الجزائر

الحلقة 13 : إعادة اكتشاف..



بالصورة القديمة.. التي تبدو معلقة في زمان غير زمانها.. وبملامح لا تدل على انتسابها إلى هذه المرحلة.. لاشيء يوحي أن الإسلاميين يعون – بما فيه الكفاية – ضرورات المرحلة.. أو أنهم يقدمون إجابات مناسبة لمطالبها ومقتضياتها.. أو يحجزون لأنفسهم مكانا يليق برسالتهم.. ويستجيب لحاجاتها.
إن الصورة النمطية للإسلاميين.. والمتخلفة عن مراحل سابقة.. لا تشكل تعبيرا صحيحا عن وضعهم الراهن.. لا في طريقة تفكيرهم.. ولا في تعاملهم البيني أو مع غيرهم.. ولا في فهمهم للدين وكيفية تنزيله على الأحداث.. ولا في مستوى استيعابهم للواقع ومتغيراته.
إن الجهل بالذات هو أخطر ما يمكن أن يصاب به فرد أو تنظيم أو جهاز.. هو لون من سوء الفهم الذي يستغرق الكيان من داخله.. فيمنعه من الانفتاح على هويته.. ويبقيه حبيس تصورات عقيمة وبالية.. هو حالة من الانغلاق الذي يعطل العقل.. ولا يسمح له بالإشعاع من الداخل.. ومن ثم الحركة نحو الخارج.
المطلوب من الإسلاميين حاليا.. هو أن يكفوا عن مراوحة مواقعهم القديمة.. وأن يتحرروا من اللباس القديم الذي بلي على أجسادهم.. وأن يتطوروا في نطاق مبادئهم الخاصة ورؤاهم ورسالتهم.. ويحرروا الطاقات الكامنة فيهم من أسر أفهام محدودة وقاصرة.. ويتسنى ذلك بأن يعيدوا اكتشاف الأبعاد الكبرى للمجال الحيوي الذي يتحركون في نطاقه.. هذا ما أريد توضيحه في هذه الحلقة.
***
- أن نعيد اكتشاف أنفسنا.. من نكون؟
يجب أن تعي الفصائل الإسلامية في عمومها.. أنها ليست وصية على أحد.. ولا تملك توكيلا مسبقا لوضع اليد على الشعب أو الدولة أو الدين.. فهي غير مخولة لممارسة الاستحواذ على ما يمثل قاسما مشتركا بين أبناء المجتمع الواحد والدولة الواحدة.
إنهم ليسوا استثناء من القاعدة.. ولا يتصرفون بوحي امتياز خاص.. ولا يملكون الحلول الخارقة لحالة التخلف التي تطبق بشرنقتها على المجتمع.. فترهقه وتستنزفه.. وجدارتهم إن وجدت.. ستتحقق على الأرض وليس بالكلام.. بالبرامج الحقيقية وليس بالشعارات الفارغة.
من نحن؟ هذا ما يجب أن يجيب عنه كل فرد ينشط تحت لواء تنظيم إسلامي.. وكل تنظيم يشكل فصيلا إسلاميا.. عليه أن يعرف نفسه بنفسه وبصورة صحيحة.. كي لا يتحول إلى حالة غير قابلة للتعريف.. أو معرفة بكيفية مشوهة.
نحن جزء من المجتمع ولسنا كل المجتمع.. ولنا الحق في التعبير عن أفكارنا والدعوة إليها بكل حرية.. وليس لأحد أن يحرمنا بدعوى الامتناع عن استغلال الدين من ممارسة أي نشاط سياسي أو دعوي أو ثقافي نراه مجديا.. مادمنا نفعل ذلك في إطار القانون.. وفوق الأرض وليس تحتها.
نحن لا ندّعي أية قداسة.. ولا عصمة لأحد فينا .. وغير مسموح لأي فصيل منا أن يحتكر الإسلام.. أو أي قيمة من قيم المجتمع.. ليحرم غيره منها.. فلكل جزائري الحق في أن يضع عنوانا لنشاطه يختاره بإرادته الخاصة.. وليس بما يملى عليه.
