يؤمن بقدرة التكنولوجيات الحديثة على تقريب المسافات والتعريف أكثر بالإبداعات التي كثيرا ما تحجبها عراقيل على غرار قلة التواصل وانعدم الوسائل المساعدة، غير أن ذلك لم يدفعه إلى الكفر بقيمة الكتاب الورقي وتقديس مكانته في قلوب عشاقه من القراء، إنه الشاعر المغربي عبد العالي كويش، المعروف في أوساط الساحة الإبداعية ب “أبو المعالي”، الذي أصدر أول دواوينه العام 1997 تحت عنوان”دموع وردية”، والمشرف حاليا على مسابقة “شعراء العصر الحديث” الالكترونية، التي تسعى إلى إفشال محاولات “من يسمون أنفسهم بالحداثيين لإلغاء الشعر العمودي من الساحة الأدبية ودفنه في التاريخ القديم بحجة عدم ملاءمته للعصر”، وذلك من خلال مشاركة 350 شاعر فيها من مختلف الدول العربية، والمنظمة كبادرة لإنشاء مؤسسة عربية تحمل نفس العنوان، وتدرس إمكانية استحداث فروع لها على مستوى مجموعة من دول الوطن العربي.
أستاذي، بما أنك شاعر وفاعل نشيط على مستوى الحقل الثقافي كيف تقيم الحركة الأدبية العربية؟
يمكن القول إن هناك حراكا كبيرا في الساحة الأدبية العربية المعاصرة ناتجا عن تزايد الإحساس بأهمية الكلمة في حياة الإنسان وقدرتها على بلورة إنسانيته وإشعاره بوجوده، فالكتابة متنفس لا غنى عنه في عالم اليوم لمواجهة كل التحديات التي تهجم على كيان الإنسان في صميمه..وبالفعل تشهد الساحة العربية انعكاسا لذلك من مظاهر كثرة المطبوعات الورقية والافتراضية الصادرة، التي تنم عن وفرة في عدد المبدعين أو بالأحرى الذين يحاولون الإبداع في مختلف أشكال التعبير، إن الثورة الرقمية التي يشهدها العالم المعاصر تكشف عن مواهب دفينة كانت تعيش في الظل لسنوات وسنوات وصارت بفضل تقدم التقنيات في متناول الجميع ليقترب من فضاءاتها وأجوائها.
هل سيساهم هذا في اندثار الشكل الإبداعي التقليدي، وما هي آفاق الكتاب الورقي في خضم الثورة التكنولوجية الحالية؟
تعتبر هذه الثورة الحديثة من وجهة نظري، ثورة شاملة تضخ الحياة في كل الأشكال التعبيرية التي توشك على الانقراض رغم وجود تيارات تتسم بما يشبه العنصرية والتحيز لاختياراتها في الإبداع، ولنأخذ مثالا من تلك المحاولات التي يقوم بها من يسمون أنفسهم بالحداثيين لإلغاء الشعر العمودي من الساحة الأدبية ودفنه في التاريخ القديم بحجة عدم ملاءمته للعصر، ولكن لا يصح إلا الصحيح فلهذا الشعر أنصاره المعدودون بالآلاف الذين يجيدون العزف على قيثارته بدون صعوبة ولا إحساس بقيود ويؤكدون أنه الشكل الأدبي الأحق وحده بصفة الشعر أما أطروحات مناوئيه فستتلاشى بمرور الزمن كغيرها من الظواهر المرضية التي تمس جسد الأدب في بعض فتراته.. في كل الأحوال لا يمكن اندثار الأشكال الإبداعية التقليدية سواء ممارسة كانت أم تطبيقا..أما التطور الذي جعل الكتاب الورقي مزاحما من طرف الكتاب الرقمي فلا يمس الشكل التقليدي في شيء إذ يبقى الكتاب أكثر التصاقا بالقارئ المتذوق وأسهل في التناول وأكثر رواجا.
