ما الذي يحدث عندما نغامر باستعادة هاملت شكسبير جزائريا وبلغة شعبية جزائرية، وفي زمن محدد، هو زمن تراجيديات الديكتاتوريات العربية، لكن الآمال العربية في إنجاز التغيير والتحول من زمن الأحاديات إلى زمن التعدديات شبه المحولة أو المجهضة··؟!
الربيع قشي هو من هذه الوجوه الجديدة التي اشتغلت طيلة العقدين الأخيرين على رؤية واستراتيجية جديدة مختلفة في المختبر المسرحي الجزائري، بدءا بكاتينا في مسرح التاج، وانتهاء بالعرض الجميل الذي أنتجه مسرح العلمة الجهوي منذ أيام، وقدم عرضه الشرفي بدار الثقافة بسطيف·· وكنت من بين المحظوظين الذين شاهدوا هذا العرض·· منذ البدء، يلج بنا المخرج إلى عالمه المؤسس على نظرة مزدوجة لهاملت· هاملت في قلب زمنين الزمن التاريخي الطيفي، والزمن المدشن من خلال منظار جديد، يقوم المحاكاة الساخرة لكل حوادث الحب والدسيسة والغيرة وكل ذلك من أجل الحصول على المزيد من المجد والسلطة على مستويين، فردي وجماعي·· السينوغرافيا كانت امتدادا لغويا بمعنى اللانقاج لبنية النص المعاد تشكيله وفق الخطة الإخراجية، وكانت هي الأخرى عنصرا تعبيريا مكثفا يكشف عن مدى تشيؤ عالمنا وعلاقاتنا الإنسانية التي فقدت معناها الأصيل لتتحول إلى سلع وبلاغات باهتة تختزل زيف القيم المهيمنة وسلطة السلوكات المضللة والخالية من دلالات المعنى المؤسس والخلاق لعالم يقوم على المحبة والمؤاخاة الحقيقية·· يلجأ المخرج الربيع قشي إلى استراتيجيات متنوعة لكنها متكاملة في بناء العرض، منها المسرح داخل المسرح حسب المنظور اليراندلي، ومنها التراجيديا المفعمة بالمقاربة البريختية الحية ومنها التراجيكوميديا التي جعلت من النص يمتلك حيويته الشعبية، وتعبيره الشعبي غير المتعالي وغير المغلق على نفسه محتفظا في الوقت بثراء بض ومتجدد··
إن هاملت الذي غامر الربيع قشي باستعادته وبالتالي بعثه من جديد، هو هاملت جزائري، ينفذ إلى قلوب جيل شاب وصاعد، وبمعنى آخر، هو كتابة إخراجية في الأساس لنص كلاسيكي، عظيم، تاريخي وخالد جعل من الإنسان في هواجسه وقلقه ونزاعاته وأنانياته وتأرجحه بين عالم الشر والخير، وبين عالم النور والضياء، وبين عالم الحب والكراهية منطلقه وغايته في الوقت نفسه··
هاملت الربيع قشي يعتبر إضافة نوعية للتجارب المسرحية التي دخل غمارها الجيل الجديد خلال السنوات الأخيرة، وذلك من أجل تأسيس لحظة جديدة ونوعية للتجربة المسرحية في الجزائر·· وربما في الأخير نقول إلى جانب شجاعة الممثلات والممثلين الذين خاضوا المغامرة بحب ورباطة جأش، يمكن أن توجه التحية للمخرجة ومدير مسرح العلمة التي وضعت ثقتها في كل هذا الطاقم الشاب وعلى رأسه مايسترو هذا الفريق الجميل الذي يستحق منا، أن نشرب نخبه··
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 30/05/2012
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : احميدة· عياشي
المصدر : www.djazairnews.info