وكوننا نستلهم مشروعنا في التغيير أو الإصلاح والتطوير من المنهاج الإسلامي.. ونحث على الاحتكام لشريعته.. ونرى في ذلك طريق الخلاص من مشكلاتنا المزمنة وحالة التخلف التي تزري بنا.. فإن ذلك لا يعني أننا نحتكر هذه المرجعية لنخص بها أنفسنا دون غيرنا.. إنها متاحة لجميع المؤمنين.. وسيكون جديرا بها من يستخلص منها حلولا عملية.. وليس من يختزلها في لغة للخطابة وتسفيه الآخرين.
***
- أن نعيد اكتشاف جوهر رسالتنا..
فما نحمله للناس.. ليس دعوة لاعتناق الإسلام.. أو تجديدا للانتماء للدين.. على قاعدة أن أكثر الناس مرتدين لأنهم لا يرفعون شعاراتنا.. ومن ثم يجب جلبهم لحظيرة الإيمان.. أو منحرفين أخلاقيا وعقائديا وبالتالي يجب سوقهم للتطهر والتوبة..قد يصح ذلك مع آحاد الناس ولكن ليس مع المجتمع برمته.
إن المفاتيح التي نحملها بين أيدينا.. موجهة لإدارة مغاليق أبواب موصدة.. ذات صلة مباشرة بمصالح المجتمع وحاجاته.. وليست لاختبار نيات الناس أو التفتيش في قلوبهم.. فهذه لا يمكن اختبارها أوالنفاذ إليها.. وليست مهمتنا أصلا.
جوهر رسالتنا في الدعوة كما في السياسة.. وفي كل فضاءات الحياة دون استثناء.. أن نقول للناس إن ديننا ليس للتعبد فقط.. بل إطار لتنظيم أنفسنا.. وابتكار حلول لمشكلاتنا.. فلا داعي للبحث عن هذه الحلول في أماكن أخرى.. لأننا لن نجدها.. وسنتخبط كثيرا ولن نعثر عليها.. لأنها في الحقيقة موجودة فينا وبيننا.
إن جوهر رسالتنا قائم على عرض مشروعنا في الإصلاح والتغيير كما نتصوره ونريده ضمن إطار أخلاقي.. نتوفر على صورة نموذجية منه في أخلاق النبوة.. {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ – آل عمران159 }.
هي دعوة يمكن أن تكون انتخابية إذا ما تعلق الأمر بالنشاط السياسي والحزبي.. ويمكن أن تكون شيئا آخر.. وأساسها في النهاية.. أنها تقوم على قاعدة من البصر بالدين وليس بإرهاقه بمزيد من الغلو والتنطع.. {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ – يوسف108 }.
إن إعادة اكتشاف رسالتنا.. تعني إعادة النظر في الطريقة التي كنا نعرض بها هذه الرسالة.. كيف كنا نتناول أسئلة المجتمع الملحة؟.. وكيف كنا نقدم ماتزخر بهذه الرسالة من عطاءات وقيم ثمينة؟
إن رسالتنا سواء عرضت في صيغة برنامج انتخابي أو ضمن مشروع تغييري بعيد المدى.. تظل مجهولة لدى قطاع واسع من المجتمع.. أو محبوسة في أذهان محدودة.. أو حتى معروضة بكيفية تكتنفها الفوضى والسلبية.. فجوهر هذه الرسالة لا يتجلى إلا بتصحيح أفهامنا ومواقفنا منها.. والبداية تتسنى بإضاءة محتواها .. حتى يراها الناس على حقيقتها.. وليس بما التبس بها من أهواء.. أفضت إلى شك الكثيرين في جدواها.. وفي قدرتها على انتشالنا من وضعية التخلف والانحراف.. ومنح اليائسين أملا جديدا يتشبثون به.
إنها رسالتنا مستمرة.. وليست عنوانا عابرا.. ينطفئ إذا ما أعرض الناخبون عنه.. لأنها ليست منفصلة عنا.. حتى نبرحها بسهولة.. أو نسلم بعدم قدرتنا على التجاوب مع استحقاقاتها.
