لا يمكن أن تغيب عن ذاكرتنا صورة آلاف الماليّين الذين خرجوا في فيفري 2013، يحتفون بفرنسا التي انتهى جيشها للتوّ من طرد الجماعات الإرهابية من مدن « تمبكتو» و«غاو» و«كيدال»، لقد كانت بهجة الماليين بفرنسا المنقذة لا توصف في ذلك الوقت، حيث رفعوا رايتها واستقبلوا عساكرها استقبال الأبطال، وهلّلوا كثيرا لعملية «سيرفال» العسكرية التي أطلقتها بزعم تحريرهم من قبضة الدمويين.لكن بعد سبع سنوات تقريبا، تغيّر كلّ شيء، حيث سقطت وعود فرنسا بتحرير مالي من الإرهاب في الماء، وبدل أن يتم دحر الدّمويين، تضاعفت أعدادهم، وتمدّدت تنظيماتهم إلى الدول المجاورة مشكّلة حزاما ناسفا يشدّ خاصرة الساحل الافريقي كلّه، ومعه تصاعد النشاط الارهابي وارتفعت أعداد ضحاياه، وكان هذا الواقع المرير بمثابة الصفعة التي تلقاها الماليون وأفاقتهم من غفلتهم ليدركوا بأن فرنسا ووجودها العسكري لم يأت بالأمن ولا الاستقرار لبلادهم أولجيرانهم، بل على العكس تماما، فتحوّل الترحيب الشعبي الحار بها، الى موجة استهجان وسخط كبيرين حتى أن متظاهرين كثرا خرجوا للتنديد بوجود فرنسا ولم يتردّدوا في تمزيق وحرق نفس الأعلام الثلاثية الألوان التي كانت ترفع بابتهاج وفخر في 2013.
لقد تعدّدت في الأشهر الأخيرة المظاهرات الغاضبة المناهضة للوجود الفرنسي ليس فقط في مالي، بل وفي بوركينا فاسووالنيجر أيضا، وذلك بالموازاة مع ارتفاع وتيرة المجازر والهجمات التي يشنّها الارهابيون، ففي 12 أكتوبر الماضي فقط، انفجر الغضب بمدينة «سيفاري»، ضد فرنسا وضد بعثة الأمم المتحدة بمالي (مينوسما)، إثر مقتل ما لا يقل عن 38 عسكريا في هجوم تبنته «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين» الإرهابية ضد معسكر للجيش ب «بوليكيسي» القريبة من الحدود مع بوركينا فاسو، وطالب المتظاهرون بمزيد من الإمكانيات للقوات العسكرية المالية ورحيل القوات الأجنبية التي لم يعد لوجودها، كما قالوا أي فائدة بل على العكس، حيث اتهموها بالتنكّر في زي إرهابيين لارتكاب هجمات فظيعة ثم تأتي للعب دور رجل الإطفاء.
والرسالة نفسها حملتها مظاهرات شهدتها بوركينافاسو المجاورة حيث رفع الغاضبون شعارات ضد القواعد العسكرية الأجنبية في البلاد، وهتفوا «لا نريد الجيش الفرنسي والقوات الأجنبية».»
وقد تساءل وزير الدفاع البوركينابي «مومينا شريف سي»، عن نشاط فرنسا بالساحل قائلا: «للفرنسيين ما يقارب 4000 رجل في المنطقة، ولديهم كل الموارد العسكرية والتكنولوجية، لذا أتعجب لعدم تمكنهم من استئصال هذه العصابة من الإرهابيين».
فعلا لقد تزايدت المشاعر المعادية لفرنسا، خلال الأشهر الأخيرة، مع تنامي اعتداءات المجموعات الارهابية، التي دفعت فيها الجيوش الوطنية الثمن الأثقل، ولم يعد ينظر للقوات الفرنسية كقوات محرّرة بل كاستعمار جديد يوّفر البيئة المناسبة للتنظيمات الارهابية لتمارس اعتداءاتها الدموية بكل حرية، ولا مخرج أمام هذا التذمّر الشعبي المتنامي غير إعادة النظر في الوجود العسكري الفرنسي من أساسه، والتفات المجتمع الدولي باهتمام أكبر لما تكابده منطقة الساحل من معاناة مع استفحال ظاهرة الإرهاب والتحرك باستراتيجية أمنية استعجالية تموّلها الدول المقتدرة لتطويق الدمويين ودحرهم، مع التعجيل بحل الأزمة اللّيبية، لأنها باتت مصدر بلاء للمحيط الإقليمي ككل.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 26/11/2019
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : فضيلة دفوس
المصدر : www.ech-chaab.net