الجزائر

الدكتور بلعيد عبان لـ''الخبر'' ''رسمت صورة أكثـر إنسانية لقادة الثورة''



يعتقد الدكتور بلعيد عبان أن الكتابات التاريخية التي نشرت في الجزائر خلال السنوات الأخيرة، والتي جاءت على شكل شهادات من قبل الفاعلين التاريخيين، نعثـر فيها على أفكار قابلة لتأسيس مدرسة جزائرية في كتابة التاريخ. وقال الدكتور عبان، في حوار مع الخبر ، إن كتابه الجديد الصادر حديثا بالجزائر بعنوان المقاومات الجزائرية.. عبان رمضان وبنادق التمرد ، تناول تاريخ الثورة من زاوية مغايرة عن تلك التي ألفناها لدى المؤرخين الفرنسيين.

لماذا ألفتم كتابا حول حرب التحرير وليس حول عبان رمضان؟
 ظلت تسكنني فكرة تأليف كتاب حول عبان رمضان منذ الثمانينيات، وبالضبط منذ تعرض هذا الأخير للهجوم لأول مرة من طرف العقيد مصطفى بن عودة سنة .1989 وأخذت فكرة تأليف الكتاب تأخذ منحى ملحا بعد تعرض عبان لهجوم مماثل من قبل الرئيسين الأسبقين علي كافي وأحمد بن بلة، كون الرجلين يجسدان الدولة الجزائرية. في البداية، كنت أرغب في إزالة الضرر، وهو ما سرّع مشروع تأليف الكتاب. لكن شيئا فشيئا، وبينما أخذت الأمور تنضج، اكتشفت أنه من غير المفيد تخصيص كتاب للرد على الهجمات التي استهدفت عبان. وهنا، قرّرت توسيع مجال بحثي وعملي، ليس للرد على كافي وبن بلة. فقرّرت استبدال عبان بالثورة الجزائرية بصفة عامة، وأخذت في إعادة قراءة الأحداث التي ميزت حرب التحرير.
ما هي القراءة التي يمكن تقديمها لواقع كتابة التاريخ؟
 برزت خلال السنوات الأخيرة عدة محاولات جديرة بالثناء. وجاءت من قبل فاعلين تاريخيين، بعضهم ساهم في تفجير الثورة. كل الكتب التي نشرت في السنوات الأخيرة، رغم تباينها، تشكل أدوات مهمة لكتابة تاريخ الثورة من قبل الباحثين والمؤرخين. ونعثر في هذه الشهادات على أفكار نيّرة للتأسيس لأدبيات خاصة بحرب التحرير وبروح جزائرية، والتي ـ للأسف ـ تأخرت في البروز. أما بخصوص الوضعية الحالية لكتابة تاريخ الثورة التحريرية، أعتقد أن مؤرخينا يعيشون حالة من الاحتشام. بعضهم بقي منغلقا في توجه أكاديمي، يؤلف كتبا لا يقرأها سوى الجامعيين. هؤلاء ظلوا حبيسي بوتقة منهجية غير مجدية. وعليه، أعتقد أن مسألة تحجر كتابة تاريخ حرب التحرير لا تعود لمسألة الرقابة السياسية مثلما نظن، وهي نابعة من تقاعس المثقفين وكثير من المؤرخين. بعد خمسين سنة عن الاستقلال، أعتقد أنه آن الأوان لوضع حد لتقاعس المثقفين، والتفكير في كتابة جزائرية لتاريخ الثورة. ولا نعتمد فقط على المؤرخين لخلخلة الحقائق الرسمية والعادات السيئة الموروثة، سواء كانت وطنية أو غيرها. ومثلما قال بيار فيدال ناكي، فإن التاريخ عبارة عن مجال جد مهم كي يكون فضاء خاصا بالمؤرخين لوحدهم. لنأخذ مثال الدور الإيجابي للاستعمار . غالبية السياسيين الفرنسيين، سواء كانوا من اليمين أو من اليسار، قالوا فلنترك المؤرخين يعملون عملهم . أعتقد أنها طريقة مضرة. إذا كنت ترغب في وضع اللثام على قضية خطيرة، عليك بإنشاء لجنة تحقيق. نفس الشيء بالنسبة للتاريخ. إذا كنت ترغب في إضفاء طابع الضبابية عليه، اجعله من اختصاص المؤرخين لوحدهم. مع كل احترامي لعملهم، فقد استفدت منه الكثير، لكنني أعتقد أنه حان الوقت كي يتقبل المؤرخون فكرة التوافق، ويتركوا لباحثين آخرين مجال عملهم.
