يرى الروائي الجزائري فيصل الأحمر، أن السبب الحقيقي في قلة أدب الخيال العلمي عربيا يتمثل في الصلة الإشكالية التي تشكلت عبر الزمن بيننا وبين هذا الجنس الأدبي.وقال الكاتب في حوار له مع جريدة العرب أن "الغالب عندي هو أن السبب ثقافي وسياسي، فالخيال العلمي أدب افتراضي أي نظري، دوره الأساسي هندسة المستقبل ورسم معالم الزمن الآتي، وبهذا فهو أدب إنسان قوي متحكم في الواقع” متابعا حديثه” ونحن نجد الأنظمة السياسية التي ظلت مهيمنة على العرب منذ الفترة الاستعمارية والمستمرة منذ تلك الفترة أنظمة تنظر إلى العربي كفرد مسلوب الإرادة، ولا تشجع مبدأ التفكير والتحليل الفلسفي للأشياء التي يمكنها رسم معالم أخرى للحياة، وهو مبدأ تحاربه هذه الأنظمة دينيا بخلفية الكفر والتجديف والزندقة العقلية، لهذا يتطور عندنا الأدب الرومانسي كثيرا، فهو أدب الإنسان المغلوب على أمره، مسلوب الإرادة”.
وبخصوص المشهد الثقافي الجزائري يعترف الروائي فيصل أنه ثري وغني ويقول إنه “شديد التنوع، وربما يكون أكثر حيوية مما هو عليه في كثير من البلدان العربية، والغالب عندي كتفسير لهذا الأمر هو الانتعاش السياسي الذي شهدته الجزائر -لقاء ضريبة باهظة جدا-، بدءا من عام الحراك العربي الأول 1988.. والثراء يأتي أولا من أن البلاد تعرف تقاليد كتابية تتوزع على لغتين واسعتي التداول: العربية ثم الفرنسية، تضاف إليهما الكتابة محدودة التداول -والتي لا تقل أهمية عن الأوليين من الناحية الثقافية- باللغة الأمازيغية”، مشيرا إلى أن معاناة الأدب الجزائري تكمن في نقص الدعاية والنقد حيث قال “سوء قراءة للنصوص، نوع من الدعاية الغائبة للكتاب الجدد في ما عدا نصف دزينة من المشاهير الذين لم يعودوا يمثلون شيئا ولا أحد عدا أنفسهم، ورغم أن المشهد شديد الحركة، كثير الوعود، فإن الواقع الثقافي معتمل ولا ندري جيدا ماذا ولا كيف ستكون مخرجاته” مضيفا” علينا أن نمنح المسيرة الوقت قبل أن نعاين النتائج”.
من جهة أخرى تحدث الأديب الجزائري عن أهم الإضافات الأساسية التي ساهمت بها للثقافة الجزائرية في الثقافة العربية هي “موقع المرأة في المجتمع، بعيدا عن النموذج اللبناني الذي بدا دوما صعب التصدير إلى باقي البلدان العربية، والواقع أن النموذج الجزائري قد أتى أكله باكرا من خلال ظواهر كديمقراطية التعاطي السياسي، ونشر ثقافة التحزب، ودخول العامة في الاهتمام بالسياسة، وخاصة الإدراج الفعلي والكمي للمرأة في الميدانين السياسي والإداري، كما أن المرأة الجزائرية دخلت الميدان الفكري والثقافي بأعداد هائلة أيضا، وقد يكون الانتعاش الكبير للجوار بين اللغتين الفرنسية والعربية لدينا سببا في هذا الأمر، إذ قلّما نجد في بلاد عربية مناضلة نسائية عتيدة تتحول إلى المعارضة السياسية ثم تدخل حكومة البلد كوزيرة للثقافة، كما حدث في الجزائر.. والأمثلة الجزائرية على الدخول الفعلي للمرأة في النمذجة الثقافية وفي الهندسة المجتمعية كثيرة”.
وعن أدوار النقد التي يمكن أن يلعبها في مواكبة مسارات الإبداع يقول فيصل الأحمر “إن مسارات النقد هي مسارات الإبداع أو مسارات الكتابة ومسارات هذه الأخيرة تتبع بالضرورة مسارات الحياة” مستطردا ” ليس عبثا أن النقد وجد نفسه مولعا بالظواهر الاجتماعية منذ نصف قرن أو أكثر قليلا، ثم وجد نفسه يميل ميلا بنيويا من ثلاثين سنة.. فقد كان المجتمع العربي ونصوصه في مسيرة البحث عن تمثيلات جديدة للشيء الذي كان بصدد البحث عن مكان له على أديم الحياة غداة الحركات التحررية من الاستعمار: المجتمع، وقد استفرغت النصوص طاقة تأملية واسعة لأجل رسم ملامح مجتمع جديد في المرحلة الأولى، وقد وجد نفسه في المرحلة الموسومة بالبنيوية بصدد البحث عن فهم عميق للظواهر الحياتية/ النصية وهذا ما يتماشى تماما مع المزاج البنيوي”.
وما يحدث، يقول الكاتب أن “النقد يجد نفسه عموما حبيس أحكام سابقة تتعامل مع نصوص اليوم وهي في جوهرها موجهة لقارئ يأتي غدا، النقد الذي كان في جوهره معرفة مشكّلة حول النصوص صار معرفة غير قادرة على أخذ المسافة الكافية لإصدار الأحكام حول النصوص، هذا هو سبب لجوء الجامعيين عندنا في الجزائر -وأشعر أن جميع بلدان العرب تعرف الظاهرة نفسها- إلى الدراسات التي ترتكز على نصوص قديمة مرسمة، متجنبا جديد الساحة الأدبية إلا في ما ندر من الحالات، فيما نلاحظ لجوء النقد الصحافي بحيويته الكبيرة وسرعة أدائه وتداوله الشعبي الواسع إلى عمل اللوبيات والجماعات الضاغطة، إلى الكتابة في إطار مقيت من الشللية واشتغال العصب وحتى الاصطفافات الأيديولوجية، مع استثناء القلة الجادة من نقاد الصحافة المعول عليهم.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 28/01/2020
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : نسرين أحمد زواوي
المصدر : www.elhayatalarabiya.com