أعطت مصادقة مجلس الوزراء على مخطط عمل حكومة عبد المجيد تبون، الضوء الأخضر لانطلاق المواجهة بين الحكومة والبرلمان الجديد، لكن في ظل معطيات سياسية ودستورية مغايرة للمواجهات السابقة بين الطرفين.التجارب السابقة، حملت تقاليد غير محبذة طبعتها اتهامات من قبل أطراف سياسية، بعدم التزام الحكومات المتعاقبة بواجباتها، التي دأبت على تقديم مخططات عمل وبيان سياسات عامة، غير أن "كشوف الحسابات" لم تتم في نهاية الأمر، ولعل في حكومات عبد المالك سلال المتعاقبة، أبرز مثال على ذلك. وفي ظل هذه المعطيات تستعد حكومة تبون لتقديم "أوراق اعتمادها" للنواب وسط جملة من التساؤلات المكررة.. أولها، هل ترسي الحكومة الجديدة تقاليد قوامها التقيد بنصوص الدستور، أم إنها ستستمر في انتهاج سياسات سابقتها؟ بمعنى، هل ستقدم الوعود اليوم وتلتزم بالخضوع للحساب غدا؟ وهل ستنجح في إبعاد الطابع البروتوكولي عن مثل هذه المواعيد؟ هذه الأسئلة وأخرى سيحاول "الملف السياسي" لهذا العدد الإجابة عنها. عشرون سنة من الاحتكاك الواجب المغيّب في علاقة الحكومة بالبرلمانيشكل عرض حكومة عبد المجيد تبون مخطط عملها أولى المواجهات بين الحكومة والبرلمان المنبثقين عن الانتخابات التشريعية الأخيرة، في ظل الآليات الجديدة التي جاء بها الدستور المعدل في 2016، والتي تضمنت فضاء أوسع للمعارضة على صعيد تعزيز رقابتها على عمل الجهاز التنفيذي.ويأمل ممثلو الشعب في أن يكرس الدستور الجديد تقاليد يحترمها الجميع، تكون بمثابة عربون ثقة بين الطرفين (الحكومة والبرلمان)، يُنسي التجارب السابقة، التي طبعها الهروب المتكرر للجهاز التنفيذي من الرقابة، قابلها استغاثات من دون جدوى من قبل نواب المعارضة.وتؤكد هذا لغة الأرقام، فمنذ انتخاب أول برلمان تعددي في العام 1997، لم تقدم سوى ثلاث حكومات بيان سياساتها العامة وكذا حصائلها، من مجموع 18 حكومة تعاقبت على قصر الدكتور سعدان، ولعل آخرها كانت حكومات الوزير الأول السابق، عبد المالك سلال، الذي قضى ما يناهز خمس سنوات من دون انقطاع، ومع ذلك ذهب ولم يقدم حصيلة هذه المدة التي شهدت وعودا كثيرة لم يتحقق منها إلا القليل.وقدم حرم هذا "الهروب" النواب من ممارسة حقهم الرقابي المكفول دستوريا، مثلما جنّب حكومة سلال كشف الحساب عن الوعود التي أطلقتها ولم توفّ بالكثير منها، الأمر الذي كرس مبدأ "اللا حساب" الذي يتنافى وما هو معمول به وموثق دستوريا، والأخطر من ذلك أن تتحول هذه الممارسة إلى تقليد. والغريب في الأمر هو أن غرفتي البرلمان في كل العهد التشريعية الأخيرة، لم تكن تركيبتهما مخيفة بالنسبة للسلطة، لأن الأحزاب الموالية لها (جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي وبقية الأحزاب الدائرة في فلكها)، كانت ولا تزال مسيطرة بالطول والعرض على الغرفتين عدديا، ما يجعل الحكومة في منأى من أي احتمال قد يضع مستقبلها أمام اختبار طرح الثقة منها.