الجزائر

الحركة الإسلامية في الجزائر في مفترق الطّرق


الحركة الإسلامية في الجزائر في مفترق الطّرق
إنّ إصرار الحركة الإسلامية في الجزائر على نفس النّشاطات التي تقوم بها، وعلى نفس الخطط المُنتهجة، وعلى نفس الخطاب المعتمد، وعلى نفس السياسات التربوية والدعوية والتنظيمية والسياسية المتبعة، هو في الحقيقة مظهر من مظاهر العجز الذي تراوح فيه منذ مدّة، ومن نافلة القول أنّه مظهر أو نتيجة لضعف القيادات أو المسيّرين -كما أحبذ أن أطلق عليهم، بحكم أنّ وصف التّسيير أصدق عليهم من وصف القيادة، فما هم إلّا مسيّرون احتلّوا مناصب القيادة، نتيجة التّفريغ المستمر وربما الممنهج للكفاءات من داخل هذه التّنظيمات- هؤلاء المسيّرون الذين عجزوا عن تقديم الإضافة المطلوبة، وعجزوا عن التّقدّم بالحركة الإسلامية خطوة أو خطوات إلى الأمام فعليّا، بل هي في تراجع مستمرّ، وإن تكرر منهم ادّعاء التّقدّم والتّطور الموهوم الذي لا وجود له إلّا في تصريحاتهم!!. على كلّ فاقد الشيء لا يعطيه. فلا ننتظر من هؤلاء المسيّرين شيئًا في القريب العاجل، ولكن ما يجب قوله: إنّ الحركة الإسلامية تفتقد للقيادة الحقيقية التي يمكنها أن تحدث الفارق وتقدّم الإضافة، لا أتكلّم عن الكاريزما والشّعبية والزّعامة، وإنّما أتكلم على القيادة التي تقدّم أفكارا جديدة، التي تتمتع بالقدرة على تجميع الناس واستيعاب التناقضات، التي يمكنها تحريك النّاس وتحفيزهم، التي تقدر على نسج العلاقات مع الجميع حتى مع أعتى المخالفين، التي تستغل المجال المتاح لكسب فضاءات أخرى ... أمّا هذه القيادات التي تردّ فشلها دائما للنظام الذي يغلق اللّعبة ولا يفتحها، وللشّعب الذي لا يفهم طرحها ولا يستوعبه، وللظّروف التي تعاكسهمدائما، هذه القيادات في الحقيقة تغالط نفسها وتغالط قواعدها، وتستعمل المجاز بدل الحقيقة، وكان الأولى بهم أن يعلنوها صراحة: إنّنا فشلنا ... ولتكن هذه المصارحة الخطوة الأولى في الاتجاه الصحيح. لست متهجّما هنا على هؤلاء المسيّرين بل أحملهم المسؤولية فقط؛ فبيدهم الحلّ والربط، ولا ننتظر تغييرا في الاستراتيجية والخطط والسياسات من القواعد، الذين قد يسوّغون سلبيتهم بشعار قادتهم: القيادة غالقة اللّعبة!. كما النّظام غالق اللعبة!.حقيقة أشعر بأنّ كلّ شيء من حولنا تغيّر، بل هو يتغيّر فعلا، إلّا خطاب الإسلاميين فهو جامد مستقرّ، وربما يرى البعض هذا من فضيلة الثّبات والصّمود وليس من رذيلة الجمود والتّحجّر!، مع أنّك حين تستمع لمثل الأستاذ جاب الله وهو يقدّم نفسه رائدا ومؤسسا للحركة الإسلامية في الجزائر تتبيّن جيدا لماذا الحركة الإسلامية في تراجع مستمرّ؛ لأنّه إذا كان هذا هو خطاب رائدها الأوحد، وهذا تصوّره للواقع وللإصلاح وللتّغيير وللدولة الإسلامية فاقرأ على الحركة الإسلامية السّلام!. إلّا أنّ الأستاذ جاب الله ليس هو المشكل، فما هو إلّا مسيّر من المسيّرين الذين تجاوزهم الزمن، المشكل الحقيقيّ فحواه هذا التّساؤل: هل للحركة الإسلامية في الجزائر خطاب أصلا؟، هل تنتج خطابا واضح المعالم بيّن القسمات، جليّ المعاني،متين الأسس؟. للأسف لا أعلم شيئا عن هذا الخطاب ولست أسمعه، مع أنّي أحد أفراد هذه الحركة، فكيف بمن هم بعيدون عنها؟. طبعًا لست أقصد بالخطاب الثّرثرة أو التّصريحات أو الخرجات الإعلامية .... إنّما أقصد مجموع ما تنتجه الحركة من أدبيات مكتوبة ومنطوقة للتّعبير عن مشروعها ودعوة الجماهير إلى الاقتناع به والتّفاعل معه، هذا التّفاعل الذي يتحوّل إلى قناعة ثمّ انخراط أو مناصرة إن توفّر في الخطاب الوضوح الذي يفصح عن مقاصد المشروع وأهدافه من جهة، ويجد فيه المستهدفون