الجزائر

الرجل الذي فقد مخه



الرجل الذي فقد مخه
تحاول الأقليات في كل مكان، التغلب على حرمانها واختزالها، بالسعي والجد في التعلم والتفوق وإتقان الفنون والحرف والاختصاصات. لم أصادف أي مسيحي أو يهودي أو مندائي أو إيزيدي أميا في العراق. كثيرا ما يتقنون لغة أجنبية أيضا ويتخصصون بحرفة صعبة.هكذا برز النصارى واليهود في ميدان الفكر والصحافة عندنا. بيد أن قضية فلسطين أحرجت وضع اليهود فحرمتهم الدولة من وظائفها وأعمالها، وأخيرا اضطرتهم إلى هجرة البلاد. بخروجهم فقد العراق شريحة كبيرة مهمة تميزت بالليبرالية واليسارية والفكر الحر عموما. كان خروجهم من العوامل التي فتحت الباب للديكتاتورية.يظهر أن بعض المسيحيين أيضا أخذوا يقلقون على مصيرهم فراحوا يتركون البلاد فرادى. وصل الفكر العراقي إلى أوج روعته في الخمسينات التي تميزت بالعلمانية والعقلانية والعصرنة. قام ذلك على أكتاف اليساريين بقيادة الحزب الشيوعي. بيد أن أعداءهم البعثيين ما تسلموا الحكم في 1963 حتى شنوا حملة دموية شنيعة ضدهم. جرت تصفية الكثير من قادتهم. تجددت الحملة في عهد صدام حسين بما أسفر عن تصفية العديد منهم وتشريد الآخرين. لم يبق لليساريين مجال للعيش فنزحوا إلى شتى ديار الله. انضم من بقي منهم أخيرا إلى صفوف المعارضة في الخارج في التسعينات. الكثير منهم هجروا العمل السياسي والفكري.بسقوط نظام صدام حسين في 2003، جرت حملة اجتثاث البعث، بما يعني عمليا اجتثاث من تعايش مع نظام صدام حسين من المثقفين والمهنيين والموظفين. هاجر منهم من استطاع الهجرة. ثم توجه الضغط على الصابئة المندائيين بما اضطرهم هم أيضا للهجرة. وهكذا تجد الآن المثقفين والمهنيين والأدباء والعلماء والأطباء والشعراء العراقيين في كل مكان إلا في العراق تقريبا. أصبح البلد مثل رجل ابتلي بألزهايمر وفقد عقله وتفكيره. لا أذكر قط دولة في التاريخ فرطت في إتلاف كوادرها القادرة وثروتها البشرية كهذا العراق. ولكن العراقيين معروفون بالتبذير.وفي هذا الفراغ وجدت الأحزاب الطائفية فرصتها لتمسك بكل شيء وتحتكر لنفسها كل شيء بدعوى المظلومية والتعويض عما فاتها في العصور السالفة، ولِمَ لا وهناك ثروة أسطورية في متناول اليد؟ وكله بما أغاظ بقية الطوائف، وخاصة السنة، بما شجع البعض إلى امتهان الإرهاب والخطف والانتقام.لا شك أن قسطا كبيرا من المحنة يعود للأخطاء التي ارتكبتها الإدارة الأميركية، وعلى رأس ذلك حل الجيش العراقي وأجهزة الأمن والمخابرات وترك الناس ينهبون أسلحته على هواهم، ثم إسناد الإدارة لرجل مستجد لا علم له ولا خبرة بشؤون العراق أو المنطقة. وأعطى بعض المسؤولين الأميركان أمثلة تعيسة للعراقيين في النهب والفساد. ومن سذاجاتهم تعليق مستقبل هذا الرجل الذي فقد مخه، في هذا البلد المعقد، الحافل بالأقليات والمنازعات والمتاخم لإيران، على أصوات ناخبين أميين وأنصاف أميين في انتخابات يصعب ضبطها أو تأمين حرياتها.




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)