الجزائر

الخبر في ضيافة الشيخ عبد الله جاب الله الوضع في الجزائر خطير إن لم يتداركه العقلاء في مواقع المسؤولية



الخبر  في ضيافة الشيخ عبد الله جاب الله                     الوضع في الجزائر خطير إن لم يتداركه العقلاء في مواقع المسؤولية
لم يتوان الشيخ عبد الله جاب الله في استقبالنا بعد أن ساعدنا عبد الحميد، أحد المقربين منه، في أخذ موعد معه، وهو ما كان. ركبنا السيارة وتوجهنا نحو بلدية حمادي كرومة بسكيكدة، حيث خصنا الشيخ بترحاب ينم عن كرمه. ونحن نتجاذب أطراف الحديث، أكد أن ما يحدث اليوم بتونس درس للحكام المستبدّين، مشيرا إلى كون الجزائر تعيش أسوأ صور الاستبداد. كانت عقارب الساعة تشير إلى الساعة الرابعة بعد الزوال عندما امتطينا السيارة، وانطلقنا من قصر الثـقافة والفنون بسكيكدة متجهين صوب بلدية حمادي كرومة، بذات الولاية، التي يتردد عليها الشيخ كثـيرا بحكم أن والده يقطن هناك، فكان حديثـنا شيقا وفرصة لاكتشاف الرجل.
أول ما شدنا في المنطقة هو نسائم الريف، مع ما تحمله من رائحة المواشي وعبق الحقول. حينذاك، أدركنا أن أهاليها لازالوا سائرين على درب آبائهم وأجدادهم، عاشقين لكل ما هو طبيعي وأصيل، رغم تواجد العشرات من الفيلات الفخمة هناك التي تشد الأنظار بطرازها العمراني الجميل.
توقفنا عند إحدى تلك الفيلات التي كانت مقصدنا، فدخلنا وجلسنا بقاعة الضيوف، وما هي إلا لحظات قلائل حتى التحق بنا الشيخ جاب الله الذي أطل علينا بجبته السوداء، فاستقبلنا بصدر رحب، وبتواضع شديد، والبسمة لم تفارق ثـغره.
زيارة الخبر لعبد الله جاب الله أتت مباشرة بعد عودته من المؤتمر القومي العربي الإسلامي بالسودان، الذي هو عضو في لجنته للمتابعة، وبعد نزوله ضيفا على جامعة الإيمان باليمن، وتنشيط العديد من المحاضرات في مختلف دول العالم حول الفكر السياسي، كانت إحداها حول الجزائر والخيار الديمقراطي، والعمل السياسي خلال التعددية.
ما يجري في تونس درس للشعوب.. والجزائر تقف على بركان وشيك الانفجار
حديثـنا مع الشيخ عبد الله جاب الله دام قرابة ساعة ونصف من الزمن، قادنا إلى ما يعيشه اليوم الشعب التونسي، بعد أن أشعل البوعزيزي فتيل انتفاضة الشعب التونسي الذي عانى، ولسنوات طوال، من ويلات النظام الاستبدادي الذي مورس عليه من قبل رئيسه المخلوع زين العابدين بن علي.
بنبرة الحازم والواثـق من كلماته، تحدث جاب الله في الموضوع قائلا: ما يجري في تونس يتجاوز الانتفاضة، فهي في حقيقة الأمر ثـورة ضد الاستبداد والاستغلال، ثـورة ضد الفساد، وما قدمه الشعب التونسي اليوم إنما هو درس عظيم لجميع الحكام المستبدّين. التونسيون أوضحوا علنا بأن عاقبة الاستبداد وخيمة، وأن الشعب لا يستكين للظلم طول الزمن، وإنما يصمد ويصبر، حتى إذا نفد صبره، انتفض على النظام وثـار عليه. ثـورة التونسيين ضد الظلم الذي كابدوه، هي درس للشعوب أيضا، فيها معاني العزة. فالشعوب المظلومة مدعوة لكي تنتفض، ففي ذلك عزها وكرامتها، وسبيل لاسترجاع حقوقها المختلفة، سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو غير ذلك .
