الجزائر

الخبير في التواصل الاجتماعي والصناعي إلياس سعودي ل''المساء'':‏



يعد التواصل من أهم العوامل التي تؤدي الى نجاح العلاقات الإنسانية بدء بالعائلة وصولا الى المؤسسات والمجتمع مرورا بالمدرسة،ويعترف الأستاذ إلياس سعودي من جامعة سعد دحلب بالبليدة المختص في مجال التواصل الصناعي في المؤسسات والتواصل الأساسي وتنظيم وتخطيط التواصل في الشركات وعلى مستوى الأفراد، أنه من خلال عمله أدرك ان أكبر المشاكل المسجلة في مختلف المستويات ناتجة عن سوء التواصل أو سوء استعمال وسائل التواصل بين الناس كأفراد أو كهيئات و منظمات و شركات، مشيرا إلى أن الأهم ليس امتلاك أدوات التواصل ولكن إدراك الطريقة الصحيحة للتواصل الذي يسمح بتحقيق الأهداف في ظروف حسنة.
- المساء: اليوم مع الانفجار الكبير الذي تشهده تكنولوجيات الإعلام والاتصال، نستطيع القول أننا نعيش في القرية الكونية التي تنبأ بها ماكلوهان، هناك استعمال كبير لوسائل الاتصال في العالم.فكيف تقيم الوضع بالجزائر؟
* إلياس سعودي: يجب التنبيه الى ان هناك فرقا بين توفر إمكانيات التواصل، والتواصل في حد ذاته، الانسان الذي لايعرف كيف يتواصل، فإن امتلاكه للإمكانيات لن يغير في الأمر شيئا، وتعلم التواصل يتم عبر التربية والثقافة. ومشكلتنا في الجزائر ان نسبة كبيرة من العائلات لاترسخ سلوك التواصل بين أفرادها، لدينا مشكل في التربية داخل العائلة ينعكس على كل المؤسسات الأخرى مثل المدرسة والمؤسسة. نحن لانربي أشخاصا لديهم القدرة على التواصل مع مجموعة مختلفة عنهم في المعتقدات والآراء والأفكار والتصورات. بينما أول مبدأ ننطلق فيه بمجال التواصل هو '' لااحد يملك الحقيقة المطلقة''، كل يخطئ ويصيب. من هنا نتعلم كيف نستمع للآخرين، لندرك كيف يفكرون ومن ثم نفهمهم.
- برأيك لماذا تغيب هذه الثقافة أو لنقل هذه الأسس التربوية بمجتمعنا؟
* أولا هناك مشكل الجهل، ثانيا أرى أن الجزائري يؤمن بأنه دائما صائب وان الآخرين مخطئون... هي ثقافة مكتسبة ومورثة.عندما أتابع الحوارات بين الناس في كل مكان، لألاحظ مدى تقبل الفرد لأفكار الآخر، اكتشف ان هناك عبارة واحدة تتكرر وهي ''لا استنى نفهمك ماشي هكذا'' وهذا يعني ان الشخص يعتبر انه دائما صاحب حق، فهو يقول ''لا'' وليس ''نعم أفهمك ...لكن كذا''، أي أنه يعتبر أن مايقوله مرجعي ومايقوله الغير فرعي. أنا أقول لايوجد شخص يمكنه الادعاء انه مرجع. هناك حقيقة خبراء يمكن اعتبارهم مراجع في اختصاصات معينة أو أناس لديهم تجربة كبيرة في الحياة تلهمهم الحكمة، فهؤلاء نقول ان كلامهم اقرب للصواب من غيرهم. وحتى هم لايمكنهم الادعاء بمعرفة الحقيقة، أتذكر هنا قول الإمام الشافعي ''كلامي صحيح يحتمل الخطأ وكلام غيري خطا يحتمل الصواب''... الانسان الذي يفكر هكذا، يترك جهة من عقله تفكر ويفكر في ما يقوله الآخرون. لذا هناك قاعدة ثانية في التواصل هي ''خذ ماعند الأخر قبل ان يأخذ ماعندك'' أي تعلم كيف تأخذ أفكارا جديدة لم تخطر على بالك من قبل، وأضفها لمعارفك لتصبح اشمل، للأسف في الجزائر لدينا ثقافة رفض الآخر وأفكاره.
