الجزائر

''الخبر'' تقف في ذرعا وحماة على إصرار الشارع على تغيير الوضع في سوريا سوريا ليست بخير.. يا بشار



حواجز الجيش وقمع المتظاهرين مسلسل لا ينتهي شباب التغيير: لا نرتبط بأجندة إسرائيلية وهدفنا تحرير الجولان سوريا بخير ... إنها مؤامرة خارجية ... إنهم أعداء الوطن، وليس لدينا بديل عن بشار الأسد ... عبارات لا تفارق مسامعك وأنت بجانب المؤيدين
 لبقاء النظام في سوريا. لكن عند مفارقتك لهم ووقوفك على حقيقة الوضع في سوريا، يتبين لك بأن الشام ليس بخير، وأن القمع يولد الانفجار...
  الخبر تمكنت من الوصول إلى ذرعا وحماة والوقوف على حلم الشباب بسوريا حرة وديمقراطية.
 كانت زيارتنا إلى العاصمة السورية دمشق بدعوة من مكتب وزير الإعلام لحضور فعاليات اللقاء التشاوري للحوار الوطني، الذي انعقد يومي 10 و11 جويلية الجاري بمجمع صحارى دمشق. وكانت الخبر بذلك أول صحيفة تدخل سوريا منذ اندلاع أحداثها الدامية قبل خمسة أشهر من اليوم. مع وصولنا إلى مطار دمشق الدولي، فجر الأحد 10 جويلية وتحديدا في الرابعة صباحا، بسبب تأخر إقلاع طائرة الخطوط الجوية الجزائرية، كان مندوب وزارة الإعلام في انتظارنا رفقة رجل أمن في زي مدني، طلب مني جواز السفر، فيما رافقت موظف الوزارة نحو قاعة الانتظار الشرفية، وسألني موظف الوزارة عن الصورة التي لدي عن الأوضاع في سوريا، فأخبرته بأنني أتابع الشأن السوري عبر الفضائيات العربية والتلفزيون السوري الرسمي، لتكوين الصورة الكاملة، لكن هذا الأخير ظل يصرّ على أن هناك تضخيما للوضع وتشويها لصورة سوريا من أجل النيل منها وتنفيذ مخطط إسرائيل في المنطقة.
بعد حوالي ربع ساعة، خرجنا باتجاه السيارة، وسرنا نحو فندق ديدمان في العاصمة دمشق، على أن يكون الموعد في قاعة استقبال الفندق في حدود الثامنة صباحا، من أجل التوجه إلى اللقاء التشاوري. وكان من المدعوين من رجال الإعلام رفقتي، صحفيون من لبنان والأردن، وكان أبرزهم الإعلامي غسان بن جدو.
سعت وزارة الإعلام إلى أن يكون الإعلام العربي مع المشاركين ، حيث نتمكن من دخول قاعة التشاور، على عكس الصحفيين المحليين الذين ألزموا بالبقاء خارج القاعة في المركز الإعلامي. وكنا شبه محاصرين بالبرنامج المسطر، الذي كان يدور حول تغطية فعاليات اللقاء التشاوري الذي غابت عنه المعارضة، في وقت لا تزال لغة الرصاص والاحتجاجات سائدة في الشارع السوري.
مع انتهاء اللقاء التشاوري وانتهاء تكفل وزارة الإعلام بإقامتي التي كانت من المفروض أن تستغرق 48 ساعة فقط. لكن مع إضراب المضيفين وعمال الملاحة الجوية بالجزائر، أصبحت الخبر شبه حرة في سوريا وأخلطت كل أوراق رجال الأمن والوزارة، خصوصا وأنني الصحفي الوحيد الذي لم يغادر سوريا.
ذرعا.. الجيش وصور الدمار
رفضت وزارة الإعلام السورية أن تتكفل بمهمتي لزيارة محافظة ذرعا التي انطلقت منها أول شرارة للمظاهرات الشعبية التي تطالب بإسقاط نظام بشار الأسد. وهنا قررنا أن نخوض المغامرة لوحدنا، حيث برمجنا موعد سفرنا يوم الثلاثاء، وقبلها التقيت بشابين من محافظة ذرعا، يدرسان بالجامعة، حيث لاحظا بأنني صحفي، وعندما طلبت منهما الحديث عن الوضع في سوريا، رفضا ذلك بداية، خوفا من أن أكون مراقبا من طرف جهاز المخابرات. وبعد أن تأكدنا من عدم وجود أي مخبر، تحدثا معي، وقال أولهم وهو محمد البالغ من العمر 21 سنة، وهو من مدينة داعل 15 كلم عن محافظة ذرعا، بأن هناك معارضة في سوريا، على عكس ما يدعي النظام السوري، لكن الضغوط التي تمارس عليها، منعتها من النشاط . ويعتبر محمد بأن خروج المظاهرات السلمية قابله القمع والرصاص، كما أن محاصرة الجيش لذرعا كان كارثة حقيقية لأن حدة القمع والعنف زادت.