أطلقتم مؤخرا مسابقة “شعراء العصر الحديث” هلا حدثتنا عن فحواها والأهداف المسطرة من ورائها؟
“مشروعنا إنشاء مؤسسة تحمل اسم مسابقة “شعراء العصر الحديث” في العالم العربي”
هي مسابقة ضخمة شارك فيها أكثر من 350 شاعر من مختلف الدول العربية خاصة بالقصيدة العمودية، في البداية اختار الجمهور 5 قصائد تأهلتْ للدور الثاني من بينها قصيدة للشاعر الجزائري نصر الدين حديد، والآن باقي القصائد معروضة على أساتذة جامعيين ونقاد ليقيموها ويضعوا لها درجات ثم نؤهل 20 منها للدور الثاني.
وماذا تقول حول المشاركة الجزائرية على مستوى هذه المسابقة؟
هناك عدة شعراء جزائريين من الجنسين يشاركون في هذه المسابقة منهم، نصر الدين حديد، لطيفة حسايني، سليمة ماضوي، نور الدين جريدي، بغداد سايح، جمال رميلي..وغيرهم.
أستاذي تتهم مثل هذه المسابقات الالكترونية بعدم التزام الشروط الأكاديمية كما يطعن البعض في مصداقية نتائجها نتيجة لأنها قائمة على مبدأ التصويت فما تعليقك؟
أرى أنها اتهامات في غير محلها فالتصويت مجرد مرحلة من مراحل المسابقة وليس نهاية المطاف، لقد تم الإعلان عن انطلاق عملية التصويت بهدف نشر الشعر العمودي في أكبر عدد ممكن من صفحات موقع الاتصال الاجتماعي “الفايسبوك”، حيث يحمل الشعراء الراية ويقومون بنشر الشعر الفصيح والتعريف به وتشجيع مستعملي الموقع على تذوقه، وقد أدت هذه العملية إلى متابعة المسابقة من قبل الآلاف ولولاه لكانت محدودة بين عدد قليل من الشعراء.
كيف تصف طبيعة سير عملية التصويت على مستوى هذه المسابقة؟
تربط هذه العملية الشاعر بجمهوره، كما تساهم في تقوية التواصل بين الجانبين، وهذا ليس جديدا فالشاعر يتواصل مع جمهوره بعدة طرق مثل الدواوين التي ينشرها والقصائد التي يكتبها في الجرائد والمجلاّت مستهدفا كسب جمهور من القراء يتابعه، وفي النهاية قام الجمهور برفع خمس قصائد إلى الدور الثاني للمسابقة، وقد قمنا بتسليم باقي القصائد إلى أساتذة جامعيين متخصصين في الأدب والنقد وعلوم اللغة العربية إضافة إلى نقاد متمرسين من السعودية وفلسطين والمغرب والعراق.. لتقييمها ومنحها درجات حسب معايير فنية دقيقة حيث يتم تجريدها من أسماء وجنسيات أصحابها، وبموجب الدرجات التي يمنحونها للقصائد سنرفع عشرين منها للدور الثاني ثم نعلن بعدها عناوين وأسماء أصحاب القصائد الفائزة حسب الدرجات العلمية التي يضعها الخبراء، وبالتالي فالعملية تكشف عدم صحة ما يظنه البعض من أن التصويت هو المقياس الوحيد لاختيار الفائزين، بل إنه لا يتعدى كونه مرحلة من المراحل التي تحقق هدف المسابقة في نشر الشعر العمودي على أوسع نطاق.
وماهي التنبؤات الأولية للناجحين؟
حسب أولى التقييمات التي أفادنا بها بعض المحكّمين، فإن معظم قصائد المسابقة ذات مستوى فني عال وشعرية كبيرة، لذلك سيكون الاختيار بينها أمرا بالغ الصعوبة ، يبلغ عدد القصائد المعروضة على الأساتذة المحكّمين، 290 قصيدة عمودية لشعراء من 14 دولة عربية ، وتعتبر مصر أكثر الدول العربية تمثيلا في المسابقة وذلك ب52 شاعراً وشاعرة، تليها العراق ب42 شاعراً وشاعرة، ثم اليمن ب 37 شاعراً وشاعرة ، ثم المغرب ب 25 شاعراً، ثم سوريا، فلسطين، فالجزائر، علماً بأنه إحصاء غير نهائي في انتظار معرفة البلدان التي ينتمي إليها بعض الشعراء المشاركين في المسابقة .
