عندما تقرأ سيرة الراحل هواري بومدين , منذ مولده صيف 1932 بقالمة إلى غاية وفاته شتاء 1978 , ستكتشف دون شك أنك أمام رجل , كان يعرف ماذا يريد , وكيف يحقق ما يريده مهما كانت الصعاب , و لعل أول قرار اتخذه في توجيه حياته الوجهة التي يريد , هو توجهه إلى القاهرة عام 1951 مرورا بتونس و ليبيا , للدراسة في الجامع الأزهر , ولكن ليتجب أيضا التجنيد الإجباري الذي كانت فرنسا تفرضه على الشباب الجزائري , و لكن ما أن اندلعت ثورة التحرير حتى التحق بها باكرا , لكن دون أن ينسى الاستعداد لذلك بتدريب عسكري سريع بمصر .و أصبح يدعى "هواري بومدين " بدلا من بوخروبة محمد , تيمنا و تبركا بأشهر وليين من أولياء الله بغرب البلاد , وهو الاسم الذي احتفظ به طيلة حياته القصيرة زمنا ,المليئة عملا و إنجازات , إذ في ظرف قصير , ارتقى درجات سلم الترقيات في جيش التحرير من جندي بسيط في بداية الثورة إلى عقيد في 1957 , فقائد لأركان جيش التحرير ثلاث سنوات بعد ذلك .كان يحسن اختيار خندقه ,خلال كل الخلافات التي عرفتها السنوات الأخيرة من عمر الثورة , بين السياسيين و العسكريين و بين الحكومة المؤقتة و قيادة الأركان , بين جيش الداخل و جيش الحدود بين قيادات الداخل وقيادات الخارج , و استطاع بذكائه وحنكته السياسية , أن يتجاوز كل هذه العوائق و يكرس نفسه وزيرا للدفاع و نائبا لرئيس الحكومة بعد الاستقلال , لأيركز جهده في هذه المرحلة على تطوير الجيش و تسليحه بالاعتماد على المعسكر الاشتراكي .و هو ماساعده بعد ذلك في تنحية الرئيس بن بلة و يصبح رئيسا للدولة و يشرع في توجيه البلاد وفق الخطة التي قد يكون رسمها في مخيلته الواسعة و يدرس في جامع الأزهر بمصر , وكان من أولى أعماله إعادة رفات الأمير ربما تطييبا لخاطر سكان غرب البلاد الذين لم يهضم معظمهم تنحية زعيمهم بن بلة من سدة الحكم , ثم راح يرسي بناء الدولة الجزائرية وفق ما خطط له , مركزا جهوده على استرجاع الثروات الوطنية بتأميم المنجم و المحروقات , و المؤسسات المالية , والشروع في تنفيذ برامج الثورات الثلاث الصناعية , الزراعية و الثقافية . كما حرص على تعميم التعليم الإجباري و الطب المجاني و تبنى سياسة التعريب , بينما أخر إقامة المؤسسات الديمقراطية , رغم شروعه في وضعه سنة 1967 بتنظيم انتخابات بلدية أتبعها بعد سنتين بانتخابات ولائية , وكان يجب انتظار 1977 لانتخاب برلمان جزائري , اي سنة قبل وفاته بمرض نادر بعد أن بقي في غيبوبة تجاوزت الشهر .لا شك أن إنجازات الراحل بومدين , هي أكثر من أن تحصى , ولعل أبرز منجزاته أنه استطاع أن يكسب احترام أعدائه قبل أصدقائه , و لا ينتقد هذه المنجزات من الجزائريين سوى من مست قراراته مصالحهم الشخصية و لعل مما يدل على صدق نيته في خدمة وطنه , مقولته التي أشار فيها إلى أنه , كلما قرأ مقالا صحفيا في الجرائد الأجنبية يمدحه و يثني عليه , إلا وأصابه الأرق في تلك الليلة و راح يبحث عما ارتكبه من أخطاء في خدمة مصالح البلاد . من منطلق أن الأعداء لا يريدون لنا الخير أبدا . إنه بومدين الذي أرسى دعائم الدولة الجزائرية الحديثة التي أسسها الأمير عبد القادر بداية من1832 .رحمهما الله ورحم كل خدم الوطن بصدق وإخلاص .
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 28/12/2014
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : أحمد بن نعوم
المصدر : www.eldjoumhouria.dz