الجزائر

"الحسيفة" تتحوّل إلى قانون في الأحياء الشعبية


إما أن لا تعاشر أهل الحي الذي تسكنه، وإلاّ فتوقع كل شيء، وأنتظر كلّ المشاكل، حتى ولو كنت شخصا محترما، كيف لا وأبناء الحي الواحد يتعاملون بينهم ب"الحسايف" هذا قتل أخوه، فلا بد أن ينتقم، وإلاّ فهو ليس رجل! وآخر اعتدي على أخته أو على زوجته، فإمّا أن يقتل غريمه، وإلاّ سيسمى "حلاوة" وهكذا.مصطفى مهدي
من هذا الذي يسكن في حي شعبي، ولا يتعرض إلى المشاكل، ولا يدخل فيها؟ حتى لو كان شخصا حكيما، ولو كان محترما من طرف سكان الحي جميعا، هذا لا يجعله في منأى من الصراعات التي تنشب في الحي، بل يضعه ذلك في قلب العاصمة، فيصبح مجبرا على أن يصاحب هذا، ويقف معه، أو يعادي الآخر، ولعل الفكرة التي تعزز مثل تلك الصراعات هو المبدأ الجاهلي القائل بأن الواحد لا بدّ أن ينتقم لنفسه، أو ما يسمى ب"الحسيفة" أو الدين الذي لا بد أن يسدده، وأن ينتقم من غريمه الذي مسّ بأمنه أو بشرفه، وهو ما يجعل أيّ شخص مضطرا لأن يخوض في تلك المشاكل التي لا تنتهي.
حي المدنية، أو "صالومبي" سابقا، حي شعبي، لا يختلف عن باقي الأحياء الشعبية التي لا تزال تعمل بمبدأ البقاء للأقوى، أو بعبارة أخرى قانون الغاب، وهو الأمر الذي لا يزال يؤدي إلى كوارث، وينكب عائلات كثيرة، وأشخاصا ظلوا لوقت طويل يمشون في الظل، ولكنهم وجدوا أنفسهم بين ليلة وضحاها، إما في المستشفى أو في السجن، وهو ما وقع لنذير، والذي يسكن في الحيّ المذكور، وهو رجل أتمّ دراسته، ويعمل، ولم يسبق له وأن تشاجر مع أبناء الحي، حدث يوما أن تعرض له واحد منهم، وكان سكرانا، فحمل السكين وطعنه، دخل نذير المستشفى، ولكن لم ينته الأمر عند هذا الحد، فعند خروجه، وبعد شفائه، أبناء الحي يسولون له أن ينتقم من غريمه، وأنه إن لم يفعل فهو ليس رجلا، وأن دمه قد نزف في الحي، ولابدّ لذلك أن ينتقم، ويأخذ بثأره، خاصة وأن غريمه لا يزال طليقا، ولم يتركوه إلاّ بعد أن فعل، أي انه حمل السكين للمرّة الأولى في حياته ضد ذلك الغريم، وطعنه، ولكن الطعنة كانت شبه قاتلة، فهو الذي ليست له خبرة ب"الدقات" لم يعلم أن الطعن لابد أن يكون في الرِّجل، أو الفخذ، وليس في البطن!
لم يمت غريم نذير، ولكن كثيرين ماتوا بسبب حماقات، مثل ما وقع في حي زرالدة مؤخرا، حيث تشاجر شابان، فطعن أحدهما الآخر، وفي مثل هذه الحالات لا يبلغ الضحية عن المجرم، بل يكتفي بالقول أنه لا يعرفه، وذلك لكي ينتقم منه بنفسه، وفعلا، بعد خروجه من المستشفى اتجه إليه مباشرة ليطعنه، لكن الآخر فكر في أنه يدبر له مثل تلك النهاية، وكان مسلحا فسبقه وطعنه طعنة قاتلة، ومن السفهاء من يتعمد استفزاز الآخرين، كأن يعتدي أحدهم على أخت صديقه، او ابن حيه، نكاية فيه، أو غيرة منه، أو لأي سبب من الأسباب، فيرى الآخر في ذلك إهانة، مثلما وقع مع سليمان، بحي سيدي يوسف، والذي سمع بأن جاره قد اعتدى على أخته، هذه الأخيرة لم تخبره بنفسها لأنها خشيت من العواقب، ولكن أبناء حي آخرين راحوا ينفخون في الرماد لكي يحرقوا الحي ومن فيه، وكانت النتيجة أن استعان سليمان بأبناء الحي المجاور والذين تربطهم به علاقات طيبة لكي يهجم على أبناء حيه، فسقط جرحى كثيرون بسبب سفيهٍ لا قيمة له.
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)