الجزائر

الحراڤة وتضخيم أرقام الضحايا؟!



الحراڤة وتضخيم أرقام الضحايا؟!
منذ يومين نقلت وسائل الإعلام الدولية خبرا عن غرق أزيد من 700 حراڤ قبالة السواحل الليبية، كانوا متجهين إلى إيطاليا، قبل أن تنقلب بهم المركبة التي لم تكن تتسع لكل هذا الكم. وقبلها في نهاية الأسبوع الماضي، تحدثت عن غرق 400 حراڤ أيضا قرب السواحل الإيطالية. أما أمس، فقد نقلت وكالة الأنباء الفرنسية حديثا عن غرق 300 حراڤ آخرين، دائما في عرض المتوسط الذي صار مقبرة للحالمين الفارين من مجاعات إفريقيا وحروبها.شخصيا صرت أشك في هذه الأرقام. صحيح أنه موسم ذوبان الثلوج وارتفاع درجات الحرارة، مما يشجع على ركوب البحر، لكن تضخيم الأرقام أيضا صار سلاحا، تستعمله بلدان الضفة الأخرى من المتوسط لتخويف المرشحين للهجرة، بنشر أخبار المخاطر وأعداد الهالكين في قوارب الموت، لردعهم حتى يتراجعوا عن هذا الخيار الخطير.نعم، المئات، بل الآلاف يموتون سنويا في عرض البحر، ومع ذلك ما زالت طوابير المرشحين للهجرة غير الشرعية عبر قوارب الموت في تزايد مستمر، خاصة في ليبيا، حيث يقف الشباب بين خيارين أحلاهما مر، إما موت على يد داعش أو موت في البحر، ويبدو أن البحر أكثر رحمة من فجائع قطع الرؤوس، التي صارت تستهدف كل من يشك فيه أنه مسيحي، مثلما حدث منذ يومين مع مسيحيين إثيوبيين.لكن ماذا عن الحراڤة الذين يموتون وسط الرمال تحت الشمس الحارقة والعطش، إنهم أضعاف عشرات المرات من الهالكين في البحر، يقطعون ما بين 4 و5 كلم في الصحراء، بل وأكثر من ذلك فكثيرا ما يسقطون في أيدي عصابات المتاجرة بالبشر، خاصة النساء والفتيات، لكن هذه الأرقام لا تعني الإعلام الأوروبي، ولا إعلامنا الذي يلوك دائما ويعيد ما يتلفظ به إعلام الضفة الأخرى.هؤلاء ليسوا مشكلة إيطاليا ولا الاتحاد الأوروبي، وتضخيم الأرقام هذا يراد من ورائه أيضا، الضغط على بلدان إفريقيا الشمالية لتقوم لحساب حكومات الاتحاد الأوروبي، ولحساب فرنسا وإيطاليا وإسبانيا تحديدا، بوظيفة حاجز يمنع مرور قوافل المهاجرين غير الشرعيين، ويقوم بفرز المهاجرين، من يصلح ومن لا يصلح للمرور إلى أوروبا.أوروبا تضغط إذن علينا لتسهيل عليها الهجرة الانتقائية التي تطبقها على القادمين من إفريقيا المصائب، فليست كل الجنسيات الإفريقية مرغوبا فيها في أوروبا، فهي تمارس فرزا دقيقا، حسب الدين والأصول، وحسب الظروف الصحية للمهاجرين ومهاراتهم المهنية، لكن الوضع مختلف بالنسبة للبلدان الاسكندنافية التي تعاني من عجز في السكان ومن شيخوخة المجتمع وتشجع على هجرة الشباب إليها، لكنها لا ترغب أن يكون المهاجرين من جنسية واحدة، حتى لا تؤثر على تركيبتها الاجتماعية، بل ولا ترغب في أن يكون المهاجرون مسلمين تحديدا، فالمسلمون غير مرغوب فيهم وهذا أحد أسباب تطبيق الهجرة الانتقائية من قبل الحكومات الأوروبية.لكن في المقابل لا تستثمر هذه البلدان في منطقة الساحل، ولا تسعى إلى عودة الأمن إليها، خاصة بعد الفوضى التي تسببت فيها فرنسا والناتو في ليبيا وفي مالي، والتي أدت إلى انفجار الهجرة غير الشرعية، وستبقى أعداد المهاجرين غير الشرعيين في تزايد ما دام الوضع في ليبيا على ما هو عليه، فليبيا صارت منطقة عبور للمهاجرين الأفارقة، بعدما صارت الجزائر تتصدى لهم وتعيدهم بالطائرات إلى بلدانهم الأصلية.لكن الحد من هذه المآسي لن يكون بتجريم الهجرة غير الشرعية، ولا بقطع الطريق على الناجين منهم في لامبيدوزا الإيطالية فحسب، بل بوقف استغلالهم في السوق السوداء للعمل في أوروبا، وأيضا في بحث حلول حقيقية في إفريقيا وخلق فرص عمل وظروف حياة كريمة، ووقف الحروب التي تمولها جماعات المصالح هناك، وإلا فإن مآسي المتوسط ستزداد تفاقما؟!




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)