ويرى محمد بأن الجيش لم ينحز إلى الشعب كما في مصر وتونس، وهو الذي أدى إلى وقوع أكبر عدد من القتلى . ويحلم محمد بأن ينعم في سوريا بالحرية والديمقراطية وأن لا يكون هناك فساد في الإدارة وكل المؤسسات. وعن المؤامرة الخارجية على سوريا، التي تدعمها إسرائيل، يقول المتحدث بأن لا أحد يقف وراءنا فالمسيرات والمظاهرات عفوية، ولا أحد يدعمنا من الخارج، على عكس ما يروّج له نظام بشار الأسد. أما الشاب أنس من ذرعا، الذي خرج في مظاهرات ضد النظام، فيرى بأن الأعداد القليلة التي خرجت في البداية، تضاعفت بعد أن سقط قتلى، وما دفع بعدها للإصرار على التظاهر، هو قمع وبطش النظام. كما أن ازدياد الوعي، دفع للإصرار على عدم التراجع .
اتجهنا إلى المنزل الذي يقيم فيه الشابان من أجل الحصول على بعض المادة المصورة عن أحداث ذرعا، وهناك تجاذبنا أطراف الحديث مع زملائهم الذين تحدثوا عن جامع العمري الأثري الذي احتله الجيش السوري، حيث استغل الوضع وقام بإخفاء الأسلحة فيه واتهام الناس بأنهم هم من يمتلكون الأسلحة، مستغلين التوجه الإسلامي لسكان المحافظة. وفي اليوم الموالي، توجهنا إلى محطة الحافلات وركبنا الحافلة الصغيرة نحو ذرعا، كان سائق الحافلة يستمع لأغاني ميادة الحناوي والحرارة قد فاقت الأربعين درجة. لم تكن هناك أي مراقبة في الطريق، لكننا ومع اقترابنا من مدخل مدينة داعل، تغيرت التفاصيل، وأصبحت دبابات الجيش والحواجز ديكورا لا ينتهي.
تجاوزنا أول الحواجز العسكرية، من دون مراقبة وحالفني الحظ في ذلك، لكن لم نسلم من الحاجز العسكري الموالي، وطلب العسكري الذي كان يحمل رشاشا على كتفه هويّاتنا، وهنا لم أعرف ما الذي سأفعله، قبل أن أسمع صوتا من المقاعد الخلفية، يقول نحن من الشرطة لا داعي للهويات ، وبالفعل لم تتم مراقبة هوياتنا، لأن أغلب الركاب كانوا من رجال الشرطة بزيهم الرسمي الأبيض. ومع دخولنا ذرعا، كان المشهد مشابها تماما، ونزل كل ركاب الحافلة قبل الوصول إلى المحطة، ولم يبق غيري، فتحدثت مع السائق وأخبرته بأني صحفي جزائري، وأريد أن أقف على الوضع في ذرعا. تفهم السائق الأمر، ورحب بي وقال الجزائريون على رأسنا . توجه إلى محطة الحافلات، وتحدث مع زميل له يعمل في الخط الرابط بين المحطة ووسط مدينة ذرعا المحطة. أخبرني بأنه سيقلّ عددا من الركاب ويتفرغ لطلبي بعدها، وطلب مني عدم الحديث إطلاقا.
كانت الساعة تشير إلى حدود الخامسة مساء، عندما وصلنا إلى ذرعا، ومع تغلغلنا في قلب ذرعا البلد ، بدت ملامح الدمار في كل مكان، وأخبرنا السائق بأنه لا يجب التقاط أي صورة خوفا من القناصة والاعتقال . كنت جالسا في المقعد الأمامي، وكان يشير لي بيده لكل زاوية تم فيها قتل المتظاهرين. ويقول المتحدث الذي رفض الكشف عن هويته لقد احتل الجيش كل المدارس والجامع العمري وبعض المنازل . وما أن ترفع رأسك حتى تلحظ بأن هناك بعض المنازل (فيلات) وقد وضعت قوات الجيش علم سوريا عليها، ودعمت توافدها بأكياس الرمل لحماية القناصة.