يظهر أنكم لم تقعوا في مطب النظرة الأورو ـ مركزية والفرنسية لحرب التحرير، هل تجنبتم ذلك عن عمد؟
 حاولت بالفعل الابتعاد عن الأدبيات التاريخية الفرنسية، وتقديم نظرة وطنية. واعتمدت على ثلاثة مراحل لتصوير علاقة الجزائر بالاستعمار والمعاناة التي عايشوها. الأولى متعلقة بالمقاومة لحرب التدمير المنهجي التي قام بها جيش الغزاة بقياة الجنرال بيجو، وهو التدمير الحربي الذي نتج عنه السحق الشامل للجزائر في كل نواحي الحياة الاجتماعية. هذه المرحلة الفظيعة جعلت الجزائريين يغرقون لفترة طويلة في صمت حزين، لكن دون الاستسلام النهائي. ولم يخرجوا من هذه المرحلة إلا في بداية القرن العشرين.
أما المرحلة الثانية، فتبدأ في بروز المحاولات الأولى لإعادة انبعاث الأمة الجزائرية، بالتوازي مع انتشار اعتقاد مفاده أن مصير البلد أصبح في يد الكولون بشكل نهائي مع الاحتفال بالذكرى المئوية للاحتلال سنة .1930 لقد استعاد الجزائريون رغبتهم في المقاومة للتخلص من هيمنة قانون الغزاة، والتخلص من الوضعية المزرية المفروضة عليهم. كانت البداية مع نجم شمال إفريقيا، ثم بشكل مباشر وسلمي مع ميلاد حزب الشعب الجزائري، حيث بدأت تبرز المطالب الوطنية الجزائرية ورفض السيطرة الأجنبية على البلاد.
أما المرحلة الثالثة، فجاءت عقب إخفاق اللجوء إلى السياسة المطلبية وعدم جدوى القنوات الانتخابية والبرلمانية، وما انجر من قمع في ماي .1945 شرع الجزائريون في تنظيم أنفسهم من جديد بشكل وطني، يضم الريف والمدينة على حد سواء، ووفق تصورات متعددة سياسية ،عسكرية وديبلوماسية منفتحة على العالم، فكان ميلاد ثورة أول نوفمبر. ويُعدّ مؤتمر الصومام بمثابة اللحظة الحاسمة في هذه المرحلة الثالثة، فالدولة الجزائرية ولدت مجددا في الصومام. وهنا، ركزت على الدور الوطني الذي لعبه عبان رمضان الذي دعا إلى توحيد القوى السياسية حول هدف واحد هو الاستقلال. كما توقفت مطولا عند معركة الجزائر، وأوضحت أن جبهة التحرير الوطني تمكنت من تقوية شرعيتها وتمثيلها بفضل هذه المعركة، رغم خروجه منهزما منها.
وبخصوص النظرة المغايرة التي يحملها كتابي مقارنة بالكتابات الفرنسية، فقد ركزت على مأساة الشعب الجزائري، وليس على مأساة الأقدام السوداء . كما منحت طابعا إنسانيا لقادة الثورة الذين يظهرون في صورة سلبية، تبرز عنفهم في الكتابات التاريخية الفرنسية. ويعود الفضل في تصحيح صورة الثورة لدى الرأي العام العالمي لعبان رمضان الذي حوّل بنادق الصيد التي حملتها المقاومة إلى مقاومة وطنية شرعية ضد المحتل.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)