الجزائر

الدخول الأدبيّ في الجزائر.. حدث بلا رائحة ولا طعم



الدخول الأدبيّ في الجزائر.. حدث بلا رائحة ولا طعم
يبدو أنّ الدخول الأدبي في الجزائر، إذا صحّ أن نزعم أنّ بلدنا قد رسّخ لتقاليد مشابهة لتلك التي توجد في دول الغرب المتطورة، لن يكون حافلا بالمفاجآت والأعمال الأدبية الجديدة والمثيرة كمًّا ونوعًا.لكنّ المثير في ”الدخول الأدبي” بصبغته الجزائرية، يبقى من دون شك، ذلك الصمت الرهيب، الشبيه بصمت القبور، الذي تضربه دور النشر الوطنية، سواء كانت تابعة للقطاع العام أو الخاص، حول نفسها، حيث لا نسمع طيلة أشهر الصيف، التي من المفترض أن تكون حافلة بأخبار الجديد في مجال النشر، أيّ شيء عمّا يدور في كواليسها. وحين يتّصل الصحفيون خاصة، نظرا لطبيعة عملهم، بدور النشر، لمعرفة ما يدور خلف المطابع، يُفاجئون بأنّ الجميع في عطلة، وهذا أمرٌ مستغربٌ؛ خاصة إذا علمنا أنّ الناشرين الجزائريين كثيرا ما يربطون نشاطهم بتظاهرة الصالون الدولي للكتاب الذي عادة ما يتمُّ تنظيمه أواخر شهر أكتوبر وبداية شهر نوفمبر من كلّ عام.قبل سنوات، كتب الروائيّ الجزائريّ المعروف الحبيب السايح معلّقا على الدخول الأدبي الباهت للجزائر، وهو عادة راسخة لدينا، بأنّه كان ولا يزال عبارة عن ”لا حدث”، وأضاف بسخرية قاتلة ومؤلمة، بأنّ رياضة كرة القدم العرجاء والرقص الرخيص والحفلات المشبوهة المموّلة من الخزينة العمومية، هي التي تظل مستأثرة بالاهتمام إليها؛ لأنّها أقوى وسيلة للتلهية عن المشاغل الحضارية، التي يُعتبر الدخول الأدبي واحدا من أهمّ عناصر الحركية الثقافية والجمالية، في الدول التي تحترم ثقافتها وتدافع عن خصوصيتها وتحمي وجودها. المتتبعون للشأن الثقافي والأدبي من الإعلاميين الجزائريين، وهم في غالبيتهم كتّاب، يملكون كثيرا من المؤشرات على ما تطرحه دور النشر الجزائرية في سوق الكتاب العلمي والفكري والأدبي، الروائي منه خاصة. فقد يكون الأمر مفيدا جدا، والكلام هنا دائما للروائيّ الحبيب السايح، لو أنهم يكشفون بالأرقام ذلك؛ لتظهر الحقيقة التي تثير الغصص. أما ما تعلق بتصوُّر الكتاب وبإخراجه، كما في ترقيته وفي توزيعه، فأكثر إثارة للحزن؛ برغم الإمكانات الجزائرية؛ لأنّ سوق النشر، كما كثير من الأسواق الأخرى، دخلها من ليس أهلا لها؛ إلا قليلا من الدور التي لها تقاليد مطبعية ونشرية موروثة الرسوخ.الزاوي وخلاّص.. والقائمة المغلقةإذا استثنينا تلك الأخبار التي تسرّبت حول العمل الجديد للروائيّ جيلالي خلاص، والذي سيصدر قريبا عن دار القصبة للنشر تحت عنوان ”ليالي بلاد الكسكس 2070”، وكانت ”الفجر” قد حاورت كاتب العمل في عدد سابق، أو ما رشح عن العمل الأخير للروائيّ أمين الزاوي، ويحمل عنوان ”طفل البيضة”، والذي سيصدر بالفرنسية عن دار نشر فرنسية، واعتبرناه امتدادا للدخول الأدبي في الجزائر؛ فإنّ الحديث عن الأعمال الأدبية الجديدة يبقى من باب التكهُّنات فقط. وهذا ليس مستغربا، إذا علمنا أنّ الناشرين الجزائريين، عادة ما يُراهنون على ”الحصان الأسود” في فعاليات صالون الجزائر الدولي للكتاب، وهو الكتاب شبه المدرسي أو التاريخي، أو حتى قصص الأطفال، في أحسن الأحوال.وفي هذا الشأن، يرى كثيرٌ من المهتمّين بسوق الكتاب الجزائريّ، أنّ عدم ظهور تقاليد مرتبطة بهذا المجال عندنا مردُّه إلى الكثير من العوامل بعضها مرتبطٌ بالمهنيين أنفسهم، وهذا ما يُمكن أن نلمسه في عدم اكتراثهم بالاستجابة لمتطلبات الكاتب والقارئ على حدّ سواء، إضافة إلى عوامل موضوعية أخرى، لعلّ أهمّها ضعف شبكة توزيع الكتاب في الجزائر، وهذا ما يدفع أغلب الروائيين الجزائريين إلى النشر خارج الجزائر، حيث يتوجّه أولئك الذين يكتبون باللُّغة الفرنسية للنشر في فرنسا، مثلما فعل أمين الزاوي مع روايته الأخيرة ”طفل البيضة”، أو إلى دور النشر العربية، مثلما فعل كثيرٌ من الروائيين الجزائريين الذين يكتبون بلغة الضاد. ومن السلبيات الكثيرة التي لا يُمكن إغفال الحديث عنها عند تناول موضوع ”الدخول الأدبي” في الجزائر، تلك التي لها علاقة بعدم قدرة وسائل الإعلام الجزائرية بمختلف وسائطها المكتوبة والمسموعة المرئية، وحتى الإلكترونية، على الإسهام في ترسيخ تقاليد في سوق نشر الكتاب، تُحاول تغيير الذهنيات التي كانت سائدة لدى الناشرين منذ انفتاح هذه السوق على القطاع الخاص.أمّا إذا عرّجنا على مسألة الجوائز، وهي المُضحكة المبكية، فإنّ جراحات ”الدخول الأدبي” في الجزائر، تُصبح عصيّة عن المداواة، فالجائزة الوحيدة التي أعلنت عنها وزارة الثقافة قبل سنوات، لتشجيع المبدعين الجزائريين، وأطلقت عليها اسم الروائية اللامعة آسيا جبار، لم تلق الرواج المناسب، لأنّ كلّ المشاريع الثقافية التي تُطلقها الجزائر، لا تتعهّدها بالتسويق المطلوب، حتى يظهر للمتابعين وكأنّ تلك المبادرات ليست سوى تسجيل حضور فقط.عندما انفتحت الجزائر قبل سنوات على القطاع الخاص، وقامت بتحرير المبادرات في كلّ المجالات الاقتصادية والثقافية، وحتى السياسية، استبشر الكتّاب بذلك خيرا، لكن يبدو أنّ تلك الأحلام لم تلبث أن سقطت في الماء، فالكاتب الجزائريُّ ما زال يتوسّل ناشرا، وإن وجده، فإنّ حقوقه المادية لن يتلقّاها في دنياه، وإنّما في آخرته.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)