يقول جاب الله: إن تونس مدعوّة اليوم لإرساء نظام حكم يستلهم من مقومات الشخصية التونسية، ويبسط الحريات للجميع دون تمييز ولا مفاضلة، ويكرّس تداول الأحزاب على السلطة، عن طريق الانتخابات الحرة والنزيهة، ويدخل تعديلات جوهرية على النظام القانوني، لمنع العودة إلى سنوات الاستبداد والفساد .
ويجد المتحدث أن في ثـورة تونس بالغ الأثـر على واقع الأمة في العالم العربي خاصة، وفيها درس للمناضلين، ودعوة لهم بعدم اليأس والثـبات على مبادئهم، مضيفا: على المناضلين الاستمرار في نضالهم ضد الاستبداد، والاستغلال، والتعسف، والاحتكار، والفساد، وكلهم أمل في النصر، لأنه من المفيد أن ننبه إلى المناورات المختلفة التي تهدف إلى سرقة ثـمرة الثـورة، أو تمييعها، أو تقزيمها. ونحن بالجزائر قد اكتوينا بمثـل ذلك، رغم التضحيات الكبيرة التي كانت في انتفاضة أكتوبر 1988 وما انجر عنها من أحداث. فالجزائر تعيش اليوم صورة من أسوإ صور الاستبداد والفساد، ولذلك، تعرف الآلاف من بؤر التوتر، فهي كمن يقف على بركان وشيك الانفجار، سيأتي على الأخضر واليابس .
وبكثـير من القلق على حال الوضع في الجزائر، يتحدث الشيخ فيقول: كلما توغل نظام الحكم في الاستبداد، وفتح أبوابا للفساد الاجتماعي، والمالي، والسلوكي، والإداري، والأخلاقي، والقضائي، زادت صعوبة الأمر. ولذلك، نلاحظ الفساد بأنواعه المختلفة قد انتشر في الجزائر، ولهذا، لا تجد شخصا راض عما آلت إليه الأوضاع في البلد، واستمرار الحال على ما هو عليه ينذر بانفجار اجتماعي عنيف، إن لم يتدارك العقلاء في مواقع المسؤولية الأمر .
نظام الحكم في الجزائر فاقد للشرعية
وأنت تتحدث إلى عبد الله جاب الله، تشعر أنك قبالة شخص متشبع بالسياسة وأفكار التغيير، وبجانب رجل غير مقتنع البتة بجملة الانتخابات التي أجريت في الجزائر، من أيام الحزب الواحد إلى التعددية الحزبية، باستثـناء انتخابات 1990/1991 التي يجدها مؤسس حركتي النهضة والإصلاح سليمة وصحيحة لأن القائمين على تلك الانتخابات كانوا حريصين عليها، كما أن المنافسة ما بين المترشحين كانت ديمقراطية، إلا أنهم انقلبوا عليها ، يقول جاب الله.
كما يرى عبد الله جاب الله أن شرعية الحكم بالمنظور الإسلامي يتحقق بركنين أساسيين، أولهما ركن المرجعية الأساسية للسياسات، والبرامج والقوانين المختلفة التي تكون مستمدة من الإسلام، أو تكون غير متعارضة معه، وثـانيهما رضا الأمة على رئيس الدولة وممثـليها في المؤسسات القانونية، ويبرز ذلك من خلال تنظيم انتخابات قانونية حرة ونزيهة. فإذا توفر هذان المرجعان، ضمنا كامل الشرعية، وفي حال عدم توفرهما، فإن الحكم لن يكون شرعيا قط ، يوضح المتحدث.
وواصل جاب الله حديثـه ونحن نرتشف فنجان الشاي: ينطبق هذا المعيار الذي لا يختلف فيه عالمين على حال الحكم في الجزائر، الذي هو نظام فاقد للشرعية وللمعايير الديمقراطية. فكما قلت لك سابقا، شرعية نظام الحكم تأتي من خلال رضا الأمة وبالانتخابات الحرة والنزيهة، ومن احترام مبدإ الفصل بين السلطات احتراما كاملا ودقيقا، الذي يكون من أبرز خصائصه مبدأ صون شرعية القوانين، إضافة إلى منع الاستبداد واحترام الحريات. لذلك، أقول إن نظام الحكم غير شرعي، فالحكام لم يصلوا إلى الحكم عن طريق انتخابات قانونية حرة ونزيهة .