مع اقترابنا من المسجد العمري الأثري، كانت عناصر الجيش تحيط به، وأخبرني السائق بأن عناصر الجيش تقيم في المسجد . بعدها وصلنا إلى وسط ذرعا البلد، التي لاتزال آثار القصف والرصاص على بناياتها. طلبت من السائق أن يمكنني من النزول والتقاط صورة بجانب بيت مثقال النوري المعروف بأبي زيد، الذي قصف منزله ولا يزال خرابا وهيكل سيارته المحترق شاهد على العنف الممارس في سوريا.
رفض هذا الأخير الفكرة، وطلب مني الانتظار إلى غاية مراقبة المكان، وفي طريق العودة منحته آلة التصوير والتقط لي صورة بسرعة البرق. ويقول أهل ذرعا بأنهم مصرّون على المطالبة برحيل نظام بشار الأسد الفاسد. ويروي أهل ذرعا، بأن لغة الرصاص والتخويف لا تزال مشهدا يوميا، حيث ما أن كبّر أحدهم بعبارة الله أكبر إلا وأطلقت قوات الجيش الرصاص في السماء، ويستمر هؤلاء في التكبير للتأكيد على استمرار الرفض.
300 قتيل في حماة
كانت الساعة تشير إلى حدود السادسة والنصف مساء، عندما غادرنا ذرعا، وفي طريق العودة أوقف أحد العساكر الحافلة الصغيرة وطلب مني السائق الذي كنت بجانبه أن أسلمه هويتي، فأخرجت جواز سفري، ولحسن الحظ أن العسكري لم يقلب الصفحة الثانية لجواز السفر، ولم يقرأ مهنتي، واكتفى بالنظر إلى صورتي الشمسية، وخاطبني لماذا أنت بشنبات وبعض اللحية في الصورة على عكس اليوم ، فأخبرته بالعربية الفصحى تلك ظروف واليوم ظروف أخرى . بعدها أعاد لي جواز السفر وواصلنا السير.
حاول سائق الحافلة استدراجي في الحديث فكان كلامي قليلا، وسألني ثانية هل لديك هوية ، فأخبرته بأنني لا أملك سوى جواز سفري، وطلب من أحد الراكبين منحه الهوية لتسهيل مهمة التفتيش، خصوصا أن الحواجز الأمنية تزايدت مع دخولنا ريف دمشق واقترابنا من الشام.
المهم أننا بعد ساعتين من السير، عدنا إلى الشام، وفي اليوم الموالي اتجهنا إلى محطة الحافلات نحو محافظة حماة. كانت الساعة تشير إلى منتصف النهار والنصف، ندخل ونبحث عن مكتب شركة النقل، يطلب مني العامل هويتي، فأسلمه جواز سفري، ويخبرني بأنه يجب أن يصادق ضابط الشرطة على تذكرتي، فاتجهت إلى مركز الشرطة بنفس المحطة، وسألني الشرطي هل أنا بمفردي، فأجيبه بنعم، وتحدث مع الضابط، فقال له اختم له، ويضع الختم على التذكرة لا مانع . وفي حدود الواحدة انطلقت الحافلة، وكما في الجزائر يشغل السائق جهاز التلفاز ويعرض كليبات وأغاني كاظم الساهر يليها بعض السكاتشات. ومع وصولنا إلى حماة، بعد ثلاث ساعات من السير، كانت المدينة وكأنها مهجورة. خرجت من المحطة وأوقفت سيارة أجرة، فسألني أين وجهتك؟ ، فركبت وقلت له لا وجهة لي . فاستغرب السائق حديثي وأخبرته بأنني صحفي جزائري، فرحب بي، وشرحت له سبب تواجدي في حماة.
كانت حماة قد دخلت في عصيان مدني، وأغلق كل التجار محلاتهم، وبين الطريق الفرعية كانت الراية السورية ترفرف مع كل حاجز بالطوب والخشب لمنع تغلغل الجيش إلى الأحياء التي تضم المتظاهرين والمبحوث عنهم. وصلنا إلى جانب منزل، كان يجلس تحت شجرة العنب حوالي عشرة شبان، كانوا يتناولون وجبة الغداء المكونة أساسا من الباذنجان والأرز والرغيف. أخبروني بأني الصحفي العربي الوحيد الذي يدخل حماة، وتحدثوا بلهجة الغاضب على نظام بشار الأسد.
