الجزائر

الخبر تزور حمام سوسة، المدينة التي أنجبت ديكتاتور تونس بن علي.. الرجل الذي وزّع الظلم بالعدل على التونسيين



من عادة الرؤساء والملوك أن يخصوا قراهم ومدنهم التي ولدوا وترعرعوا فيها ببعض من الامتياز والخصوصية، التي تصنع لهم قاعدة شعبية تحميهم عند الهزات السياسية. هكذا فعل الرئيس العراقي الراحل صدام حسين في تكريت. لكن الرئيس التونسي المخلوع، زين العابدين بن علي، كان أكثـر هؤلاء عدلا في توزيع الظلم بالمقياس نفسه على كل المدن التونسية، ولم تكن تعنيه مدينته الأصلية حمام سوسة التي ولد وترعرع فيها.
 دخلنا حمام سوسة في الصباح الباكر. كنا نتوقع أن تكون للمدينة مميزاتها العمرانية والاقتصادية وأفضل الظروف الاجتماعية لسكانها، كونها مدينة رئيس الجمهورية ومهده وموطن ما تبقى من أهله فيها، وكونها التحقت بالثـورة في آخر فترة مقارنة مع المدن الأخرى، فصور التخريب وآثـار الاحتجاجات مازالت بارزة في المدينة الهادئة.
في زقاق صغير ومتواضع وسط مدينة حمام سوسة التي تبعد عن مدينة سوسة بأربعة كيلومترات فقط عن العاصمة بما يقارب 160 كيلومتر، يوجد البيت الذي ولد فيه الرئيس التونسي زين العابدين بن علي ذات ثـالث سبتمبر من عام .1936 بيت واسع وله فناء كبير، ويتوسطه درج يؤدي إلى الطوابق العليا.. هو من البناء القديم المشابه لأغلب البنايات في قصبات تونس، لكنه مرمم بشكل جميل.. البيت مازال يحتفظ بالباب الأبيض والزقاق الأبيض مازال يحتفظ بنفس الأرضية الحجرية التي كانت منذ سابق عهده، وأحجاره مازالت تذكر بالتأكيد أصابع ورجلي الطفل زين العابدين بن علي التي كانت تركض وتلعب فيه الكرة وألعاب الطفولة مع الرفاق، قبل أن تصبح أكثـر ثـقلا وتلبس أحذية الجيش الخشنة، وتضع كل الزقاق والمدينة وكل تونس لمدة 23 سنة تحت أرجل من يصفه سكانها بـ الديكتاتور المخلوع .
لم تسمح لنا العائلة التي ينتمي إليها الرئيس بن علي ومازالت تقيم في هذا المنزل بتصوير المنزل، قال لنا أحد أفراد العائلة إن العائلة تعرضت للهجوم ومحاولة حرق منازلها وممتلكاتها من قبل التونسيين الغاضبين من الرئيس بن علي ، وأضاف: تهمتنا أننا أقارب الرئيس، وتهمتنا أن لقبنا بن علي، برغم أننا مثـل كل التونسيين لم نستفد أشياء كثـيرة من الزين، والدليل على ذلك أننا مازلنا نسكن في هذا المنزل وفي هذا الحي العادي ، مضيفا: صرنا نخشى حتى على أطفالنا الصغار، حيث نمنعهم من الخروج تجنبا لتعرضهم للإيذاء .
الحماميون يذكرون الظلم ولا يذكرون الزين
لا يذكر الكثـير من سكان المدينة صور رئيسهم طفلا وشابا، عدا قليل من كبار السن الذين يتذكرون بعض ملامحه. يقول السي مصطفى، وهو معلم متقاعد، إن بن علي كان يدرس في المعهد الثـانوي بسوسة، لكنه غادر المدينة مبكرا، ومنذ أن انضم إلى الجيش وأرسل إلى فرنسا، ثـم تعيينه في مناصب دبلوماسية، كان قليل الحضور إلى مدينته ، مضيفا: بن علي ذهب لكنه ترك وراءه من ينوب عنه في النهب من بعض أفراد عائلته، الذين استولوا على القصور والأراضي والمنشآت التي تتمركز في وسط المدينة الساحلية ، مشيرا إلى أن الظلم امتد حتى إلى مجال الرياضة ففريق حمام أمل سوسة كان تحت سطوة أقاربه ومعارفه أيضا .
ويعتقد سكان المدينة أن هناك معلومات كثـيرة خاطئة بشأن استفادة مدينتهم من امتيازات اقتصادية ومشاريع اجتماعية أكثـر من المدن الأخرى. ويقول محمد الهادي، وهو طالب جامعي، لـ الخبر : ليس صحيحا أننا استفدنا من كون الرئيس ابن مدينتنا. أين هي الاستفادة؟ الشباب في بطالة، وحمام سوسة ليست في جمهورية أخرى . وقال صديق ناجي: كانت نفس القوانين والممارسات القمعية مسلطة علينا . وأضاف محمد الجويني، وهو سائق سيارة طاكسي: كنا ككل التونسيين نعيش الظلم، نحن كنا بين فكي عوائل وأقارب ومافيا الرئيس بن علي .   لم يشفع لحمام سوسة أن تكون مولد الرئيس السابق لتسلم من الظلم والطغيان، و الحماميون مثـلما يسموَن، انقلبوا على ابن بلدتهم، وإن كانوا يذكرون له بعض المحاسن والمنجزات، خاصة في قطاع التعليم والصحة والسياحة التي يشتغل غالبية شباب المدينة فيها في فصل الصيف، بعد ما كشفت عنه الأيام السابقة من فضائح وبذخ وسرقة لأموال الشعب التونسي، وخضوع بن علي لسطوة زوجته ليلى الطرابلسي وعائلتها، والتي قلبت مواقف الحماميين ضد بن علي، فصوره التي كانت تملأ الشوارع والساحات اختفت بشكل سريع من كل شوارع المدينة، وتخلص السكان من كل ما يرمز إلى العهد السابق، فالحماميون يقولون إنه لم يعد يشرّفهم أن يكون الرئيس السابق بن علي ابن مدينتهم، برغم أن البيت الذي ولد فيه بن علي ويقيم فيه أفراد من عائلته مازال في المدينة.     


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)