شرعية الحكم بالمنظور الإسلامي يتحقق بركنين أساسيين، أولهما ركن المرجعية الأساسية للسياسات، والبرامج والقوانين المختلفة التي تكون مستمدة من الإسلام،  أو تكون غير متعارضة معه، وثـانيهما رضا الأمة على رئيس الدولة وممثـليها  في المؤسسات القانونية

لما كان الشيخ يغوص في قضية مدى شرعية الحكم في الجزائر التي أثـارها، أردنا التعمق وإياه لمعرفة المزيد عن الدافع وراء إطلاقه لهذا الحكم، فقال: المشكل في الجزائر هو غياب تغيير حقيقي للبنية السياسية، والمؤسسة في الحكم ما هي إلا مجرد أداة تغيير، تعطي انطباعا خاطئا عن وجود تعددية ديمقراطية. والحقيقة أن الشخص النافذ في السلطة يجعل من الانتخابات أداة لشروع أعوانه في تطبيق السياسات وتبييض ممارساته، ولذلك فالديمقراطية نظرية، وهو ما يعبر عن الخلل الموجود في الدستور وفي النظام القانوني، ويفسر جملة التجاوزات التي تفرزها الانتخابات، من البداية إلى النهاية . يتوقف الشيخ هنيهة ثـم يواصل: وهو ما نجده أيضا في جملة الانحرافات المسجلة في النظام القضائي والإداري في البلاد. لذلك، أؤكد أن الانتخابات لم تكن يوما شرعية، إلا تلك التي كانت سنة 1990/.1991 فالتنافس ما بين المترشحين كان نزيها . كان عبد الله جاب الله من بين الذين دعوا لإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، ورفع حالة الطوارئ، ومعالجة ملف المفقودين، والمناداة بإصدار عفو شامل، ومن بين مؤسسي العقد الوطني في ديسمبر 94 المنبثـق عن لقاء سانت إيجيديو بروما وغيرها.
حركة النهضة.. الامتداد الوحيد للعمل الإسلامي
زيارتنا للشيخ عبد الله جاب الله كانت كذلك فرصة للتعرف على أصغر السياسيين في الجزائر، حيث بدأ نشاطه الدعوي السياسي وعمره لم يتجاوز 15 سنة، واختار حي بوعباز المتواجد بمرتفعات سكيكدة مكانا لنشاطه، الذي تكلل ببناء مسجد بنفس الحي، ليؤسس بعد ذلك، وتحديدا سنة 1974، أول تنظيم سري، عرف وقتذاك بجماعة جاب الله.
كما كان عبد الله عضوا مؤسسا للرابطة الدعوية الإسلامية برئاسة المرحوم الشيخ سحنون، بالإضافة إلى عدد من الجمعيات الثـقافية والاجتماعية والخيرية، ومن بينها جمعية النهضة للإصلاح الثـقافي والاجتماعي التي تحولت سنة 1990 إلى حزب حركة النهضة التي هي الامتداد الوحيد للعمل الإسلامي كما يقول عنها هي التي تربى في أحضانها الآلاف من أبناء هذه الأمة وإطاراتها، وتوزعوا إلى مجموعات شتى، فمنهم من أقام فرع التنظيم العلمي للإخوان المسلمين، ومنهم من أسس الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحلة، وآخرين في حركة النهضة الإسلامية، وبعضهم واصل نضاله في خدمة الدين .
