كان من المثير أن يبدو جون كيري في محاولاته لوقف العدوان المدمر على غزة وترتيب اتفاق لوقف النار بين إسرائيل و”حماس”، كمن يقف على أعتاب الأتراك والقطريين، عندما كرر دعوته إلى المسؤولين في أنقرة والدوحة مرارا للتدخل لدى ”حماس” لإقناعها بقبول ”المبادرة المصرية”.وإذا كان هذا الموقف يمثل مؤشرا صارخا على تقاعس الإدارة الأميركية عن ممارسة الضغوط اللازمة لوقف الجريمة المتمادية وعملية ”الجرف الصامد”، التي تجاوزت مذابح العمليات العدوانية السابقة مثل ”الرصاص المصبوب” و”عمود السحاب”، فقد جاءت تصريحات الرئيس باراك أوباما وجون كيري بعد ثلاثة أسابيع على المذبحة، لتؤكد أن واشنطن تتبنى كليا الموقف الإسرائيلي الذي أعلنه نتنياهو أي أن العملية لن تتوقف قبل نزع سلاح ”حماس”.عمليا بدا وقوف جون كيري على أعتاب تركيا وقطر مؤشرا على أن المسؤولين في كل من الدوحة وأنقرة، مارسوا ضغوطا قوية على ”حماس” في موضوع ”المبادرة المصرية”، ليس من منطلق الحرص على المصلحة الفلسطينية بل من منطلق حرصهما على الحيلولة دون قيام مصر بدور فاعل وأساسي، يوقف النار ويجعل من القاهرة مضيفا يرعى محادثات لاحقة بين إسرائيل و”حماس”، بما يعيد إلى مصر دورها المحوري الإقليمي، ومن الواضح أن هذا يثير الغيظ في الدوحة وأنقرة بعد انهيار حكم ”الإخوان المسلمين” ومحاكمة رموز هذا النظام.تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون أكدت هذا عندما قال إن ”أسبابا سياسية خارجية حالت وتحول دون الاتفاق على وقف للنار ينهي المأساة المتمادية في غزة”، وهكذا يبدو العدوان المتوحش على غزة بلا أي أفق سياسي حتى الآن، إذ ليس في وسع إسرائيل أن تنزع سلاح ”حماس” و”الجهاد” لأن مخازن الصواريخ الإيرانية مفتوحة لهما، وليس في وسع ”حماس” وغيرها الحصول ولو على جزء من قائمة المطالب القصوى التي اشترطها خالد مشعل من الدوحة.”الأسباب السياسية” التي أشار إليها بان كي مون، والتي حالت دون التوصل إلى اتفاق مبكر لوقف النار، أعطت حكومة القتلة في تل أبيب الذرائع والحجج للمضي في تدمير غزة على رؤوس أهلها، ولا داعي للتذكير بأعداد الذين استشهدوا وجرحوا ودمرت منازلهم.وإذا كان المسؤولون في طهران قد فاخروا بأنهم علموا ”حماس” التقنيات الصاروخية التي جعلتها توصل صواريخها إلى سماء تل أبيب وعسقلان وإلى ديمونة والعمق الإسرائيلي، فإن ذلك يعني أن هناك أسبابا سياسية إيرانية أيضا تضاف إلى الأسباب السياسية التركية والقطرية، ستكفل بالتالي أن يكون هناك جولة جديدة من العدوان المدمر ومن الصواريخ التي تطلقها ”حماس” على إسرائيل.الأسباب السياسية عينها التي تلعب أو تتلاعب ببورصة المأساة الفلسطينية، هي التي جعلت هذه العواصم أصلا ومنذ زمن بعيد تشجع على الانقسام الفلسطيني، وهي أيضا التي تقف وراء الاتهامات التي سيقت إلى الرئيس محمود عباس، عندما دعا في اليوم الثاني من بدء العدوان على غزة إلى حماية دولية للفلسطينيين، فقيل إنه يتفرج على العدوان بدلا من إعلان انتفاضة جديدة في الضفة الغربية.لكن الأسباب عينها هي التي ستحمل أبو مازن إلى القيام بجولة إلى القاهرة للتأكيد على المبادرة المصرية ومحاولة تعديلها لجهة الإجراءات والشروط المتعلقة بمعبر رفح، ثم إلى تركيا التي يطيب لرئيس وزرائها رجب طيب إردوغان مواصلة اتهام مصر أكثر مما يطيب له وقف المجزرة الإسرائيلية، رغم أن الطيارين الإسرائيليين الذين يقصفون غزة تمرنوا في الفضاء التركي، لأن تركيا ترتبط مع إسرائيل باتفاق استراتيجي يستمر رغم عراضات إردوغان الفلسطينية!كان من المثير أن تنقل ”واشنطن بوست” بعد أسبوع من بدء العملية عن لسان أحد الفلسطينيين، وصفا لمسلسل الاعتداءات التي تتعرض لها غزة حيت قال ”إنها عملية قص العشب”، يعنى أن العدو يقوم بتقليم أظافر ”حماس” كل سنتين تقريبا، وكان من المثير أيضا أن تتمكن صواريخ ”حماس” من كسر الفضاء الإسرائيلي للمرة الأولى حيث أوقفت 60 شركة طيران رحلاتها إلى تل أبيب وهذه هزيمة معنوية محققة لحقت بإسرائيل وسيكون لها انعكاسات سلبية عميقة في سيكولوجيات القوة عند العدو.العدوان ألحق بالقطاع خسائر زلزالية، وربما هذا ما يدفع أوباما وجون كيري الآن إلى الدعوة لنزع سلاح ”حماس”، ولكن الفلسطينيين في القطاع المنكوب لا يملكون ما يخسرونه بعد، ولهذا لسنا أمام عملية لقص العشب الفلسطيني هذه المرة بل أمام حراثة أرض غزة بالقنابل وريها بالدم البريء، الذي يجد من يستثمره في الحسابات السياسية!
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 02/08/2014
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : راجح الخوري
المصدر : www.al-fadjr.com