تعددت التجارب الاقتصادية في العالم من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار وتعددت معها النظريات التي حاولت من خلالها التوفيق بين مبادئ الحرية الاقتصادية ودور الدولة الراعية للرفاهية الاقتصادية والاجتماعية والضامنة لتكافؤ الفرص والعدالة والمساواة، فمن ابن خلدون إلى آدم سميث، ومن ميلتون فريدمان وجورج سوروس إلى مهاتير محمد تباينت المقاربات والنظرة إلى الواقع ولكنها تقاطعت في أمر جوهري. خط التوازن يكمن في وجود آليات ونواميس وقوانين وضوابط تمنع الحرية المطلقة من أن تبلغ درجة الفوضى وتمنع الدولة من أن تهيمن إلى درجة تصبح طاغية ومكبلة لروح المبادرة والإبداع، ولكن ما حدث في بلادنا هو تعدد التجارب التي أفضت كلها إلى الفشل الذريع والى استنساخ نماذج مشوهة لا معالم لها ولا منطق لها، إلى درجة أضحت البلاد حقل تجارب لنماذج مستوردة، فمن تجربة التسيير الذاتي إلى الاشتراكية الموجهة والصناعة المصنعة، ثم تحرير الاقتصاد والليبرالية المقيدة، لم يستقر حال البلاد إلا على منطق واحد هو التوزيع اللامتوازن للريع والدخل والثروة، فضلا عن اضمحلال دور الدولة لفائدة مجموعات مصالح أحكموا سيطرتهم على دواليب الاقتصاد، كما سيطروا من قبل على مقاليد السلطة واتخاذ القرار، ليتحول مركز القوة تدريجيا من تقاطع مصلحة القوة القسرية إلى قوة ونفوذ أصحاب المال، دون أن يكون للدولة دور فعلي في واقع الأمر بمؤسساتها التقليدية المتعارف عليها دوليا، وتجلى ذلك بصورة جلية وواضحة في واقع التجاذبات الحاصلة في السوق بكافة تجلياته وتنامي شبكة السوق غير الرسمية بنشاطاتها المتعددة، إلى درجة أضحت الدولة عاجزة عن فرض قراراتها، فالدولة أضحت عاجزة عن السيطرة على جزء كبير من اقتصاد يظل بعيدا عن الرقابة وبعيدا عن الجباية والضريبة، في وقت ساهم الوضع الجديد في بروز شرخ كبير في المجتمع إلى درجة أضحت فيه الطبقة المتوسطة شبه منعدمة واختفت الطبقة المثقفة التي كانت تلعب دور النخبة، ونقطة التوازن على حساب ما عرفه أنطونيو غرامشي كمثقفين عضويين هدفهم الوحيد هو إعادة إبراز خطاب السلطة التبريري، فضلا عن تكريس الانفصام بين خطاب القمة وواقع القاعدة، فالدولة أضحت حاضرة غائبة في العديد من الممارسات، ولا أدل على ذلك إلا ما نشهده من نشاط فوضوي على مستوى الأسواق وفرض البعض لمنطقه على الجميع إدراكا منه بأن فرض الأمر الواقع هو أفضل الخيارات، فالدولة عاجزة عن فرض الصكوك وغير قادرة على منع ضبط الأسعار ولا تقدر على تنظيم النقل بفروعه ولا تستطيع أن تستقطب الأموال التي يتم تداولها خارج دائرة البنوك ولا تفرض التعامل بالفوترة وتشجع كافة أشكال المضاربات من حيث لا تدري، ولكن كما كان يقول الكاتب السياسي جوزيف دوماستر: كل أمة لها الحكومة التي تستحقها، وكما قيل: كما تكونوا يولى عليكم، فلا ضير أننا سنعيش في زمن الرداءة هذا طويلا.
[email protected]
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 30/07/2012
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : حفيظ صواليلي
المصدر : www.elkhabar.com