه الزيجات غالبا ما تنتهي بالفشل، وأن نسبة نجاح الزواج في مثل هذه الحالات قليلة، خاصة مع كراء منزل وكثرة المصاريف.
وأشارت “نا ولتماس” إلى أن الكثير من الشباب لجأوا لاختيار شريكة حياتهم بأنفسهم لكن انتهى بهم المطاف إلى الانفصال. ووصفت المتحدثة الحياة الزوجية لهذه الفئة كعش العصفور المبني بالتراب، فهو غير متين ومآله الزوال مهما طال بمجرد أن تهب رياح المشاكل وطوفان الخلافات.
وحسب بعض الحالات التي تحدثنا إليها تَبين وجود آراء مختلفة، منها من يؤيّد ما قالته نا ولتماس، حيث تقول السيدة جقجيقة 22 عاما، إن الزواج حاليا أضحى شبيها بلعبة القمار؛ إما أن ينجح أو يخسر؛ لأن البنت هنا مصيرها يتوقف على قرارها ولا يمكنها أن تشتكي من زوجها؛ لأنها اختارته بمحض إرادتها، في حين تقول السيدة راضية 38 سنة، “تزوجت في سن العشرين باختيار فردي بيني وبين زوجي، وزواجنا مايزال صامدا والحمد لله. اختياري كان في محله رغم أن أهلي عارضوا الأمر في البداية، وأكدوا لي مرارا فشل الزواج بعد فترة وجيزة، لكن ليس الفشل سببه مخالفة العادات وإنما أسباب كثيرة أخرى لا علاقة لها بالتقاليد”، بينما تقول السيدة علجية 44 سنة، إنه وبالنظر إلى ما كانت تعانيه الزوجة في الماضي، فإن الزواج اليوم أفضل بكثير، حيث إن اختيار الشريكين لبعضهما البعض يصمد أكثر أمام مشاكل الحياة الكثيرة.

خاطبة متخصصة
وظهرت في هذه القرية أو تلك بقرى ومداشر القبائل الكبرى، ظاهرة أن تقوم امرأة معيّنة من قرية معيّنة، بمساعدة بنات قريتها على الزواج، وذلك بالإتيان بخطابين من القرية التي تزوجت إليها، وهو ما يسمى محليا ب “زواج سوفوس”؛ بمعنى أن تكون للمرأة معرفة تامة بالبنت والشاب حتى تضمن نجاح العلاقة.
وفي الحقيقة، أصبحت هذه الظاهرة مرحَّب بها كثيرا مؤخرا؛ حيث اتجهت العديد من العائلات إلى هذه الطريقة التي تقرّب بين القرى والأهالي عن طريق المصاهرة، كما أنها تقضي على العنوسة وسط الجنسين بطريقة أو بأخرى.
وقد رحّب العديد من السكان المحليين بهذه الطريقة مثل السيد محند آكلي، الذي يعتبرها طريقة توازي الخطبة التقليدية التي كانت سائدة لعصور بالمنطقة؛ نظرا لما يصاحب هذه الطريقة من إحياء للعادات ودفع أواصر المصاهرة بين العائلات.
من جهته، يثمّن حكيم هذه الطريقة في إتمام الخطبة والزواج، ويرى أن مثل هذه الطريقة تسهّل أمر اختيار شركاء الحياة، سواء بالنسبة للفتاة أو للفتى، فيما صمّم عمر على أنه ضد فكرة أن تبحث له أمه عن عروس؛ لأنه سبق وأن جرّب ذلك ولم ينجح، ومن حسن الحظ أنه اكتشف نوايا البنت قبل الزواج، وقرر بعدها أن يبحث عن شريكة حياته بنفسه.
وفي الأخير، تبقى العادات هي التي تحكم علاقات الأفراد بمنطقة القبائل، فرغم محاولة العديد منهم التغيير إلا أنهم اكتشفوا في النهاية أن العودة إلى الأصل فضيلة.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)