الجزائر

الرجال يضعون حدا لحيالتهم 10 مرات أكثـر من النساء جزائريون يستعجلون الموت بالانتحار



لا يتوقف الأكاديميون والأخصائيون النفسانيون عن دق ناقوس الخطر إزاء ظاهرة تنخر المجتمع في صمت  رهيب ومخيف.. إنه الانتحار. الجميع يعرف معناه، ولكن لا يعرفون أسبابه، ومتى يقرّر الإنسان وضع حد لحياته.. ''الخبر'' سلطت الضوء على هذه الظاهرة المتنامية في المجتمع الجزائري.

الرجال ينتحرون أكثـر من النساء في الجزائر
كشف البروفيسور محمد تجيزة، رئيس مصلحة الأمراض العقلية بمستشفى دريد حسين لـ''الخبر''، أنه نادرا ما تنجح النساء في محاولات الانتحار التي يقبلن عليها، وأضاف أنه عادة ما تلجأن
إلى محاولات الانتحار لمساومة المحيطين بهن حتى يولوهن اهتماما.
 أوضح البروفيسور من جانب آخر أن نسبة إقبال الرجال على الانتحار أكثـر بـ10 مرات عن النساء بالجزائر، وأن نسبة كبيرة ممن لم تنجح محاولاتهم يعيدون الكرّة. غير أن محدثـنا استثـنى في هذا الإطار حالات لأشخاص تمكنوا من تجاوز محنتهم، ونجحوا في بناء حياتهم من جديد، بل وبرزوا في مجال عملهم.
وفي إجابته عن أسئلة ''الخبر'' عن هوية من يلجأ للانتحار بالجزائر؟ وهل يمكن لمن فشل في الانتحار أن يعيد الكرّة مرة أخرى؟ أو بالمقابل هل يستطيع تجاوز الحالة والانطلاق من جديد للنجاح في حياته؟ أكد لنا البروفيسور تجيزة محمد، رئيس مصلحة الأمراض العقلية بمستشفى دريد حسين بالجزائر العاصمة، أن المقبل على الانتحار عادة ما يكون صاحب شخصية هشة ومتهلهلة، وبالتالي، فإن أدنى مشكل يصادفه في حياته يمكن أن يكون وراء محاولة انتحاره. وعليه، كلما كان الشخص ذا شخصية ضعيفة، كلما كثـرت إمكانية لجوئه للانتحار. ليضيف أن الرجال يلجأون للانتحار 10 مرات أكثـر من النساء، وأن دراسات عالمية أكدت أن معدل انتحار الرجال مقدر بـ07 رجال مقابل امرأة واحدة، حيث أن المرأة تلجأ للانتحار ـحسبهـ لمساومة المحيطين بها حتى يولوها اهتماما، وعادة ما تخفق في محاولة انتحارها.
أما عن المرحلة العمرية المعنية بالظاهرة أكثـر من غيرها، فممثـلة في مرحلتي المراهقة والشيخوخة وهو المتفق عليه عالميا، حيث ينتحر الشيخ جراء إصابته بالعمى الذي يظهر عند العديد في هذه المرحلة العمرية، أو بمرض خطير لا يتقبله، فيضع حدا لحياته قبل الأوان أو لسبب آخر.
أما عندنا بالجزائر، فيختلف الأمر بالنسبة للمسنّين الذين لا تسجل عندهم حدة الظاهرة، والسبب ـ حسبه ـ راجع للوازع الديني الذي يمنعهم من ذلك. أما عمن يكرّرون المحاولة، فيقول محدثـنا إنهم أشخاص مقتنعون بفكرة الانتحار، وبالتالي، حتى وإن لم يفلحوا في الأولى بسبب تمكن أشخاص من منعهم من الإقبال على الفعل، فإنهم يعيدون الكرّة رغم التكفل الطبي بهم، والسبب ـ حسب محدثـنا ـ راجع إلى أن المشاكل الاجتماعية التي عادة ما تكون وراء الفعل باقية على حالها، وهو ما يطلق عليه المختصون في علم النفس ضغط الأحداث الذي يولد الرغبة في الانتحار، ليطرح بالتالي وجوب التكفل الاجتماعي بمن حاولوا الانتحار، موازاة مع التكفل الطبي لضمان عدم معاودتهم للكرّة.