يقول أبو عبدو،  29  سنة: هدفنا اليوم في حماة وكل سوريا هو إسقاط النظام وضرورة إطلاق سراح كل المعتقلين الذين رفعوا صوتهم لأن النظام لا يعجبهم وكذا الوضع القائم . وتساءل هل هناك مسلحون التقيت بهم في طريقك إلينا كما يدعي النظام؟ . وأضاف نحن مسالمون ولا تجد أحدا يحمل حتى عصا خشبية في يده ، أما المسلحون الذين يتحدثون عنهم فهم رجال أمن متنكرون في زي مدني. أما أبو صالح، 26 سنة، فيقول لا وجود لعصابات مسلحة مدنية في سوريا، فالنظام هو من يفتعلها لتشويه صورتنا . وأضاف لقد سقط حوالي 300 شهيد هنا في حماة، ورموا بجثث تسعة أشخاص في المزابل في حي ساحة العاصي ومنطقة المرابط وسوق الخضرة . ويرفض شباب الثورة في حماة، أن يتم تحريف مغزى زيارة السفير الأمريكي والفرنسي لحماة يوم الجمعة الماضي، على أنه محاولة لفرض التدخل الأجنبي في سوريا، ولكن تواجدهما حال دون ارتكاب مجزرة فعلية من طرف الجيش. ويرفض الشباب أن يربط النظام ما يحدث بأجندة إسرائيلية، قائلين نحن هدفنا تحرير الجولان ولا نريد أي تدخل أجنبي . وشعارهم الموت بلا مذلة . ويقول الشباب بأن النظام قطع الأنترنت علينا منذ يومين حتى لا تنقل الحقيقة للعالم .
جولتنا في شوارع حماة، ألزمتنا بالتقاط بعض الصور، وكدنا نستهدف من طرف القناصة الذين كانوا يتوزعون في كل زاوية من حماة. فبعد أن حملت آلة التصوير طلب مني مرافقي أن أتراجع، لأن أحد القناصين في أعلى البناية يوجه بندقيته نحوي، وركبنا السيارة مسرعين وتوغلنا في الأحياء، قبل أن نتجه نحو محطة الحافلات.
ويتفق الشباب في رسالتهم للحكام العرب على ضرورة رفض الصمت، ويخاطبونهم إلى متى هذا السكوت، أما حان الوقت أن تتكلموا وتقولوا كلمة حق نحن إخوانكم في سوريا، وأنتم إخواننا، هل ستضحون بالشعب السوري من أجل عدة أشخاص زائلين في النظام؟ .
على الرغم من كل ما حدث، إلا أن المظاهرات والمسيرات الحاشدة التي قادها السوريون ضد النظام، فتحت المجال للشباب وعموم السوريين بالخروج من قوقعة الخوف، حيث ظل حزب البعث والنظام الأمني يقيدهم لسنوات، فمن كان يجيد الحديث عن السياسة لولا إطلاق عبارة الشعب يريد إسقاط النظام . ويقول أحد الشباب أبي قتل في أحداث 1982 في سياق صراع عنيف بين نظام الرئيس حافظ الأسد وجماعة الإخوان المسلمين التي كانت في تلك الفترة من أقوى وأنشط قوى المعارضة في البلاد . ويضيف لا نريد هذا النظام الفاسد، مهما كلفنا ذلك من دماء .
أحداث حماة أو مجزرة حماة، هي أوسع حملة عسكرية شنها النظام السوري ضد المعارضة، وأودت بحياة عشرات الآلاف من أهالي مدينة حماة، حيث بدأت المجزرة في 2 فيفري واستمرت 27 يوما، حيث قام النظام السوري بتطويق مدينة حماة وقصفها بالمدفعية ومن ثم اجتياحها عسكريا.
في سوريا التي دخلناها لأول مرة، يفرض النظام السوري الرقابة على الأنترنت، ولا يمكنك أن تستعمل الشبكة من دون هوية لأخذ معلوماتك. وفي سوريا لافتات وشعارات مساندة للنظام وصور بشار الأسد في كل زاوية واسمه في كل الطرقات والجبال، كما يروّج الإعلام الرسمي لمشاهد وصور مفبركة لتشويه صور المعارضين والمتظاهرين. ويسرب جهاز المخابرات فيديو لعصابات مسلحة تقطع رأس أحد رجال الجيش السوري، على الرغم من أنه مصور في العراق، حسب عدد من شباب سوريا المنتفض، من أجل تخويف المواطنين والتأكيد على أن سوريا تتعرض لمؤامرة وتحت رحمة عصابات مسلحة من أجل تبرير تواجد الدبابات والجيش في الشارع. ومع كل اللافتات التي كتب عليها بأن سوريا بخير ، إلا أن سوريا ليست بخير، ومع تزايد القمع والتقتيل يزيد الإصرار على التظاهر ورفض النظام، يضيف هؤلاء الشباب.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)