ترشح جاب الله حرا للانتخابات الرئاسية عام 99 ثـم انسحب رفقة 6 آخرين، ليؤسس في نفس السنة حركة الإصلاح الوطني. يستطرد هي المدرسة التي يمكن أن نطلق عليها اسم حركة النهضة التاريخية ، وتضم نخبة التيار الإسلامي المعوّل عليه مستقبلا لإنقاذ المشروع الإسلامي من المخاطر التي هددته ولا تزال كذلك . وكرر ترشحه لرئاسيات أفريل .2004
زرهوني اعترف بخطئه في منح حركة الإصلاح لغير أهلها لكنه لم يصلحه
سلط الشيخ عبد الله الضوء على قضية عدم الاعتراف بأحقية جناحه في تمثـيل حركة الإصلاح الوطني. يقول: وزير الداخلية السابق نور الدين يزيد زرهوني قضى بتسليم حركة الإصلاح الوطني لمجموعة من الأفراد، لا يملكون أي حق في ذلك، لكن عاد واعترف بخطئه فقال: أعترف بأنني قد أخطأت.. لكن الرصاصة إذا أطلقت، ليس بإمكانها العودة إلى المسدس مرة أخرى .
يرى المتحدث أن زرهوني قام بذلك لحسابات سياسوية: ولكن الإثـم لايزال معقودا على السلطة التي لم تعمل على تصحيح الخطأ، فنحن من يمثـل الشرعية، والحزب لا يزال قائما بأركانه، وينتظر من هذه الأخيرة تصحيح الخطأ الذي ارتكبته في حق حركة الإصلاح الشرعية، وفي حال ما لم تحرك ساكنا، وظلت متفرجة على الوضع، سنلجأ إلى الإعلان عن حزب آخر . وبخصوص نشاط الأحزاب السياسية، قال عبد الله جاب الله إن الساحة تعيش انسدادا وتراجعا في الأحزاب، وغياب الفعالية لدى رجال السياسة يتحمله الرئيس وأحزابه في التحالف، فالتفاف هؤلاء حول السلطة والسعي وراء المصالح الضيقة، على حساب المصلحة العامة، أدى إلى ما لحق بالسياسة اليوم.
ووجد عبد الله صعوبة في تقديم جواب حول خلفيات العشرية السوداء، ليستطرد قائلا: رغم صعوبة إعطاء جواب، إلا أنه يمكن القول بأن التيار الذي استفاد من تلك العشرية هو التيار التغريبي. قد نتساءل كيف فعل ذلك؟ وكيف خطط له؟ لكن تبقى التساؤلات مطروحة، وينبغي أن تكون موضوع كتاب في المستقبل القريب .
لا يمكن محو آثـار الحملة المصرية بجهد متواضع
أردنا جس نبض الشيخ تجاه الحملة المصرية التي شنت على الجزائر وموقفه اليوم منها، فرد: الحملة المصرية الشرسة على الجزائر خطأ بكل المعايير، ونتائجها كانت وخيمة على النفوس، ولابد من زمن طويل لتجاوز الأمر. ولكن أريد هنا أن أنوّه بأن النخب الجزائرية لم تكن متهورة في ردة فعلها، لأن الموقف الرسمي نفسه أعرض عن ذلك، وهو موقف سليم، لأن أخلاقنا التي تعلمناها من الدين تقول: وإذا عروا باللغو مروا كراما ، تجعلنا ندرك أنه لا فائدة من بذل الجهد لردع الصدع، وإنما التسلح بالصبر وبذل الجهود الخيرية أحسن، حقا، لأنه من الصعب معالجة آثـار تلك الحملة بجهد متواضع وفي وقت قصير .
مضيفنا عضو في العديد من المؤتمرات، بدءا من تلك المؤسسة في السودان وبيروت بلبنان، وصولا إلى بغداد، كما ألقى العديد من المحاضرات في العواصم الأوروبية والخليج، إلى جانب إصداره 25 كتابا، في انتظار الكتاب الذي سيصدر خلال الأيام القادمة تحت عنوان فقه الدولة في الإسلام ، وهو عبارة عن مجلدين.
ودعنا الشيخ عبد الله جاب الله مباشرة عندما رفع آذان المغرب، فالرجل دقيق ومحافظ على أداء الصلاة في وقتها.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)