الجزائر

الخيار الصعب : التضحية بالنظام أم برأسه؟



الخيار الصعب : التضحية بالنظام أم برأسه؟
بعيدا عن لغة الحسابات والانحيازات والأجندات... بعيدا عن “التهويش" الذي اشتهرت به بعض المعارضات السورية، والذي بلغ دركا سفليا، أمس، في أثناء “نوبات" التعليق والتحليل والسرد لما حصل في مقر “هيئة الأركان" السورية... بعيدا عن لغة المحاور والإصفافات السياسية والبراغماتية والمذهبية على حد سواء نقول ما يلي:
إن الرئيس السوري بشار الأسد، بات عبئا ثقيلا على مختلف أطراف الأزمة السورية ولاعبيها المحليين والإقليميين والدوليين، من حلفائه وخصومه على حدٍ سواء... بات عبئا على “النظام" أكثر من كونه سدا في وجه المعارضة... بات حمولة فائضة على “المقاومة والممانعة" بدل أن يكن رافعة من روافعها... بات خطرا يتهدد الطائفة العلوية، بدل أن يكون صمام أمانها.... فكيف ذلك؟
المصير الشخصي للأسد، ومعه حفنة قليلة جدا من أركان النظام، هي “العقدة الأهم التي تقف في طريق منشار" الحل السياسي للأزمة السورية: يبقى أم يتنحى؟... يرحل الآن كمدخل للحل، أم بعد حين، في سياقه أو تتويجاً له؟... هذه هي العناوين التي تدور حولها مختلف أسئلة الأزمة الأخرى... لقد تواضعت مطالب الأطراف المناهضة للنظام، بل أن بعضا من أهمها (الولايات المتحدة) لم تعد مسكونة بهاجس إسقاطه وتفكيك سوريا وجيشها، بخاصة بعد أحداث بنغازي وبداية التحول في مواقف واشنطن من حركات الإسلام السياسي إثرها.
وفي الحراك السياسي والدبلوماسي الدائر حول سوريا (وليس فيها)، ثمة ما يشي بأمرين إثنين: روسيا لم تعد متمسكة بالأسد بيد أنها محرجة من الدعوة لتنحيته... وواشنطن لم تعد على حماسها السابق لإسقاط النظام، بيد أنها محرجة من التراجع عن طلب التنحي.
ما ينطبق على الموقف (الحرج) الروسي، ينبطق بأقدار متفاوتة على المحور الدولي ' الإقليمي الداعم للنظام السوري...وما ينطبق على توجهات واشنطن الجديدة ينطبق على مواقف مروحة واسعة من خصوم النظام، أكثرهم نفوذاً وتأثيراً وليس جميعهم بالطبع.
وضع كهذا يتيح لحلفاء النظام اجتراح تسوية و'تسويقها' تحفظ لهم مصالحهم، تحفظ “للمقاومة والممانعة" نظامها ولكن من دون رئيسه... تحفظ لسوريا دولتها ومؤسساتها ووحدتها (المشكوك في أن تظل على ما كانت عليه)... تحفظ للطائفة مصلحتها في البقاء في السلطة، وإن بتراجع في وزنها، ولكن من دون خشية من انعكاسات التغيير في سوريا على مصائر أقلياتها.
في تبرير الشراسة والاستماته في حفظ الرئاسة والرئيس، يجري استحضار “المصالح العليا"، “وحدة سوريا"، “العروبة"، “المقاومة والممانعة"، “النظام"، “الحزب"، “الأقليات" و«الطائفة" كعناوين لهذه المعركة-الحرب...علما بأنها جميعا يمكن أن تُحفظ وتُصان، وبتكاليف أقل، لو أن الرئيس يخرج إلى شعبه، بتصور لمرحلة الانتقال في سوريا من دونه...ويشرف شخصياً على ترتيبات نقل السلطة إلى من يشاء من أركان نظامه (انتقال داخل النظام)، وليس إلى المعارضة بالضرورة...عندها ستدخل الأزمة السورية في سياق آخر، غير السياق الجهنمي الذي ولجته منذ مطلع العام الجاري...وفي ظني أن سيناريو كهذا، سيبدو مرحبا به من قبل عواصم إقليمية ودولية واسعة التأثير والنفوذ.
مثل هذا الانتقال إن تم، سيكون ملبياً لمعظم إن لم نقل جميع “مطالب" أو “مصالح" النظام....أما التغيير الذي سيأتي بنتيجة المواجهات (وهو آتٍ لا ريب فيه وإن طال الزمن)، فسيكون بشروط أصعب وفي ظل معادلات أشد تعقيداً.
من مصلحة النظام أن يتغير من داخله وبأدواته...أي حكم انتقالي ستُفتح أمامه سريعاً نوافذ الخروج من قبضة الحصار وحروب التطويق وعمليات المواجهة الدامية...لكن حتى بفرض خروج الأسد منتصراً في حربه مع شعبه، فإنه سيحتاح إلى سنوات وعقود للتكيف مع محيطه الإقليمي والعالم من حوله، وكلفة هذه العملية الطولية، ستدفع ثمنها سوريا وطناً وشعباً وكياناً..وربما يستغرقها الأمر ثلاثة أو أربعة عقود من العزلة والغرق في إعادة الإعمار والبناء وتضميد الجراحات.
لكن مع ذلك، هنالك جملة من الأسئلة التي تقرع الأذهان: هل يدرك الأسد أنه بات عبئاً على نظامه وعائلته (التي بدأت تتشقق)؟...هل يرغب في “التضحية" حفظا للنظام والطائفة والمقاومة والممانعة والعروبة وكل ما يزعم أنه مؤمن به؟...هل يملك القدرة على اتخاذ مثل هذا القرار إن توافر على الإدراك والرغبة معاً؟


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)