ويتضح من خلال هذه المقاربة أن عدم التزام الحكومات المتعاقبة بعرض حصائلها على نواب الشعب، لم يكن بداعي الخوف من إمكانية سحب الثقة منها، لأن الأغلبية النيابية إلى جانبها، بقدر ما يمكن ربطها باعتبارات أخرى، قد تكون لها علاقة بغياب ثقافة احترام القوانين وعدم التقيد الصارم بالدستور، التي كثيرا ما ندد بها السياسيون لكنها لم تجد التجاوب المطلوب من قبل الطرف الآخر.غير أن المنفذ الذي يمكن استغلاله من قبل المعارضة في مثل هذه الحالة في ظل عدم قدرتها على طح الثقة منها، هو إمكانية التشهير بها من خلال إبراز مواطن الفشل وعدم الالتزام بالوعود التي عادة ما تطلقها الحكومات عن عرض بيان سياساتها العامة. وما دام أن الحكومات المتعاقبة لا تعرض على النواب في واقع الأمر سوى برنامج الرئيس، فإن انتقاد أدائها عادة ما يكون انتقادا ضمنيا للرئيس، وهو الأمر الذي بات يزعج السلطة أكثر من أي وقت مضى، فهي قد اعتادت انتقاد الحكومات والوزراء وما دون ذلك، أما أن يتجاوز النقد هذا المستوى، فلم يعد مسموحا به. كل هذه المعطيات جعلت من مناسبات عرض مخططات عمل الحكومة أو عرض بيان سياساتها العامة، مجرد محطات بروتوكولية هدفها التخلص من عبء ثقيل على كاهل الحكومة بات يتكرر عند أي تغيير حكومي، تحشد له إمكانيات الحكومة وغرفتي البرلمان ومعهما الإعلام، ثم ينقضي العرس في هدوء تام، وكأن الأمر يتعلق بمناقشة مجرد مشروع قانون والمصادقة عليه، لأن حصيلة العشرين سنة من عمر البرلمان التعددي، لم تشهد ولو في مرة واحدة، حالة إزعاج واحدة للحكومة، ميزه توجه جاد نحو محاسبة حقيقية وفعالة، على حصيلة ما أنجز وما لم ينجز من الوعود.. نائب رئيس المجلس السابق لخضر بن خلاف "لا معنى للرقابة البرلمانية دون وجود تقييم لأداء الحكومة"يعتبر عرض الحكومة لمخطط عملها على البرلمان بغرفتيه، آلية من آليات الرقابة البرلمانية على أداء الجهاز التنفيذي.. هل هذه الآلية فعالة بالشكل المأمول؟لا يمكن أن نعتبرها آلية فعالة للرقابة إلا إذا توفر فيها شرطان أساسيان، فالأول يجب أن يكون برنامج الحكومة واضحا، يضم إجراءات ملموسة ومحددة كما وكيفا ومضبوطة بالوقت، غير أن الحكومات المتعاقبة تعودت أن تأتي ببرنامج ينسب إلى رئيس الجمهورية دون تحديد معالمه ويصعب مراقبة تنفيذه، أما الشرط الثاني، فيتعلق بتقديم بيان السياسة العامة، وحصيلة الحكومة كما ينص الدستور القديم وحتى الجديد، لكن الملاحظ أنه منذ العهدة التشريعية المنقضية من 2012 حتى اليوم، لم يقدم بيان السياسة العامة، وهو ما يجعل آليات الرقابة البرلمانية مجرد عمل بروتوكولي استعراضي.هناك من يقول إن ما اعتادت الحكومة على تقديمه من مخططات عمل لا يتيح للبرلمان محاسبتها.. ما تعليقكم؟لا يمكن محاسبة الحكومة لأن مخطط العمل الذي تقدمه غير واضح، يمتاز بأسلوب إنشائي فلسفي، ويحوي أمورا عامة فضفاضة خالية من أي إجراءات ملموسة لتمكين النواب من المراقبة، حيث يبقى المخطط الذي تأتي به الحكومة مجرد كلام ينطوي على إعلان النوايا حتى لا يحاسبوا فيما بعد، في وقت تحتاج البلاد إلى مخططات عمل فعلية لتجسيدها لمجابهة مختلف المشاكل التي تمر بها.حمل دستور فيفري 2016 تدابير جديدة لتمكين البرلمان من الرقابة على أداء الحكومة.. هل من شأن هذه التدابير أن تجعل من مناقشة مخطط عمل حكومة تبون أكثر جدية؟