كان السؤال الذي طرحه علي أحد المتصلين مثيرا : "ماذا تريد من الرواية؟"، كنت قد أجهدت نفسي في القول بأن الرواية بناء، وأن البناء ربما استهلك طاقة صاحبه لسنوات، وأن الناتج الأخير هو "الحياة ثقافيا" وليس المقصود بها حياة هذا الشخص أو ذاك ممن يعمر صفحات الرواتية بظلاله، أو ممن يمر عبر أسطرها سريعا لا نكاد نحس لمروره حفيفا ولا حشرجة، وإنما الشخص الذي تقصده الرواية يقع خارج هذا وذاك. يقف بعيدا في مرمى الكاتب حينما يجيش أدواته ليصفه أو ليستهدفه.. إنها حقيقة قد تغيب عن كثير من القراء.. لأن هناك ضربين من القراء في الرواية. الضرب الأول: طائفة من القراء يغرقون في تلافيف الرواية، ويكورهم موجها وهديرها مع الأحداث، فلا يخرجون منها إلا مع آخر صفحة يقرأونها، وقد أنهكتهم الرحلة وأتعبهم الدوار، وملأ مسامعهم وأنفسهم ضجيج الحياة المتخيلة.. هؤلاء يخرجون من الرواية وقد استشعروا عظمة عالمها، وأنها أكبر منهم وأوسع وأشمل.. فلا يمكن لهم أن يصدروا إزاءها سوى أحكاما عامة. وطائفة ثانية: لا تستسلم بسهولة، ولا يخدعها الحشد المتعمد للأحداث.. كثيرا ما تتوقف -هذه الطائفة -في الدروب ومنعطفات الطرق في الرواية لتسأل: لماذا؟ وكيف؟ ومتى؟ وهل يجوز؟..وو.. إنها أسئلتها التي تقاوم بها الاستلاب الذي يمارسه المتخيل على الخيال، يدفعون بأسئلتهم ضجيج اللغة، وتعدد أصواتها في النسيج السردي.. كثيرا ما يراجعون بعض الموافق، فيعودون صفحات إلى الوراء ليعيدوا قراءة مقاطع وفي أذهانهم ما يعرفون من مآلاتها التي خطها المؤلف في الصفحات التي قرأوا... ساعتها يكون الاستفسار عن البناء، وعن العلاقات السببية التي تحكم وتيرة السرد.. ساعتها ترتفع حاسة القراءة عن الشخصيات إلى مراقبة الرسائل المسدوسة في أقوالهم، وأفعالهم، ومشاعرهم.. إن حركة الذهاب والإياب في القراءة.. هي عينها الحركة التي يقوم بها الروائي أثناء كتابة الرواية. حينما يعود القهقرى إلى صفحات مضت تؤسس مضامين صفحاته الجديدة، فيجد حاجة ماسة لمراجعتها.. لأنه إن أغفلها انفرطت من حبال الشد التي يشد بها عرائسه.. كما يفعل صاحب عرائس القراقوز... إنها خيوط تقطع الرواية طولا وعرضا، وتمتد يمينا وشمالا.. تشد الشخصيات والأحداث إلى بعضها بعض.هذا الشد المحكم لا يخدم شيئا في النهاية سوى الكشف عن "الإنسان" في خضم الحياة.. ليس كشفا واقعيا كما يمارس في واقع الناس، وإنما كشف يرتقي بالفكرة إلى عالم تتموضع فيه الصورة في إطارها الثقافي لتغدو "عينة" تمثل قطاعا واسعا من الناس، يمكن اختزال وجودهم في تلك الشريعة المنتقاة "ثقافيا" في الرواية... فإذا تخلت الرواية عن هذه المهمة فقد اكتفت بتقديم قصة فجة لن ترق بحال من الأحوال إلى عالم النمذجة الأدبية، والاجتماعية، والجمالية.(*) عن موقعه في fb
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 05/02/2014
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : حبيب مونسي
المصدر : www.djelfa.info