الجزائر

الحلم الأمريكي



الحلم الأمريكي
بقلم: صبحي حديدي*المواطن الأمريكي خضر خان مسلم مهاجر من أصول باكستانية قُتل ابنه همايون وكان ضابطاً في الجيش الأمريكي دفاعاً عن زملائه أثناء مواجهة تفجير انتحاري في العراق. الرجل صعد إلى منصة الخطابة في اليوم الرابع لمؤتمر الحزب الديمقراطي الأمريكي وإلى جانبه وقفت زوجته بالزي الإسلامي الباكستاني (وليس الحجاب كما قالت وسائل إعلام حمقاء لأنّ الأجزاء الأمامية من شعر السيدة خان كانت مكشوفة!) وألقى خطبة قصيرة مؤثرة كان الأوج فيها أنه سأل مرشح الحزب الجمهوري دونالد ترامب إذا كان قد قرأ الدستور الأمريكي حقاً ثم أخرج نسخة من جيبه وعرض أن يقدمها هدية إلى ترامب.هذا الطراز من المواقف الدراماتيكية المشحونة بالعاطفة والوجدان ليست نادرة في مواسم الانتخابات الرئاسية الأمريكية بل لعلها على العكس شائعة ومألوفة لأنها جزء لا يتجزأ من عدّة التأثير الدعاوي بصرف النظر عن صدق مشاعرها أو زيف مضامينها. وقد تعود تباشيرها إلى أواسط القرن التاسع عشر حين كان شاعر الديمقراطية الأمريكية الأكبر والت ويتمان قد أطلق عبارته الشهيرة: الرئيس هناك في البيت الأبيض من أجلكم ولستم أنتم هنا من أجله.بعد قرابة قرن كامل سوف يسأله مواطنه ألن غنسبرغ أحد كبار شعراء الاحتجاج: أين الفراشات التي كانت تتطاير من لحيتك؟ بل أين أمريكا التي وعدتَ يا معلّم الشجاعة المستوحد؟. بعدهما في سنة 1961 صبيحة تنصيب الرئيس الجديد ج. ف. كنيدي وقف شاعر كبير أيضاً هو روبرت فروست وألقى قصيدته التي يقول مطلعها: كانت الأرض لنا قبل أن نكون لها/ وقبل أن نكون شعبها كانت شعبنا. في سنة 2008 سارت الشاعرة الأفرو أمريكية مايا أنجيلو في ركاب المرشحة الديمقراطية هيلاري كينتون وكتبت قصيدة خاصة في مديحها كأنها كانت تردّ على مواطنتها وبنت جلدتها أوبرا وينفري التي أيدت المرشح الديمقراطي باراك أوباما.لكنّ الوجدان شعراً أو نثراً لن يكون زاد المعارك العاطفية الوحيدة إذْ سنشهد في قادم أيام حملتَيْ الانتخابات على الضفتين الجمهورية والديمقراطية صعود خطابات (الحلم الأمريكي) العتيق دون سواه والتسابق على إعلاء شأن القِيَم الأخلاقية والعائلة والدين فضلاً عن (نثر الكتاب المقدّس) كما يتوجّب القول (هنالك سلسلة ولايات تُلقّب ب(حزام التوراة) نسبة إلى شدّة تديّن أبنائها). وفي هذه الميادين ثمة شبح يجوس ليالي وأحياناً نهارات المرشحين متخذاً هيئة كابوس يحمل الويل والثبور عند البعض أو هيئة ملاك حارس يحمل البشرى والسند عند البعض الآخر. هذا الشبح من لحم ودمّ في الواقع بل هو كائن بشري حاضر صاخب مشاكس لا يكفّ عن اتخاذ المواقف وإطلاق التصريحات التي تضعه على كلّ شفة ولسان: إنه ماريون غوردون (بات) روبرتسون المؤسس والزعيم التاريخي لمنظمة التحالف المسيحي أكثر الحركات الدينية القاعدية نفوذاً وسطوة في السياسة الأمريكية المعاصرة.صحيح أنه بارك ترامب (أنت تلهمنا جميعاً) قال خلال خطبة (تأييد عصماء) ولعن كلنتون مرشحة المثليين التي ستردّ أمريكا إلى سنوات الخمسينيات في يقينه إلا أنّ أحداً لا يستطيع التنبؤ بانقلابات وتقلبات (الحلم الأمريكي) على يديه. لقد سبق له أن بارك المرشح جورج بوش الابن ضدّ المرشح جون ماكين وليس غريباً أن يجاريه ترامب اليوم فيسخر من حكاية وقوع ماكين في أسر الفييتكونغ ولن يكون عجيباً أن يغازله بعض ثقاة حملة كلنتون درءاً لأخطاره.في كلّ حال الأسابيع والأشهر التي ستسبق نهار الانتخابات سوف تكون كالعادة حبلى بأفانين الشقاق والنفاق والمتغيرات ليس دون ثابت واحد على الأقلّ: أنّ نسخة خان من الدستور الأمريكي لن تبلغ ترامب وسوف تظل قابعة في جيب المواطن الأمريكي المسلم!


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)