التدابير موجودة حتى في الدستور القديم، مشكلتنا ليست في النصوص ولكن في اللصوص الذين يتهربون من تطبيقها، فلا معنى للدستور الجديد دون تطبيق صحيح، فمثلا دستور فيفري 2016 أعطى امتيازات للمعارضة لتكون ممثلة في المجالس النيابية لكن فوجئنا بالإقصاء رغم وجود القوانين، ولن تختلف مناقشة حكومة تبون الجديدة عن سابقتها.ما جدوى تقديم مخطط عمل الحكومة إذا كانت هذه الأخيرة لا تقدم الحصيلة، التي تعتبر بمثابة كشف حساب ما أنجز وما لم ينجز؟يبقى المخطط مبتورا ولا معنى له عندما لا تقدم الحصيلة، وفي ظل انعدام ثقافة التقييم فهو مجرد حبر على ورق، فمنذ انتخاب أول برلمان تعددي في 1997 إلى يومنا هذا، تعاقبت على الجزائر 18 حكومة، ثلاث منها قدمت بيان سياستها العامة وحصيلتها، وإلى حد اليوم لم نشهد وزراء تمت محاسبتهم سواء ممن دارت حولهم شبهات فساد أم غيرهم، بل هناك من تمت ترقيتهم، فكل حكومة تضع عدادها في الصفر لتطبيق برنامج الرئيس الذي لم نطلع عليه ولا نعرف محتواه.كيف السبيل الأمثل لتمكين الهيئة التشريعية من أداء دورها الرقابي كما يجب؟كي تقوم الهيئة التشريعية بدورها الرقابي يجب أن تكون منبثقة عن الإرادة الشعبية وكذا الانتخابات الحرة النزيهة، لكن بما أن تشكيلة البرلمان الحالي انبثقت عن انتخابات 4 ماي 2017 فهي مجرد "خضرة فوق طعام"، واجهة للبرلمان لا تمثل الشعب.. فالنواب أصبحوا موظفين يتقاضون راتبا، ولا يمكنهم في هذه الحالة أن يقوموا بأي رقابة، فالنواب اليوم تحولوا من نواب الشعب إلى نواب الحكومة فهم من يتفننون في فرض الرسوم والضرائب على الشعب.يقال إن ما تقدمه الحكومة هو برنامج الرئيس.. فلماذا يتغير هذا المخطط مع تغير رؤساء الحكومات؟ برنامج الرئيس لم نطلع عليه أصلا، فكل عمل تقوم به الحكومة تنسبه إلى هذا البرنامج المطاطي، لكن ما نلاحظه هو التناقض الكبير في التعامل مع البرنامج فكل عمل جيد ينسب إليه وكل إخفاق ليس منه، فيما نجد المخطط يتغير بتغير الحكومات، وهذا لأن البرنامج في حد ذاته غير واضح. الناطق الرسمي للتجمع الوطني الديمقراطي صديق شهابالكرة في مرمى النواب.. وعلى الحكومة الالتزام بالدستوريقول البعض إن عرض الحكومة لمخطط عملها على البرلمان بغرفتيه بالشكل المعمول به، لا يشكل أداة فعالة للرقابة على أداء الحكومة... ما تعليقكم؟أعتقد أن الأمر هنا ينقسم إلى قسمين اثنين، لأنه يجب التفريق بين الرقابة على عمل الحكومة من طرف البرلمان، ومناقشة البرلمان لمخطط عمل هذه الحكومة.فعرض ومناقشة مخطط عمل الحكومة هو عرف وتقليد معمول به دستوريا وهو ما يعني أن الحكومة ملزمة بالقيام بهذه الخطوة، ضمن نقاش مع نواب البرلمان، وتقوم الحكومة بأخذ الملاحظات التي يقدمها ممثلو الشعب وتدرجها ضمن مخطط عملها إذا كانت هذه الملاحظات تصب في الموضوع.أما الرقابة فهي بمثابة دور أساسي للعمل البرلماني إضافة إلى العمل التشريعي، والرقابة هي واجب دستوري والمراقبة تكون دوما عن طريق المساءلة والمعاينات ولجان التحقيق البرلمانية، وغيرها من الآليات الأخرى مثل الأسئلة الشفوية والكتابية.