الجزائر

الحلقة الرابعة: الذراع اليمنى للعقيد شعباني محمد الطاهر يوضح: عبد الله السلمي كان خائنا.. وعدد المقتوين لم يتجاوز الثلاثين نفرا؟



الحلقة الرابعة: الذراع اليمنى للعقيد شعباني محمد الطاهر يوضح: عبد الله السلمي كان خائنا.. وعدد المقتوين لم يتجاوز الثلاثين نفرا؟
شعباني والمصاليون.. وقائع «الغدر» و«الخيانة»
قرأت باستغراب ما تضمنته صحيفة البلاد في موضوعها (شعباني قتل ألف مصالي في يوم واحد) ولما يحتويه الموضوع من مغالطات وافتراء على رجال كانوا قادتنا وقدوتنا في الكفاح والاستبسال ونماذج في الوفاء والإخلاص، وهم الآن في دار الخلود رأيت أن الواجب يقتضي مني الحديث لكوني كنت أول من كان عنصرا فاعلا في استسلام الخائن عبد الله السلمي وأتباعه من جهة ومن جانب آخر التمست من خلال المقال أن هناك من يحرك أطراف مؤامرة على تاريخ الولاية السادسة ورجالها خاصة وهم أناس يكنون لها الحقد وليست لديهم الشجاعة الكافية لنزع أقنعة الجبن التي يتخفون وراءها ولا يمكن لهم ولمن سار على دربهم أن يخدشوا مليما واحدا في تاريخ هاته الولاية التي ينطق بجهادها جبالها ووهادها والتي ركّعت جبابرة الاستعمار، فإذا كان جيش التحرير طليعتها في الكفاح فإن الفضل في النضال يرجع إلى سكانها من صغيرهم إلى كبيرهم ومن أبرزهم سكان أولاد نايل الذين ذاقوا الاستعمار وتحملوا جميع المحن والتضحيات وواجهوا فلول الخائن بلونيس وأتباعه وما تفرخ من خلفائه بمن فيهم عبد الله السلمي، فقد سلبت أرزاقهم واستبيحت دماؤهم وانتهكت حرماتهم على يد هذه الفئة الضالة، فضلا عما سلطه عليهم الاستعمار الفرنسي، ومع ذلك ما بدلوا تبديلا وكان ولاؤهم لجيش وجبهة التحرير لا غبار عليه إلى غاية الاستقلال وجزاؤهم الأوفى عند العلي القدير. فهذه حقيقة أولاد نايل وليست كما أراد البعض أن يضعهم في خانة الخيانة مدعيا أنهم كانوا ضحايا جيش التحرير ويذرف عليهم دموع التماسيح، وهو الذي أراد أن يستعيد عذرية مفقودة وأمجادا ضائعة عله بذلك يعتلي مقاما جديدا.
أولاد نائل ظلمهم التاريخ والجغرافيا.. ونعود إلى الموضوع، إذ تم إقحام أناس نكرة في المسار الثوري وفيهم من انقطع عمله بعد أن كان مجاهدا مثل الساسوي الذي كان فعلا من أوائل المجاهدين لكن انقطع عمله بعد سنة 1957 لما انضم بعض أتباع زيان عاشور الى فلول الخائن بلونيس في غياب عمر إدريس وذهابه إلى المغرب. وأعود الى علاقتي بجماعة عبد الله السلمي التي كانت تشكل إحدى الفرق المناوئة لجيش التحرير والحليفة للجيش الفرنسي، ففي أواخر سنة 1961 وصلتني رسالة من الوالدة رحمها الله بواسطة المرحوم مسعودي العربي المعروف باسم العربي الحامدي جاء فيها أن ابن عمي خليفة بن عمار يريد مقابلتي ولديه أسرار وخدمات هامة قد يفيد بها جيش التحرير وهو نادم على ما فات وخليفة بن عمار كان من أوائل مناضلي حزب الشعب وحركة الانتصار للحريات الديمقراطية، وقد كلفه نضاله 12 سنة سجنا قبل اندلاع الثورة، وبقي مصاليا طيلة أيام الثورة، لكن لم يكن في يوم ما مع العميل بلونيس. وأثناء بداية المفاوضات مع فرنسا، كان هو المؤسس لما يسمى بالفاد (الجبهة الجزائرية للعمل والديمقراطية) وهو تنظيم ضم في أغلبه المصاليين ليكون لهم تواجد أثناء المفاوضات.