حلولا لمشاكلهم وإجابات عن تساؤلاتهم، وتكفّل باهتماماتهم من جهة أخرى. هذا العنصران الغائبان للأسف عن خطاب الحركة الإسلامية الجزائرية غيابًا شبه تام في خطابها. هذا الأخير الذي لا يخرج عن كونه خطابا تعليميّا يعامل الشّعب كأطفال على مقاعد الدّراسة يلقنّهم معلومة تلو الأخرى، إلّا ليكون خطابا انفعاليّا قد يصل للاشتباك العنيف مع المخالف، أو ليكون خطابا وعظيّا في غير ميدانه، أو وصفيّا لحال يعلمها الجميع، أو قضائيا يصنّف الناس إلى تصنيفات متنوعة أو غير ذلك. والواقع أنّ انعدام الخطاب المتين أو هزاله بالنسبة للحركة الإسلامية مردّه زيادة على ضعف مُسيريها إلى عدم وجود مشروع لها، أعني مشروعا واضحا محددا مفصلا، (يبلوّر) ويصوّر الدولة الحديثة التي يعمل لها الإسلاميون في أبعادها الحضارية والفكرية والثقافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية وحتى الرياضية والفنية. ويقدّم من خلال ذلك الحلول والمقترحات لما تواجهه الجزائر من أزمات وتحديات، ويظهر -بطبيعة الحال- تميّز المشروع الإسلامي عن غيره من المشاريع التي تتنافس على الساحة الجزائرية. ذلك أنّ العنوان الكبير: المشروع الإسلاميّ، لم يعد كافيّا من غير العناصر التّفصيلية الجزئية.لا يعني هذا أنّ الحركة الإسلامية لا تقوم بشيء، بل المشكل أنّها تقوم بأشياء كثيرة وتبذل جهودا كبيرة، لو قورنت بما تقوم به بعض الأحزاب والاتجاهات الأخرى؛ لظهر الفارق الشاسع بين الجهدين، ولكن إذا ما قورنت نتائج ذا وذا؛ تبيّن لكلّ عاقل أنّ ثمة خللا كبيرا عند الإسلاميين، جعل كثيرا من جهودهم يضيع سدى، ولا تقابله نتائج تتلاءم مع حجمه. والسّبب الرئيس هو انعدام المشروع التفصيليّ الذي يضع كلّ جهد في مكانه، ويحدد لكلّ جهد مقصده وهدفه، والذي يسمح بتقييم الجهود ومراجعتها وتقويمها وتصحيحها.إنّ الحركة الإسلامية في الجزائر على تعدّد تنظيماتها أو تشظّيها غرقت إلى الأذقان في تسيير الشّؤون اليومية الحزبية، وتسيير الشأن الدّاخليّ التّنظيمي، وتسيير الأزمات الصّغيرة المتوالدة والمتوالية مما جعلها تبتعد عن الاهتمام بالشّأن العام، وتختار هامش الأحداث تتموقع فيه، وتعلّق منه على الأحداث، مكتفية في أحسن الأحوال على وقفات رمزية ونشاطات استعراضية، الهدف الرئيس منها هو تذكير النّاس بأنّها ما تزال موجودة، وما زال فيها عرق ينبض، أمّا أن تسعى إلى التغيير والإصلاح -وهي ما وجدت إلّا من أجل تحقيق ذلك أو تساهم في تحقيقه-فهذا سقف عالٍ تتطامن دونه رقاب مُسيريها الحالين، بل هي أحلام لا تعبير لها عندهم!. وكلّ ذلك بسبب انعدام المشروع التفصيلي الواضح المعالم والخطوات والمراحل، والذي يفصل في القضايا الجوهرية المطروحة أمام الحركة الإسلامية في الجزائر، كما يقدّم إجابات واضحة لما تجابه به من تساؤلات واستفسارات. وفقدان هذا المشروع وهذا الوضوح جعل حتى مسؤولي ومسيري الحركات الإسلامية غير مقنعين في خطابهم، ولم يعد الناس يفهمون منهم: ما الذي يريدون إصلاحه وتغييره؟، وبماذا يحققون هذا الإصلاح والتّغيير؟، وكيف يصلون إلى هذا الإصلاح والتغيير؟، وهل يملكون الرّؤية الواضحة والخطة الجيدة لتحقيق ذلك؟، وهل هم مؤهلّون لذلك؟، وهل يملكون من الرّجال والنّساء الذين يطبقون ذلك؟، وما هي مقترحاتهم المتميّزة والمبدعة التي تميزهم عن غيرهم؟، إلى غير ذلك من التّساؤلات المشروعة، والتي يزيد من صعوبة الإجابة عليها، رصيد الحركة الإسلامية في الجزائر الزّهيد والضئيل من النماذج الناجحة في التسيير، والقامات الكبيرة في الفكر والتنظير!.... يتبع يوسف نواسة
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)