الاجتماع والاتفاق سبيل إلى القوّة والنّصر، والتفرّق والاختلاف طريق إلى الضعف والهزيمة، وما ارتفعت أمّة من الأمم وعلَت رايتها، إلاّ بالوحدة والتلاحم بين أفرادها وتوحيد جهودها. قال الله تعالى: {وأطيعوا اللهَ ورسولَهُ ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكُم واصبروا إنّ الله مع الصّابرين} الأنفال .46 وحديث أبي مسعود رضي الله عنه: ''كان رسول الله، صلّى الله عليه وسلّم، يمسح مناكبنا في الصّلاة، ويقول: استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبَكُم'' رواه مسلم.
الحجّ موسم عظيم، تتجسّد فيه وحدة المسلمين في أبهى مظاهرها وأجمل حللها، حيث تذوب الفوارق، وتتلاشى الحواجز، ويجتمع المسلمون في مشهد جليل، يبعث على السّرور، ويسعد النّفوس ويبهج الأرواح.
فيجتمع المسلمون من أقطار الأرض حول هذا البيت العتيق الّذي يتّجهون إليه كلّ يوم خمس مرّات، البيت الّذي يقصدونه بقلوبهم وأفئدتهم من خلال صلواتهم في بلادهم الشاسعة البعيدة، ها هم الآن يجتمعون حوله ويرى بعضهم بعضاً، يتصافحون ويتشاورون ويتحابّون، خلعوا تلك الملابس المختلفة والمتباينة من على أجسادهم، ووحّدوا لباسهم، ليجتمع بياض الثياب مع بياض القلوب، وصفاء الظاهر مع صفاء الباطن.
إنّها لحظات رائعة جميلة وهم يتحرّكون جميعاً من منى، ثمّ يقفون ذلك الموقف العظيم في عرفة، وقد اتّحدوا في المكان والزّمان واللّباس والوجهة.
إنّ مظاهر الوحدة في موسم الحج متعددة وكثـيرة، منها:
وحدة الزّمان والمكان، فالحجّ له زمان ومكان محدّد يؤدى فيه لا يجوز أن يكون في غيره. قال تعالى: {الحجّ أشهر معلومات فمَن فرض فيهنّ الحجّ فلا رفث ولا فسوق ولا جِدال في الحجّ} البقرة .197 وقال صلّى الله عليه وسلّم: ''الحجّ عرفة'' رواه الترمذي.
وحدة المناسك، فالجميع مطالب بأداء مناسك الحجّ، من الإحرام، والطواف بالبيت، والسّعي بين الصفا والمروة، والوقوف بعرفة، والمبيت بمنى، ورمي الجمار... وكلّهم يقومون بنفس الأعمال، ممّا يجسّد ويعمّق هذه الأخوة والمحبّة.
وحدة الهدف والغاية والشّعور، فالجميع قد جاؤوا من كلّ فجٍ عميق، يحذوهم الأمل، ويحفهم الخوف والرّجاء، رافعين أكف الضراعة إلى الله عزّ وجلّ، راغبين في مغفرته، طامعين في فضله ورضوانه.
فالقِبلة واحدة، والربُّ واحد، والمشاعر واحدة، واللّباس واحد، وكلّ هذه الأمور تجتمع في هذا الموسم المبارك، وهي مدعاة للإحساس بوحدة الشّعور، وموجبة لتعزيز التآخي، والتّعارف بين المسلمين، ومشاطرة الآلام والآمال، والتّعاون على مصالح الدِّين والدينا.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 14/10/2011
مضاف من طرف : sofiane
صاحب المقال : الجزائر: حاوره عبد الحكيم قماز
المصدر : www.elkhabar.com