علماء الجزائر: الانتحار حرام قطعيا
 يجمع علماء الجزائر على حُرْمَة إقدام العديد من الجزائريين على الانتحار تحريمًا قطعيًا لأيّ سبب كان، تعبيرًا عن احتجاجهم على الأوضاع المزرية الّتي يعيشونها في حياتهم اليومية، من انعدام الشغل والسكن والحفرة وغيرها.
ويقول فضيلة الشيخ عبد الرحمن شيبان، رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، إنّ ظاهرة الانتحار غريبة عن بلدنا، وهي من كبائر الذنوب. وأرجع أسباب استفحالها مؤخّرًا إلى حرمان الشباب من مرافق الحياة السوية، كالشغل والسكن، معتبرًا أنّها مبرّرات واهية، ولا يحق للمسلم أن يعتد بها ليغضب الله عزّ وجلّ. ويفتي فضيلة الشيخ الطاهر آيت علجات بحرمة قتل النّفس، سواء بالانتحار أو غيره، موضّحًا أنّ في قتل النّفس السَّخَط من قضاء الله تعالى، مشيرًا إلى أنّ الله عزّ وجلّ حرَّم الانتحار تحريمًا قطعيًا لأيّ سبب كان، ودَلَّلَ بقول الله سبحانه وتعالى: {وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا}، وبما ورد عن النّبيّ، صلّى الله عليه وسلّم، قوله في الحديث الصحيح الّذي أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: ''... ومَن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنَّم خالدًا مُخلَّدًا فيها أبدًا''.. حديث صحيح رواه البخاري ومسلم. ودعا الشيخ آيت علجات الشباب الجزائري إلى التّمسُّك بتعاليم الإسلام الّتي تُحرِّم الانتحار وأمثـال هذه الكبائر، وأن يواظبوا على أداء الطاعات والفرائض، كالصّلاة في وقتها وفي جماعة، والعمل بإتقان، واحترام الوقت وغيرها.

موسى: تمنيت  تفجير نفسي
 قال الشاب موسى فارس بأنه ندم على استعمال البنزين في محاولة انتحاره، وتمنى لو لغم نفسه بعبوة ناسفة في محاولة الانتحار بقاعة الاستقبال لديوان الوالي منذ عشرة أيام، حيث كان يريد طلب مساعدة للعلاج ومواجهة ظروفه الاجتماعية الصعبة بسبب الشلل النصفي الذي أصابه في 2007 بعد حادث مرور، حيث بات يستعين بجهاز طرح الفضلات الذي يفترض أنه لا يتجاوز استعماله السنة، ويتمنى استبداله بعلاج طبي ناجع يخفّف عنه متاعبه الصحية.
ولما اشتكى لمصالح النشاط الاجتماعي، نصحوه بتغيير إقامته إلى منطقة ليس فيها مرتفعات حتى لا تتعطل دراجته، وهو ما لم يكن متاحا. وما زاد من قنوطه رفض مستشفى الطارف استبدال جهاز طرح الفضلات بحجة أنه غير مقيم به، الأمر الذي جعله يقدم على حرق نفسه أمام مقر البلدية التي بقيت وعودها بالمساعدة حبرا على ورق. وبعد أسبوع من محاولته الأولى، ازدادت أوضاعه سوءا وحالته النفسية ترديا، وندم على عدم استعمال عبوة ناسفة في محاولة الانتحار بدل البنزين.

رغم خضوعهم للعلاج
نزلاء المستشفيات العقلية ينتحرون في غرفهم
 أجريت دراسة على مستوى مستشفى دريد حسين للأمراض العقلية، وتطرقت لمشكل انتحار المرضى داخل مستشفيات الصحة العقلية. وقد كشفت هذه الدراسة التي استندت إلى إحصائيات ملفات ذات المستشفى، تسجيل 37 حالة انتحار داخل المستشفى خلال الخمس سنوات التي اختيرت، إلى جانب 21 حالة وفاة داخل المستشفى العقلي، من بينها 03 حالات انتحار سجلت على مدى 20 سنة، وهو ما يبيّن أنه رغم خضوع نزيل مستشفى الأمراض العقلية للعلاج، فإن الانتحار وارد عنده. لتوضح نتائج الدراسة أن الشريحة العمرية التي سجلت عندها محاولات الانتحار ممثـلة فيمن تراوحت أعمارهم بين 28 و38 سنة، وبنسبة مئوية فاقت 50 بالمائة، في حين لم تسجل ولا حالة انتحار عند من تجاوزت أعمارهم 49 سنة. أما عن وضعهم العائلي، فسجلت الدراسة أن 84 بالمائة منهم عزاب، مقابل 13 بالمائة متزوجون، كما عانوا منذ صغرهم من تفكك عائلي ملحوظ، سواء بسبب طلاق الأبوين أو تواجدهم وسط عائلة كثـيرة العدد. كما أن 78 بالمائة منهم سبق له أن قضى فترات استشفاء بأقسام الطب العقلي، علما أن طبيعة معاناتهم العقلية ممثـلة في ''السكيزوفرينيا'' (انفصام الشخصية) عند الغالبية، وبنسبة بلغت 62 بالمائة.