***
- أن نعيد قراءة واقعنا
إن إحدى أعقد المعضلات التي تواجه الإسلاميين.. تكمن في القراءة الخاطئة للواقع الذي ينتمون إليه.. فهم موجودون فيه ويخاطبونه.. ويستهدفون نظريا بالإصلاح والتغيير.. ويجعلونه عناوين مختلفة لأنشطتهم.. لكنهم وبنسبة ما منفصلون عنه.. هم يلمسون سطحه.. وقل أن ينفذوا إلى أعماقه ويبصروا نسيجه الداخلي.. تركيبه وألوانه.. تناقضاته واهتزازاته.. أحلامه ومطامحه.. وعيه وعزيمته.
إن الواقع الجزائري.. الذي نحن جزء منه.. ليس معقدا بالدرجة التي قد يعتقدها البعض.. بقدر ما يعاني من سوء فهم من يتعاطون معه.. وهو بحكم ما تعرض له من محن قاسية في التسعينات.. أضحى أكثر حساسية وتوترا.. وقد لا يستجيب بسرعة لقراءتنا.. وبالنظر إلى موقفه السلبي من الانتخابات.. يصعب تشخيص وجهته.. مع اقتناعنا أنه في ظل انتخابات حرة ونزيهة.. سيفصح مرة أخرى عن احتضانه للمشروع الإسلامي.. ولن يكون حالة شاذة في المحيط العربي.. الذي حمل الإسلاميين إلى الحكم.. بأمل أن ينجزوا ما عجز عنه غيرهم.. وينجحوا حيث فشلوا.
إن الاقتراب من الواقع أكثر فأكثر.. يتيح تحسسه عن قرب.. وسماع نبضه..وقراءته في أشد حالاته وضوحا .. وإذا كان صحيحا أن متاعب المجتمع كثيرة.. والسلطة الحاكمة لا تبدي أي استعداد حقيقي لتقبل التغيير.. غير أن الواقع الذي نعرفه أقل كلفة من واقع نجهله وننأى عنه.. فينأى عنا.. ليتشكل بيننا حاجز يصعب عبوره.
***
- أن نعيد اكتشاف العالم من حولنا
لاشيء يبدو غاية في التوتر كعالم القرن الحادي والعشرين.. الذي استصحب معه مشكلات قرن مضى.. رحلت إليه بكامل حمولتها من الصراعات والتشنجات.. فمن نهاية التاريخ التي تعني الجمود على منظومة القيم الغربية بوصفها أفضل ما بلغه الإنسان.. ولا يوجد وراءها شيء يمكن السعي إليه..إلى التبشير بصدام الحضارات والأديان.. إلى العولمة – بصيغتها الغربية التي تسعى لابتلاع ثلاثة أرباع الكوكب لفائدة الربع الرابع.. يبدو العالم مرتبكا ومتوجسا.
في عالم اليوم.. لا يوجد مكان معزول يمكن اللجوء إليه.. أو العيش فيه دون احتكاك مباشر..أو صدى يأتي من بعيد.
إن القرية العالمية حقيقة تكبر باستمرار.. وتفرض على الجميع تحديات لا سابق لها.. وفي سبيل أن تحتفظ الحركة الإسلامية بموقعها على الخارطة – حيث الجزائر ليست استثناء من هذا كله يجب أن يعي الإسلاميون دورهم وماذا بإمكانهم أن يفعلوا أو أن يقدموا؟ وما هو وزنهم الحقيقي عندما يتعلق الأمر بتقرير توجهات عالمية قد تفرض على الجميع؟ وما هو إسهامهم العالمي في بناء عالم قائم على التعارف وليس على الصدام؟
ليس شرطا أن تكون في تماس مباشر مع العالم الخارجي.. لتهتم بانشغالاته.. وتستكشف طريقته في التفكير وأسلوبه في العمل.. ومشاريعه ومخططاته.. ونظرته للحركات الإسلامية عامة والجزائرية خاصة.. وكيف يرى نمط العلاقات الدولية؟ ومفهومه للثقافة وحقوق الإنسان وموضوع الحريات؟ فمادمت تعيش على ظهر كوكب متقلص.. تنكفئ فيه الحدود الجغرافية.. ستكتشف أن نافذتك تطل على العالم كله.. وليس على فنائك الداخلي فقط.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)