لما تلقيت الرسالة أطلعت العقيد محمد شعباني عليها واستشرته في أمر ملاقاته، فشجعني على ذلك وكله أمل في أن نوفق في إطفاء نار الفتنة بيننا وبين المصاليين، كما طلب مني اتخاذ جميع الاحتياطات تحسبا للغدر. وفعلا التقيت خليفة بن عمار في بيت العربي الحامدي فوجدته في حالة انهزامية كبيرة، وأوصاله ترتجف لأن حكم الإعدام كان صادرا في حقه كسائر المصاليين. وبعد حديث استفسرته عن جدوى اللقاء به فأخبرني أن هناك سعيا حثيثا لضم بقابا المصاليين الى المنظمة الإرهابية المعروفة باسم OAS (المنظمة السرية المسلحة) وهم بصدد تشكيل فرع تابع لها باسم المنظمة السرية الإسلامية، كما أفادني بأن العقيد Decreve C'ur اتصل به ليقوم بهذا الدور، والهدف من إنشاء هذا التنظيم نسف مساعي الاستقلال وإبقاء الجزائر فرنسية. طلبت من خليفة بن عمار مواصلة الاتصال بقادة المنظمة السرية، وإيهامهم بأنه انتقل إلى جماعة عبد الله السلمي وغيرهم وأنهم أبدوا موافقتهم، وبعد انصرافنا أبلغت شعباني الأمر فأمرني باستعمال جميع الوسائل للحيلولة دون انضمام بقايا بلونيس إلى هذا التنظيم. بعدها طلبت من خليفة بن عمار أن يرتب لنا موعدا مع ضباط ال oas، ويقدمنا لهم على أساس أننا من قادة بقايا بلونيس ويكون اللقاء على بعد 12 كلم من بوسعادة بالمكان المسمى ميطر.
أبو وزير الداخلية
لم يكن خائنا..
وليلة الموعد نزلت إلى بوسعادة رفقة بعض الجنود منهم محمد بوتشيشة رحمه الله، والغويني بن طابة من أولاد نائل ولزهر بن سريانة من سيدي عقبة، وبتنا في بيت المرحوم محمدي مصطفى الذي كان رئيس بلدية بوسعادة، وفي الوقت نفسه مركزا آمنا للفدائيين طيلة الثورة وللأمانة التاريخية، فإن هذا المناضل الذي تريد بعض الجهات (التي لا ترتقي الى نعليه) أن تنال من جهاده، فقد قدم خدمات جليلة للثورة من موقعه ونحن من طلب منه الاستمرار في وظيفته ليكون عينا لنا يخبرنا بتحركات العدو ودسائسه، وغالبا ما كان يوجه المؤونة لجيش التحرير بعد أن يقتصها من هبات فرنسا للمعوزين، وكان وفيا لجميع التعليمات التي يتلقاها من الجيش إلى غاية الاستقلال.
قضينا ليلتنا نطرز على لباسنا عبارات الحركة الوطنية "تحيا مصالي" "الحركة الوطنية" وهي المفردات التي نقشناها على مقبض أسلحتنا، كل ذلك لنوحي بأننا من بقايا الحركة الخيانية. في اليوم الموعود انطلقنا في سيارة محمدي لأنها سيارة رسمية وتحمل إشارة حمراء، وحينها كنا ملتحفين ومن بيننا واحد ضخمنا بطنه بوسادة ليظهر بمظهر امرأة حامل، أما سائق السيارة فهو محمدي محمد الصالح ابن رئيس البلدية (الذي أصبح فيما بعد وزيرا للداخلية).
