الجزائر

الحقيقة لا يغطيها الغربال..



إن كان مثل هذه السرقة مصدر الشهرة فمن الشرف أن تبقى نكرة.الحقيقة لا يغطيها الغربال..
مساهمة: الشيخ أبو إسماعيل خليفة
إن سرقة المجهود الشخصي لا يدخل فقط في الأعمال العلمية أو الأدبية فقط أو في المشاريع والأفكار المتعلقة بالعمل بل يدخل حتى في عمق التفاصيل الصغيرة في الحياة والتي من خلالها نكتشف في بعض المواقف أنه سرقة الحقّ في نسبة الأعمال الجيدة لأصحابها..
وإن أحد مساوئ العصر الإلكتروني هو أننا نواجه على جميع الجبهات وجهات نظر شخصية متنكرة في شكل حقائق كتلك السلوكيات التي تنبع ليس من انعدام الضمير فقط لدى البعض بل غياب الوازع الديني في محاولة لاحتلال المشهد في وسائل التواصل الاجتماعي كوسيلة لاكتساب الشهرة في الواقع.
أقصد ظاهرة السرقات المستحدثة الخطيرة التي تنقلها إلينا وسائل التواصل الاجتماعي من حين لآخر في شكل فديوهات وصور لفعاليات حفلات كبيرة أقيمت هنا أو هناك لمجموعة من حفظة القرآن الكريم ولكن بصيغة أداء تُوهم لخلقِ انطباعات واستنتاجات مضللة كأنهم-كلهم -حفظوا القرآن في ذات المدرسية القرآنية وكأن القائمين على هذا الحفل هم أصحاب هذا الجههد ولكن القلة القليلة يعرفون أن الإشادة يستحقها أشخاص آخرون.
هم بذا الحفل إنما يزعمون قطف ثمار سعيهم وكبير جهدهم.. وقد يبدو للبعض هذا غريبا ولكنه في الواقع حقيقة لا يمكن نكرانها واسألوا عنها معلمي المدارس القرآنية المجدّة وشيوخها في طول البلاد وعرضها.. والحقيقة لا يغطيها الغربال كما يقولون في الأمثال..
صحَّ عن الإمام الشافعي رحمه الله قوله: وددتُ أن الخلْق تعلموا منِّي هذا العلم على أن لا ينسب إليّ حرف منه انظروا رحمكم الله إلى حرصه على تعليم الناس دون أن ينسب الفضل له فما نقول في هؤلاء الذين لم يعلّموا ونسبوا مباشرة تعليم هؤلاء إلى أنفسهم ابتغاء الذِّكر والشهرة والتكثر بما ليس من فعلهم.. ولا أعجب ممّن يستحل خطف مجهود غيره وينسبه لنفسه ثم يستقبل راضيا كل مدح وكل مباركة أو يحصل على ثناء وتشجيع وتقريب من ذوي الرتب والجاه..
إن وراء سرقة جهود الآخرين عوامل نفسية وأخلاقية وتربوية عوامل منفردة أو مجتمعة تعزل العقل عن إدراك فداحة هذا التصرف وتغيّب الوعي عن فهم نتائجه بما فيها نتائج هضم حقوق الآخرين وتسويغ الخطيئة للنفس الأمارة بالسوء وما أبشعه من سوء أن تدعي ما ليس لك فيه حق ليصبح من نصيبك ظلما وعدوانا.. أدام الله من أجهد نفسه ليحصل على النجاح ولا أدام الله من يحاول سرقة نجاح إخوانه..
وإن كان مثل هؤلاء يذكرونني بذلك الإعرابي الذي شهد سباقًا للخيول فسبق فرسٌ فطفق يُكبِّر ويثب من الفرح.
فقال له مَن بجانبه: أهذا الفرس فرسك؟.
قال الأعرابي: لا ولكن اللجام ليّ!.
. فهذا الأعرابي حقّ له أن يفرح لأن اللجام له أما هؤلاء فلا شيء لهم سوى هذا الحفل الذي يسرقون به جهد غيرهم ابتغاء الشهرة والمدح قال الله تعالى في طائفة ملومة مذمومة: وَّيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا وقال رسول الله صلى الله عليه وعلىٰ أبويه إبراهيم وإسماعيل: المتشبّع بما لم يُعْطَ كلابس ثوبي زور . رواه البخاري قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : وأما حكم التثنية في قوله (ثَوْبَيْ زُور): فللإشارة إلى أن كذب المتحلِّي مثنَّى لأنه كذب على نفسه بما لم يأخذ وعلى غيره بما لم يُعطِ .
وبعد فإذا كان النقّاد يتحدثون عن السرقات الأدبية والفكرية وعلماء مصطلح الحديث يتحدّثون عن التدليس بنوعيه: تدليس الإسناد وتدليس الشيوخ فمن يتحدث عن فعل مثل هذا؟.
ولعلّ فوج العمل المكلف من طرف مجلس الوزراء الموقر بإعداد مشروع قانون إطار حول التزوير واستعمال المزور يأخذ هذا بعين الإعتبار حتى لا تتحول هذه الظاهرة إلى سلوك مجتمعي خطير على حساب المجدّين..
وأخيرا كان مثل هذه السرقة مصدر الشهرة فمن الشرف أن تبقى نكرة.. ولا حول ولا قوة إلا بالله .
نسأل الله أن يفتح على إخواننا- هؤلاء ما ببركاته يستغنون عن فعل مثل هذا ويزيِّنّنا وإياهم بأبهىٰ الشمائل وأحسن الأخلاق سبحانه أستغفره وأتوب إليه. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.. والسلام عليكم ورحمة الله.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)