- إذا يمكن القول انه لدينا مشكلة في الاستماع للآخر؟
* فعلا لدينا السماع وليس الاستماع في الجزائر، أما ثقافة الإنصات فهي مفقودة تقريبا، لأن هناك فرقا بين الثلاثة.فالسماع ان نسمع أي شيء، أما الاستماع يعني أن نركز فيما يقوله الآخر، لكن الإنصات هو فهم مايقال وتفهم من يقول، أي أن المستمع يضع نفسه مكان الآخر. فعندما يختلف شخصان حول مسالة، يجب أولا أن يعرف كل واحد منهما ان كان رأيهما ينطلق من نفس المبادئ والمعتقدات أم لا. لأنه في حالة غياب منطلقات مشتركة بينهما فعادي ان يختلفا ولا جدوى من التناطح.إذا يجب ان نتعلم معرفة الشخص الآخر، لابد من الاستماع ومن الحكمة ان نتذكر انه لدينا أذنان وفم واحد. فلدى الجزائريين تفكير داخلي يقول انه لو تكلم الآخر أكثر مني يعني انه انتصر علي، فبدل ان نبحث عن الحقيقة نبحث عن الانتصار.
- ماهو الدور الذي تلعبه المدرسة في ترسيخ مثل هذه الثقافة؟
* يجب التنبيه إلى ان الأستاذ أو المعلم في حد ذاته تربى في بيئة ليس فيها حوار،فكيف يمكنه ان يكون متواصلا؟ لان المسالة ترتبط ليس بتعلم نظري ولكن بممارسة، وهو ما يحدث الفرق بين الأشخاص، من يعيش التواصل في حياته اليومية يعرف كيف يطبقه في الحياة، ولايكتفي بالكلام، فالسؤال هو هل يعلم المعلم في المدرسة سلوكا أم يعطي معلومة أخذها من الكتاب؟.
- لكن هناك منهج متبع في المدرسة،يجب على المعلم ان يطبقه بغض النظر عن وضعه الاجتماعي والشخصي.
* في الجزائر التعليم يتم عبر تقنية التلقين وليس التدريب، المعلم يقول للتلميذ افعل هذا فقط، أما التدريب شيء آخر.وحتى لو فرضنا على المعلم برنامجا معينا، فان كيفية تطبيقه هي المشكلة. لايجب ان ننسى ان أبناءنا في المرحلة الأولى خصوصا لايفهمون منطق الكلام هم يتأثرون أكثر بالسلوك والصور.لذا من المهم ان يلبس المربي المعلومة ولا يكتفي بحفظها فقط.يجب ان تصبح سلوكا لديه.ولأنه لايمكن ان يتغير بين عشية وضحاها فان الأمر يحتاج إلى عمل متواصل. تجربتي جعلتني التقي حالات عديدة، فمثلا نجد حالة زوجة تشتكي من تصرفات زوجها وتقول ''أحيانا اشعر انه مثل ابني'' رغم ان له مستوى علميا عاليا.أنا أقول لها فعلا انه مثل ابنك لان عمره العاطفي توقف في ال15 سنة رغم انه في الأربعين من العمر. فهذا الاختلال بين الجانب العلمي والجانب الشعوري الذي يؤدي الى عدم نضج الشخصية لاينتبه له الكثيرون.
- بما انك مختص في التواصل داخل المؤسسات.ماهي حسب رأيك أهم المشاكل المسجلة في التواصل المهني؟
* نشطت عدة دورات مع شركات مختلفة، وأشرفت على مجموعات تضم أفرادا مختلفين.واهم مشكل يطرح هو ''صراع الأجيال''، ففي مجموعة واحدة نجد عمالا في نهاية مسارهم المهني وعلى أبواب التقاعد، وشبابا في بداية المشوار حاملين لشهادات جامعية. كل واحد يعتبر أنه أفضل من الآخر، فالقديم يقول أنه يملك كفاءة اكبر بخبرته الواسعة في هذه الشركة حتى وان لم يكن حاصلا على شهادة جامعية، والجديد يقول أن شهادته تؤهله للقيادة لأنه يملك المعرفة التي لايحوزها الآخر. في حقيقة الأمر كلا الرأيين صائب، لكن بدلا من أن يجتمع الاثنان كل بمؤهلاته ليعملا معا، فإنهما يفضلا العمل الفردي الأناني وهو ما يسبب الاختلاف والخلاف، وكل هذا في غير مصلحة المؤسسة.ومن تجربتي يمكنني الجزم بوجود صراعات داخل المؤسسة فقط عند دخولي لأي مكتب، لان النظرات والحركات بين العمال تعكس الصراعات.
أنا دائما أؤكد على أهمية التكوين المستمر للجميع أولياء أو معلمين أو مسؤولين في المؤسسات، ومن خلال تنشيطي لعدة برامج في هذا المجال، لاحظت ان هناك طلبا لاسيما من طرف الأولياء لتعلم كيفية تلقين أبنائهم التواصل الصحيح.