إذن، من جهة فالرقابة البرلمانية مضمونة ومكفولة بحكم نصوص الدستور، ومن جهة أخرى فالحكومة مجبرة دستوريا على تقديم مخطط عملها للمناقشة، ولذلك فالمراقبة وخطة عمل الحكومة أمران منفصلان وهما موجبان بحق الدستور. حمل دستور فيفري 2016 تدابير جديدة لتمكين البرلمان من الرقابة على أداء الحكومة.. هل من شأن هذه التدابير أن تجعل من مناقشة مخطط عمل حكومة تبون أكثر جدية من ذي قبل؟أقول إن البرلمان الجديد يجب عليه أن يرتقي بأدائه إلى مستوى الدستور الجديد المعدل في فيفري 2016، الذي تضمن تدابير وآليات جديدة كما هو معلوم. وبما أن الدستور الجديد قد أعطى للبرلمان صلاحيات ومسؤوليات جديدة وهذه المسؤوليات الجديدة تولدت عنها طموحات جديدة كذلك، وهو ما يقتضي أيضا من البرلمان أن يرتقي بالطموحات الجديدة إلى المستوى المطلوب من الشعب ومن الناخبين على وجه التحديد.ما جدوى تقديم مخطط عمل الحكومة إذا كانت هذه الأخيرة لا تقدم الحصيلة، التي تعتبر بمثابة كشف حساب ما أنجز وما لم ينجز من مشاريع؟إن هذا الأمر هو بمثابة اختلال في العمل لأن الحكومة مطالبة ومجبرة وواجب عليها أن تقدم حصيلة عملها، تماشيا مع نصوص الدستور. وإذا لم تقدم الحكومة حصيلة نشاطها وعملها فيمكن تصنيف هذا الأمر على أنه اختلال ونقص في أداء الواجب.وأعتقد أنه آن الأوان على كل الهيئات أو المؤسسات، سواء التشريعية أم التنفيذية لأن تقوم بواجبها وتتحمل مسؤولياتها كاملة على هذا الصعيد وفق ما ينص عليه الدستور.كيف السبيل الأمثل لتمكين الهيئة التشريعية من أداء دورها الرقابي كما يجب؟إن الكرة الآن في مرمى البرلمان والنواب، وعليهم أن يكونوا في مستوى ما أتى به الدستور الجديد المعدل في فيفري 2016 من صلاحيات على صعيد الرقابة والمساءلة وغيرها، فالبرلمان صار مصدرا للسلطة وعلى النواب أن يعوا هذه المعادلة.وهنا أقول إن الحكومة إذا لم تستجب لطلب نواب الشعب لممارسة حقهم في الرقابة على عملها، فهذا يعد خرقا للدستور وكل من يسهم في الإخلال بهذا المبدإ، يكون قد تورط في خرق الدستور، لأننا بصدد بناء دولة قانون ودولة مؤسسات، وهذا يستوجب احترام القوانين بحذافيرها وكل ما تقتضيه من صرامة، والحكومة هي المعني الأول بذلك، بل هي الأولى التي يجب أن تبدأ بتطبيق واحترام ما ينص عليه الدستور.يقال إن ما تقدمه الحكومة هو برنامج الرئيس.. فلماذا يتغير هذا المخطط مع تغير رؤساء الحكومات؟ مخطط عمل الحكومة لا يتغير في محتواه ومضمونه لأنه متعلق ببرنامج رئيس الجمهورية، والتغيير يكون في الطريقة والمقاربات في تنفيذه وفي تحديد الأولويات وطريقة الأداء.وأعتقد أن رئيس الجمهورية وحرصا منه على إعطاء دفع للعمل الحكومي، يعمد من حين إلى آخر إلى ضخ دماء جديدة في الحكومة لتمكينها من تنفيذ برنامجه، لكن بأسلوب جديد وطريقة مغايرة، لكن بالمحتوى ذاته وهو برنامج رئيس الجمهورية المنتخب بطريقة شرعية ومحتوى برنامجه صادق عليه الشعب بطريقة شرعية أيضا.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 15/06/2017
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : محمد مسلم إلهام بوثلجي حسان حويشة
المصدر : www.horizons-dz.com