كانت منافذ بوسعادة كلها مغلقة ما عدا واحد به حاجز أمني دائم قرب فندق القائد، إذ ما إن وصلنا إليه حتى أبلغهم السائق أن من في السيارة نساء من الشغالات عندنا وإحداهن بصدد وضع الحمل ونريد إيصالها الى أهلها، وبالتالي تمكنا من اجتياز الحاجز دون تفتيش. لما وصلنا إلى المكان المتفق عليه وجدت خليفة بن عمار مع أحد الضباط الفرنسيين بزي مدني، كما لاحظنا أن المنطقة مطوقة بالجنود الفرنسيين. وقدمنا خليفة بن عمار على أساس أنني أنا عبد الله السلمي، والثاني من رفقائي بداري والآخرون بأسماء من عناصر عبد الله السلمي… بعدها أراد الضابط الفرنسي وهو نقيب وموفد من Decreve C'ur، مصافحتي فقلت له كيف أصافحك وجنودك يطوقون المكان حينها أمرهم بالنزول ثم منحني مسدسا كان يتأبطه قائلا هذا عربون الثقة، وجرى حديث بيننا ومما قاله لي: "لقد أرسلنا إليكم موفدين قبل اليوم لكن لم يتسن لنا اللقاء بكم" وأضاف: لقد استطعنا أن نقضي على أغلب الفلاڤة في الجزائر، وبقيت لنا هذه المنطقة التي يوجد فيها أتباع شعباني ونحن نطلب مساعدتكم للقضاء عليهم وبعدها ستصبح الجزائر كلها بين أيدينا، أبديت استعدادي للقيام بالمهمة مقابل دعمنا بالعتاد العسكري واللوجيستيكي فوافق على طلبنا وانصرفنا، بعدها أبلغت شعباني محتوى اللقاء فطلب مني مواصلة المشوار مع التزام الحذر والحيطة كالعادة.
بعد اتصالات بين خليفة بن عمار وجماعة ال OAS حددت مكان استلام الأسلحة في منطقة الشعيبة (ولاية بسكرة حاليا)، وهو ما تم إذ أرسلوا إلينا شاحنة مملوءة بالسلاح والذخيرة واللباس، واستلمناها لنسلمها فيما بعد لجيش التحرير وانطلت الحيلة على ضباط الحركة الإجرامية.
بعدها طلبت من خليفة بن عمار ترتيب لقاء لي مع عبد الله السلمي بهدف إقناعه بالانضمام إلى جيش التحرير وبالفعل رتب لنا لقاء، حاولت إقناع السلمي بالعدول عن سيرته، وأن الاستقلال آت فما عليه إلا الالتحاق بركب إخوانه وعفا الله عما سلف، فانصرف مدعيا أنه سيفكر في الأمر، لكن سيرته بعدها أثبتت تماديه في طريق الضلال.
بعد 19 مارس 1962 لما كنت على رأس لجنة توقيف القتال بمنطقة بوسعادة، علمت أن عبد الرحمان فارس، وبن تفتيفة، وشوقي مصطفاي وآخرين ممن كانوا على رأس الهيئة التنفيذية، قادمون في زيارة رسمية الى بوسعادة على متن طائرة وسينزلون في مطار عين الديس رفضت استقبالهم في البداية لكوني لم أتلق إذنا من مسؤولي المباشر ولما نزلوا بفندق ترانزات ببوسعادة، ذهبت رفقة الرائد عمر صخري بعد إلحاح من بن تفتيفة ومصطفاي اللذين اتصلا بي في المكتب، في لقائي بهم بفندق ترانزات رافقني خليفة بن عمار الذي طلبت منه الجلوس إلى جانب مستشار الجنرال rouet الذي كان ضمن الوفد للتجسس لمعرفة أسباب مجيئهم وما تصبو إليه مهمتهم، وفعلا بعد مدة همس في إذني بأنهم جاؤوا للقاء مجموعة عبد الله السلمي وأضاف أن هناك اتفاقا ضمنيا للانضمام إلى القوة المحلية. بعدها مباشرة امتطيت سيارة رفقة بعض الجنود واتجهت حيث يتم اللقاء مع مطلع الفجر كنت غير بعيد عن موقع اللقاء، ولاحظت وجود جماهير غفيرة في المكان، بعد مدة حامت طائرة هيلكوبتر فما إن حطت حتى كنت قرب مدرجها فقابلني عبد الله السلمي وبداري ومجموعة من جنوده عددهم يقارب المئة في هذه الأثناء نزل عبد الرحمان فارس ومجموعته من الطائرة بمن فيهم الجنرال روي Rouet ولم أكن أعلم بأية تفاصيل عن اتصالات سابقة من جماعة فارس وجماعة السلمي، فقد كان في ذهني أن هناك مسعى لتشكيل القوة الثالثة ودعمها بجماعة السلمي، وبالتالي رأيت من الواجب إفشال الاتفاق بأي ثمن.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)