أستاذة جامعية حاولت الانتحار بعد فقدان ابنيها في حادث مرور
 رغم مرور 15 سنة على الحادثـة، إلا أن استرجاعها لها سبّب لها ألما كبيرا بدا على محياها وهي ترجع بنا لسنوات كثـيرة مضت، رجعت لذاك اليوم المشؤوم الذي فقدت فيها ابنيها كريم، 22 سنة وسمير، 18 سنة، وهما في عز شبابهما في حادث سيارة، كان أحد أيام شهر أوت الذي باتت تمقته، وكانت تنتظر ابنيها العائدين من أحد شواطئ ولاية تيبازة واللذين استقلا سيارتها على أمل الرجوع في المساء، لكنهما لم يرجعا بل تفاجأت بخبر حادث السيارة الذي أودى بحياتهما.. لمسنا عمق الجرح الذي لم يندمل بعد رغم مرور السنوات، من خلال تقاسيم وجهها التي تغيرت فجأة.. واحترمنا سكوتها لفترة، لتكمل حديثـها قائلة إن الصدمة كانت أكبر من أن تتحملها، حيث لم تعد تتذوق طعم النوم إلا بعد تعاطيها لبعض المهدئات. وفي أحد الأيام، قرّرت أن تجرّب ما عاناه ابنيها خلال الحادث الذي حرمها منهما.. واستقلت سيارة زوجها قاصدة المجهول وبسرعة فائقة، وكانت كلما داست على المقود، أحست بأنها تقترب من ابنيها.. لتستفيق ذات يوم على سرير مصلحة الإنعاش لأحد مستشفيات الجزائر العاصمة، وهناك قالوا لها إنها قضت أكثـر من شهرين غائبة عن الوعي جراء حادث مرور تعرّضت له، لتستعيد الحياة التي كتبها لها المولى من جديد نادمة عما اقترفته، وتقرّر زيارة البقاع المقدسة في موسم حج تلك السنة، لترجع بعزيمة وإيمان قويين كانا وراء استعادتها لحياتها بصفة عادية.

مقاول عقاري ناجح فشل في الانتحار
السيد ''م.ح''، 49 سنة، مرقي عقاري استطاع أن يفرض نفسه في سوق العقار بالجزائر، وبات يحصد النجاح تلو الآخر في مشاريعه العملية. حدثـنا بتلقائية عن مرحلة قال إنه طالما أراد أن يدسها في أعماق نفسه وألا يسمع بها أحد، مضيفا أن اختياره البوح بها عبر الجريدة من باب العبرة لمن يفقد الأمل في هذا الحياة في مرحلة ما ويرى أن الحل كامن في الانتحار والهروب من الواقع.. رجع بنا لـ20 سنة مضت، حينما كان عاملا بإحدى المؤسسات الوطنية، لتقابله مشاكل عديدة وضغوطات من قبل رئيسه في العمل، ناهيك عن معاناته من مشكل عائلي معقد.. كل تلك المشاكل جعلت الدنيا تسودّ في عينيه، ولم يعد يرى من حل أمامه سوى وضع حد لحياته، ليعمد لتعاطي مجموعة من الأدوية ظنا أنها ستعجل بموته. لكن، تنبه شقيقه لحالته ونقله على وجه السرعة إلى مصلحة استعجالات أحد مستشفيات الجزائر العاصمة، حيث أنقذ حياته من الخطر، ليخضع بعدها لعلاج نفسي مكثـّف ولمدة فاقت السنتين، خرج منها منتصرا على حالة الانهيار العصبي الذي كان وراء محاولة انتحاره، ليستعيد الثـقة بنفسه من جديد ويسعى لتكوين نفسه، ساعده على ذلك محيطه العائلي، خاصة أخويه اللذين وقفا إلى جانبه، ليصل إلى ما هو عليه الآن من علو مكانة، قال إنه يشكر الله تعالى على بلوغه إياها، نادما على ما أقدم عليه قبل 20 سنة. لينصح كل شاب تقابله مشاكل في مسيرة حياته ألا يستسلم لليأس، معتبرا إياه بوّابة الوصول للتفكير في الانتحار.

صالح: حاولت الانتحار ثـلاث مرات
 أقدم صالح على حرق نفسه أمام مقر بلدية سدراتة في أوت 2009، إلا أن تدخل الشرطة والحماية حال دون ذلك. وأعاد المحاولة بتعاطيه لكوبين من حمض بطاريات السيارات، لينقل على جناح السرعة للاستعجالات الطبية، ويتم إنقاذه مرة ثـانية وثـالثـة، بعدما سكب البنزين على جسده محاولا إضرام النار، إلا أن تواجد الشرطة حال دون وقوع المأساة. ويقول صالح إنه مازال متمسكا بالرحيل إلى العالم الآخر، مشيرا إلى أنه إن لم يستفد من سكن، فسيفجر نفسه يوما. ويلخص صالح سبب القنوط قائلا: ''ابنتي متواجدة ببلدية أم العظايم عند جدها، والثـانية تعيش ببلدية بئر بوحوش عند عمتها، حرمت من أطفالي بسبب انعدام بيت يجمعنا، ولم أر ابني محمد منذ ولادته سوى منذ أسبوعين بعد تدخل وكيل الجمهورية. ومنذ 14 سنة، لم أجلس حول مائدة الطعام رفقة أولادي مثـل كل الآباء.. أليس الموت أفضل لي من البقاء في هذه الدنيا؟''.




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)