من جانب آخر أقول ان تحفيز الشخص على كل المستويات أمر أساسي فلا وجود لتنمية شخصية إذا أحس أي فرد انه توقف شعوريا وانه لايترقى.وهذا هو المشكل على كل المستويات في العائلة والمدرسة والمؤسسة.لذا يجب الانتباه لهذا الأمر.أي شخص مسؤول إذا هو فاقد هذه الأمور فلن يتمكن من تسيير فريق...حتى القوانين لاتحل المشكل لأنها تدير العمل ولاتدير العلاقات...فمثلا مسؤول ليس لديه ثقة في نفسه فانه سيشك في كل الناس...إذا لم نبن علاقات إنسانية فان العمل لن يسير على مايرام.واحدث التقنيات تشير الى ان أول شيء يجب القيام به هو تكوين فريق في المؤسسة وليس محاسبة الناس، هذا لايعني عدم تطبيق القوانين. لكن يجب إحداث انسجام في فريق العمل وترسيخ هدف موحد للمجموعة.
- ماقلته يشير الى ان مشاكل التواصل تتشابه في كل هذه المستويات والشخص يعيد تكرار نفس السلوكات في العائلة والمدرسة والمؤسسة.فكيف نعالج الأمر؟
*يجب ان نعمل بالتوازي في كل المستويات، لنعيد الحياة لثقافة التربية بصفة فعالة..اليوم الناس غير محتاجين لنظريات لكن لمن يعلمهم ''مايجب ان يفعلوه؟ وكيف؟ ولماذا؟ والنتيجة المتوقعة''. وهو دور المختصين في التربية والتواصل والعلوم الإنسانية،وهم حاليا لايقومون بهذا الدور كما ينبغي.فلاداعي للتفلسف الكثير، وإنما تعليم الطرق العملية للتربية الفعالة.وهو التدريب الموجه للأولياء والمعلمين ومسيري الشركات الذين عليهم أن يتقبلوا فكرة التعلم، لأن الكثير منهم يرفضون ذلك بحجة أنهم يعرفون كل شيء..فلاعيب في التعلم حتى في سن متأخرة.
الآن السؤال المطروح من يقوم بكل هذا؟ أرد بالقول أنهم المختصون في مختلف المجالات ولاسيما العلوم الإنسانية والاجتماعية وهنا يجب وضع إستراتيجية وطنية، فمثلا من الضروري اليوم إدماج مادة علوم السلوك الغائبة في جامعاتنا رغم أهميتها القصوى.كما ان إعادة النظر في البرامج التعليمية في الجامعات يجب ان تتم كل ثلاث أو أربع سنوات، لان العلوم في تطور مستمر ونحن نعيش تخلفا في هذا المجال.يجب اقتراح مشروع واضح ومحدد وقابل للتطبيق خصوصا.لان المشاريع النظرية لاتحمل الحل والعلاج.
- اليوم نعيش عصر التواصل الافتراضي. ماهو تقييمك لاستعمال الجزائريين لهذا الفضاء؟
* فعلا نحن مستعملون فقط للفضاء الافتراضي لان هناك فرقا بين من يبدع وينتج، وبين من يستهلك فقط...بالتالي فانني أقول إن الاستعمال مازال ليس حكيما ببلادنا...مثلا البعض يقول ان الانترنت خطير، أنا أرفض هذا القول لأنها مجرد أداة، وطريقة استعمالها هي التي تحدد المكسب من الخسارة...اليوم ماهي نسبة استعمال الانترنت في تطوير الأبحاث ونسبتها في الدردشة ببلادنا؟..النسبة الأكبر هي الأخيرة طبعا..لهذا أقول ان هذه الأدوات لانستعملها بصفة جيدة..المشكلة أنه في البلدان الأخرى محاسنها تساوي المساوئ...لكن في الجزائر هناك فائدة لكنها اقل من الخسائر...هل يعني هذا توقيفه؟؟ لا لأننا أصلا لانستطيع فعل ذلك، لكن يمكن وضع استراتيجة استعمال..البعض يقول سأراقب أبنائي...هل هذا معقول؟ لايمكن ذلك بل ان هذا مضحك.ان تراقب ما يقوم به ابنك في الانترنت أمر مشروع لكن عوض ان تقول له سأمنعه عنك،قل له مثلا علمني الانترنت وهذا سيؤدي الى خلق تواصل بينكما، كما انه سيحسس الطفل بأهميته ويعطيه ثقة في نفسه ويشعر بقيمته أمام والده، وهو مايولد لديه احتراما نحوه وبالتالي سيمتنع عن الأشياء السيئة .كما نعلمه بأن للانترنت استعمالات علمية.وهكذا نراقبه بطريقة غير مباشرة.بل ان مثل هذا التصرف قد يجعل الأخ الأكبر يراقب أخاه الأصغر إتباعا للقدوة التي رسخها الوالد.أما المنع فسيؤدي الى نتائج عكسية.