من هي الجهة التي تشرف على هذه المسابقة؟
مسابقتنا جادة جدا، ونحن نعرف أن التصويت لا يجب أن يحدد القصائد الجيدة فهذه مهمة الخبراء، أعتبر المسؤول التنظيمي للمسابقة رفقة ثلاثة شعراء من المملكة العربية السعودية، لديهم خطة لتأسيس مؤسسة ثقافية تحمل اسم المسابقة ألا وهو “شعراء العصر الحديث في العالم العربي”.
هل ستتركز اهتمامات المؤسسة على الشعر العمودي مثلها مثل المسابقة؟
نعم على الشعر العمودي لإعادة الاعتبار إليه بعدما لوحظ بعض التراجع وانتشار أجناس أدبية أخرى تحاول تجاوزه والقفز عليه والتشكيك في قابليته للوجود الفعلي في عصر الحداثة..لذلك لا بد من بذل بعض الجهود لتصحيح الأخطاء التي يروجها البعض عنه وحوله، إلى جانب التأكيد على ضرورة التمسك به باعتباره من ركائز اللغة العربية والتراث العربي.
وأين سيكون مقرها؟
سيكون المقر الرسمي لمؤسسة “شعراء العصر الحديث في العالم العربي” في السعودية مبدئيا، غير أن هناك مشروع قيد الدراسة لإنشاء فروع لها في بعض الدول العربية، وسنعلن بعد أيام بحول الله عن القصائد العشرين المتأهلة للدور الثاني بدرجات المحكّمين، لتضاف إلى الخمس قصائد المتأهلة بتصويت الجمهور، ثم تتواصل المسابقة بعد ذلك بشفافية وأمانة إلى حين إعلان القصائد الفائزة في المسابقة.
****
فاتنة
جاءتهُ كالفجرِ تُهديه ابتسامتها....وما درتْ أنها جاءتْ تُبدِّدُهُ
وصافحَتْهُ ولكنْ كان في يدها ...ماءٌ من السحْر فابتلَّتْ به يدُهُ
ترنو إليه وفي أحْداقها نَهَرٌ .... لا شيءَ مِن فيضه الجبّارِ يُنْجدُهُ
ما شاهد الناس قبلي سِحْر فاتنةٍ ....مسَّتْ حرارة كفِّي فهْي تُبْردُهُ
لو أنها حادثتْ غيري بِلثْغَتِها ....لظنها أُمّه جاءت تهدهدُهُ
ويلي!جعلتُ اسمها حُلْماً أسامرهُ ...وفي المهامِهِ مجنوناً أردِّدُهُ
وميضُ طَلْعَتِها أضحى أمجِّدهُ .... وثغرُها العذب في المحراب أعبدُهُ
لن تُبعدي وجهك الفضيَّ عن بصري ...فإنَّ قلبي المعنَّى سوف يرصدُهُ
ولا تظنّي التجافي قاتلاً أملي ...إن الحبيبَ لمَحْمودٌ تمرُّدُهُ
فلا أفارق حقلاً أنتِ سُنبلُهُ ....ولا أغادرُ بحْراً أنتِ جُلْمدُهُ
تلَفَّتي يابنة التازيِّ حانيةً ....إلى محبٍّ عميد جفَّ مَوردُهُ
أذله قلبكِ القاسي وأمرَضَهُ ... هجْرانهُ فدموعُ الحب عُوَّدُهُ
تناثرتْ حولهُ الآهاتُ واحترقتْ ..... به الضلوعُ وجافاه تجلّدُهُ
وأنتِ في شارع الألحان باسمةٌ.... يضيعُ حولكِ في المُضْنَى تَنهّدُهُ
“أبو المعالي” 1999
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 26/02/2013
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : سارة ع
المصدر : www.essalamonline.com