الجزائر

الروائي عبد الوهاب بن منصور لـ"الفجر الثقافي" حياتي خيط رفيع داخل رواياتي.. ولن يبق كتاب مناساباتي واحد في الجزائر



الروائي عبد الوهاب بن منصور لـ
  منذ مجموعته القصصية "في ضيافة إبليس" ثم "قضاة الشرف" وصولا إلى "فصوص التيه".. تتجلى حكمة سردية مثيرة قادمة من ندرومة بتلمسان، يحبكها عبد الوهاب بن منصور وفق رؤية صوفية، قد يكون السباق إليها في الجزائر، من خلال توظيف التراث والتصوف الشعبي الرابض بمدينته ومدن جزائرية كاملة. رواية فصوص التيه على وزن فصوص الحكم لابن عربي قدمت لغة جديدة في السرد الجزائري، رصد فيها عبد الوهاب قاموسا صوفيا جزائرياً.. فكان الشيخ الحقاني طريق للحق والتجلي والانكشاف. بعد 2006 تاريخ نشر فصوص التيه عن منشورات البرزخ لم ينشر عبد الوهاب عملا جديداً، لكنه أضاف لشهرته القصصية والروائية مجالاً جديدا يقول إنه حافل في الجزائر وعلى الكتّاب الانتباه له.. غير أن الولوج لعالم السيناريو لم يخف مسحة السرد الذي يعرف عبد الوهاب جيدا كيف يغمسنا فيه من الغلاف وإلى الغلاف. على ماذا تشتغل.. ما هي حكمة الصمت هذه بعد فصوص الحكم عفوا "التيه"؟ بالفعل بعد فصوص التيه لم أنجز لحد الآن أي نص أدبي، سواء كان رواية أو مجموعة قصصية، كتبت بعض القصص لكنني لم أجمعها بعد في كتاب، خلال هذه الفترة كنت داخل حالة تأمل، قراءة وإعادة النظر، من المهم جدا أن نقوم بذلك، كذلك دخلت عالم أخر ربما سأستمر فيه، إنه عالم السينما حيث كتبت سيناريو حول الشخصية الصوفية قدور بن عاشور وقد عرض ضمن تظاهرة تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية، كذلك كتبت سيناريو آخر حول التعذيب في الجزائر لصالح وزارة المجاهدين. ذكرت أنك خلال هذه الفترة كتبت مجموعة من القصص، هل لا تزال القصة تحتويك؟ بطبيعة الحال بدأت مساري الإبداعي قاصا ولا زلت، ربما الرواية هي شكل آخر أو فضاء آخر يمكنك أن تقول ما لا تقوله القصة الرواية تمنحنا فضاء وحرية أوسع لكن تبقى القصة بفنياتها وبلغتها المكتفة تحتويني وتستهويني. أكتب قصصا ليس بالكمية التي بدأت بها، لكن لا زلت أفعل ذلك وأحاول أن أدخل مع كل قصة التجريب لأن هوسي الآن مع كل قصة هو التجريب. لماذا ولجت عالم السيناريو بالذات.. هل كان ذلك عن حب أم بحثا عن راحة معينة مادية خاصة؟ لا أشتغل على السيناريو عن حب وليس بحثا عن راحة، هو حب كذلك، لأنني منذ الصغر أحب السينما والمسرح، وقد كتبت في السابق للمسرح. هناك أشياء نحبها في الصغر ثم نغفل عنها، لكن الحنين والحب يعود إلينا بعد ذلك، ربما الفرصة لم تأتنا قبل هذا اليوم فقط، وعليه لما جاءت الفرصة، لم أتردد واخترت الغوص في شغفي القديم. السيناريو أمر جميل خاصة أنني أعمل على كتابة سيناريوهات لأفلام وثائقية، والأفلام الوثائقية هي أفلام تاريخية، علمية، معرفية بالدرجة الأولى وهو ما يبقيني داخل البحث والتاريخ والجغرافيا وما إلى ذلك. كيف يكتب الروائي أو كاتب القصة السيناريو، وما هي أدواته في ذلك؟ طبعا كتابة السيناريو تختلف عن الرواية والقصة، لأنها كتابة بالصورة، لكن هناك تقاطعات، القصة تاريخيا مثلا كانت تسمى لدى النقاد بالصورة القصصية، غير أنه عندما تتحول اللغة في مجملها إلى مجموعة من الصور يصير هذا العالم مثير ومفعم بالحياة والحركة، هذا يستهويني لأنني عاشق كبير للصورة، عاشق لكل ما هو جميل وأحاول من خلال كتابة السيناريو أن أقدم عملا جميلا، عملا يعطي نظرة جمالية وفنية للمتلقي. تعود أزمة الدراما في الجزائر إلى النص، هل تعتقد أن دخول الكاتب الأدبي إلى هذا المجال سيخفف من الأزمة؟ هذا أكيد، عندما نتتبع ما ينجز في بلادنا في مجال السينما والدراما ندرك أن هناك غيابا ملحوظا لكتّاب مختصين في السيناريو، وأقصد بالكتّاب المختصين هو ليس ذلك الشخص الذي يتخصص في كتابة شيء ما وإنما هو ذلك الشخص الذي يستطيع أن يقدم شيئا جديداً في كتابة السيناريو، خاصة وأن ما ينجز لدينا من أفلام ضعيف. رغم احترامي لكل من يكتب في السيناريو، لا أعتقد أنهم وصلوا إلى شيء كبير، مثلا عندما تشاهدين ما يعرض في رمضان من مضمون نجد أن مضمون السيناريو الجزائري مهتز من ناحية الحوار والحبكة وحتى من الرؤية العامة والرؤية الجمالية المقدمة. وعليه ما قلت هناك اهتزاز ملحوظ لذلك ربما أرى أن الكتّاب والأدباء عليهم أن يدخلوا هذا العالم ليمنحوا ويقدموا لهذا الحقل بعض من تجاربهم، بعض من رؤاهم الجمالية والمعرفية. هل تحاول إقناعنا أن صاحب فصوص التيه لا يكتب حاليا.. النشر حالة ثانية؟ لا بكل سكينة لا أزال أكتب، عندي رواية قد تطلع منتصف السنة المقبلة، هي رواية مغايرة لا تنتهج نهج قضاة الشرف وفصوص التيه، إنها مكتوبة بواقعية أكثر، وفيها بعضاً من سيرتي الذاتية، بعيدة كل البعد عن مجال التصوف كما عرف عن عبد الوهاب، حاولت أن أحافظ على لغتي قدر الإمكان لكن الأجواء مختلفة تماما، هي أجواء سياسية اجتماعية يتصارع البطل داخلها، مع المجتمع والحياة والنظام واقصد بالنظام الحزب الواحد لأنها رواية تأخذنا إلى الوراء قليلا، وفيها بعضا من سيرتي. عند كتابة السيرة، هل يتحكم الكاتب في البطل الذي هو انعكاس سردي له؟ لا لا.. ليست سيرة ذاتية مطلقة، هو خيط مني فقط، أنا أقول إنني حين أكتب لا أكتب واقعاً، وعندما ذكرت سيرتي الذاتية كنت أقصد مجرد منطلقات سردية هي ذلك الواقع الذي انطلق منه فقط، لذا تبقى الرواية عمل تخيلي هو إعادة كتابة الواقع وإنتاجه من جديد، أو هو تكسير لذلك الواقع وإعادة تشكيله وفق رؤية تخيلية بعيدة تماما عن حياتنا الخاصة.  هل يحصل لديك الرضا بعد الانتهاء من كتابة رواية ما.. وهل أنت راض بما قدمت لحد الآن؟ ربما ليست مقتنع ولا راض.. لكن يحدث لي ما يشبه التشبع بعد كل عمل، لقد تشبعت من حياتي وأحمد الله عليها كيفما كانت، لكنني صدقا أقول لقد عانيت كثيراً، وهذه المعاناة هي التي تهمني لأننا نحتاج إلى معاناة ومكابدة حتى نكتب الأفضل.. قاعدة العمل الأدبي ليست الرفاهية على الإطلاق.. لقد حملت عذاباتي إلى نصوصي، وأدرك أن ذلك أشبه بالعلاج النفسي، لكن علينا أن نعترف أيضا أن الكتابة هي معجزة الشفاء. ما رأيك في التهافت على الكتابة الغرائبية أو الصوفية الطرقية الجزائرية؟ لقد كنت من الأوائل في الجزائر الذين كتبوا عن التصوف وبقاموس صوفي سواء من ناحية المضمون أو الأحداث أو اللغة، بعد ذلك اكتشفت أن عددا من الكتّاب ينتهجون هذا الطريق، نصيحتي في ذلك أن التصوف لا يقرأ من الخارج وإنما يقرأ من الداخل، لأن التصوف ممارسة وليست فلسفة أو فكر ويبقى من يريد فهم هذا العالم عليه أن يقرأه من الداخل وليس من الخارج. الآن ربما تحول إلى موضة لأن لغته جميلة تمنحنا فضاء أكثر للتعبير وكذا القدرة على تجاوز الواقع، هذا هو السحر في التصوف وهذا السحر هو الذي جعل الكثير من الكتّاب ينتهجون هذا المسار. ولكن لماذا هذه الموضة.. موضة الكتابة الصوفية؟ لا يمكن قراءة أي عمل أدبي أو فني دون إسقاط سياسي، لذلك أرى أن الإسقاط السياسي لا يمكن فصله على أي متن سردي أو شعري.. التصوف والمعاناة ولدت منذ القرن الرابع الهجري وكانت المعاناة قد بدأت مع اللغة، وكونوا قاموسهم الصوفي اللغوي خشية سلطة ما سلطة النظام السياسي فكانت هذه اللغة هي من باب المواراة ومن باب الابتعاد عن هذه السلطة حتى لا ينكشف الأمر ويكون التصادم مع هذه السلطة، والتاريخ يحمل نماذج بدءا من الحجاج. ماذا عن النماذج الجزائرية.. ما هي المراجع الصوفية في الجزائر؟ هناك عفيفي الدين التلمساني رغم أنه عاش في مصر ودفن في تلمسان، لكنه يبقى متصوفا جزائريا من مؤسسي التصوف ومن المراجع المهمة في التصوف في بلاد المغرب، هناك أيضا محمد الهاشمي الذي هاجر مع الشيخ بن يلس التلمساني المعروفة بهجرة التلمسانيين إلى دمشق سنة 1911 بعد إصدار فرنسا لقانون التجنيد الإجباري، كذلك المتن الصوفي الجزائري سيعتمد على مدونة شعرية كبيرة بدءا من سيدي لخضر بن خلوف وقدور بن عاشور وآخرون.. هؤلاء المتصوفة كتبوا حياتهم وتجربتهم الصوفية عن طريق المتن الشعري بواسطة قصائد الشعر الملحون الهائمة في العمق والتصوف. ونحن في بداية سنة جديدة.. كيف تقيّم المشهد الثقافي الجزائري؟ المشهد الثقافي الجزائري الآن يمنحنا الأمل لكن تعتريه بعض الشكوك، مع الانفتاح وسهولة النشر تطرح تساؤلات عديدة، صراحة علينا أن نعترف أن المبدع سهلت عليه جدا عملية النشر، لكننا نجد في المقابل أن شباب اليوم يتسرع في النشر ويستسهل الأمر كثيراً كأنه يريد أن ينال لقب الكاتب أو الروائي بمجرد عملية نشره للعمل. وكيف يتحصل على اللقب حسب نظرتك؟ لا يهم اللقب، العمل الذي يهم.. المتن الذي يضعه الكاتب، مدى صدقه وأصالته، الكتابة هي اثر يتعذر محوه، لذا إذا كان العمل صادق وحقيقي سيجد مكانه لا محالة مهما طال الزمن، وإذا لم يكن اليوم فغدا.. ربما سهولة النشر قلبت عددا من المعايير، في عاصمة الثقافة العربية مثلا كم من كتاب بقيّ الآن.. هذا لا يعني أن كل هذه الكتب لا تعني شيئا لكن أغلبها.. تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية، 365 نشرت أزيد ماذا سيتبقى.. لا أعتقد أن هناك أثر لهذه المناسبات. أنا ضد الإصدار المناساباتي.. الكتاب الذي كتب استنادا لمناسبة ما ثقافية بالضرورة كتب مستعجلاً..   حاورته : هاجر قويدري    


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)