- وماهو تحليلك للتواصل بين الأشخاص..أي هل العلاقات الافتراضية مثل العلاقات الحقيقية؟
* العلاقة الافتراضية ليست مثل الحقيقية لان الشخص الذي يتحدث معك يعطيك صورة معينة قد لاتنطبق مع الصورة الحقيقية. في علم التواصل نجد ان 93 بالمائة من التواصل بين الأشخاص يتم عن طريق النظرات والحركات...وفي الانترنت ليس لدينا إلا الكلمات وهي لاتكفي للتواصل...والإنسان لما يقابلك ويتحدث معك سلوكه يتغير حسب رؤيته لك..في العلاقة الافتراضية يمكن ان نقول أي شيء بمبرر أننا لانعرف الآخر.. فيمكن أن نكذب.لذا أعتبر أن كلمة أصدقاء المستعملة في الفيسبوك غير صحيحة واعتبرها علاقات ليس إلا. يمكن من خلالها تبادل
علومات وتبادل خبرات وهذا له فعالية نراه مثلا في المنتديات عند طلب معلومة أو حل لمشكلة وهذا جيد.الخطورة تكمن في أن ما يوضع على الانترنت لاينسى ويبقى محفوظا، وما لاحظناه هو نشوب خلافات عائلية أدت أحيانا إلى الطلاق بسبب كتابات في الشبكات الاجتماعية، التي يمكن من خلالها كذلك انتحال شخصية الآخرين. لذا انصح الناس بعدم استخدام هذه الأداة لأشياء مغرضة. لأنها ليست لعبة.
- كيف تستخدم الانترنت؟
* كلنا في العائلة أي أنا وزوجتي وأبنائي نستخدم الانترنت، ولم يحدث قط ان راقبت أبنائي أو بناتي، لأني ربيتهم على الحوار ...الانترنت لعب دورا كبيرا في تمكيني من انجاز أبحاث بما يتيحه من معلومات.فالعمل الذي كنت أقوم به مدة أسبوع أؤديه اليوم في ساعة...لكن أنبه هنا إلى ضرورة الحرص في اختيار المعلومات...في العائلة الكل يستخدمه ولكن نتواصل فيمابيينا، وأحيانا اطلب من ابنتي الجامعية ان تبحث لي عن معلومات حتى اعلمها كيفية البحث، أننا نعمل بروح الفريق.الانترنت أداة قوية، لكن بالنسبة للفيسبوك فليس لدي حساب لأنني لااهتم به،هذا لايعني انني ارفضه لمجرد الرفض ولو رأيت انه قد ينفعني في أعمالي سأشترك فيه...فرفضي ليس مبدئيا.
- ماتقييمك للتواصل السياسي في الحملة الانتخابية الجارية؟
* ألاحظ ان هناك 3 شرائح في المجتمع، الأولى مهتمة بالسياسة والانتخابات، لاسيما المنخرطين في الأحزاب، الثانية ليست لديها ثقة كلية في المترشحين لجهلها بهم أو لخيبة أمل في السابقين. والثالثة مازالت تبحث عن التغيير وتنتظر ان تقتنع بالخطابات لتحدد انتخابها من عدمه...وهنا يلعب خطاب الأحزاب والمترشحين دورا كبيرا لاقناعهم.المشكلة ان ما لمسته هو ان المترشحين لايقدمون مشاريع وبرامج محددة للناخبين. والتواصل من المفروض ان يبدأ منذ سنوات... فالمترشح من المفروض ان يملك مسارا سياسيا ثريا ليعرفه الناس.كيف يمكن ان تقنع شخصا انك الأفضل وأنت لاتقدم مشروعا واقعيا قابلا للتطبيق بأهداف محددة؟ وأقول ان الطبقة السياسية قد تلعب دورا في تكريس العزوف لان القول بان الآخر غير جيد دون تقديم مشروع بديل لاينفع... فمثلا إذا قال مترشح ''أنا سأقضي على البطالة'' دون ان يقول كيف فلن يقنع أحدا.




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)