الجزائر

الحبيب الذي أحبّنا.. هل أدّينا حقّه علينا؟



((لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)) (التّوبة 128). آية من كتاب الله، لم تدع قولا لقائل في وصف رحمة الحبيب المصطفى -صلّى الله عليه وآله وسلّم- بأمّته؛ تملأ قلب من تدبّرها وعاين أثرها في سيرة خاتم الأنبياء وإمام المرسلين، محبّة وإجلالا لهذا النبيّ الكريم، الذي أحبّ أمّته وأشفق عليها في دنياها، فما ترك بابا من أبواب الخير إلا دلّها عليه، ولا بابا من أبواب الشرّ إلاّ حذّرها منه، وأشفق عليها في أُخراها، فادّخر شفاعته لها إلى يوم القيامة؛ كان يبكي من الليل ويدعو ربّه قائلا: يا ربّ أمّتي. يا ربّ أمّتي. بل وأحبّنا نحن الذين لم نصحبه ولم يرنا، فكان يقول: "وددت أنّي لقيت إخواني الذين آمنوا بي ولم يروني".اتُّهم بالسّحر والجنون، فصبر طلبا لرضا الله أولا ولأنّه يحبّنا ثانيا. أوذي وطورد وشُتم وحوصر، وأسيل دمه فصبر لأنّه يحبّنا. خُنق خنقا شديدا، ووُضع سلا الجزور على كتفيه، ونُثر التّراب على رأسه، وتَفل شقيّ من الأشقياء في وجهه. كلّ ذلك وهو صابر طلبا لرضا الله أولا، ولأنّه يحبّنا ثانيا. رُمي بالحجارة وأدمي عقباه، وأُسقط من فوق ناقته وتلوّى من الألم، وأدمي وجهه وكُسرت رباعيته، كلّ ذلك وهو صابر لله لأنّه يحبّنا. صبر لأجل أن يبلّغ دين الله ولأجل أن يُخرج العباد من الظّلمات إلى النّور، ولأجل أن نكون مسلمين.
أبعد كلّ هذا نغفل عن الصّلاة عليه، ونعصي أمره ونهجر سنّته ونقتدي بغيره، وهو الذي أحبّنا وضحّى لينقذنا من العذاب؟!؛ بأيّ وجوه سنلقاه على الحوض وقد أصبحنا نستحي من سنّته ونتحرّج من هديه، ونتهافت على سنن من كفروا به وسبّوه واستهزؤوا به؟ وبأيّ وجوه سنطلب يوم القيامة شفاعته، وقد خالفنا أمره وأهملنا وصاياه؟.
كم مرّة في اليوم يصلّي الواحد منّا على النبيّ –صلّى الله عليه وآله وسلّم- الذي أمرنا ربّنا –جلّ وعلا- بالصّلاة عليه فقال: ((إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا))؟. كم مرّة دعا الواحد منّا ربّه أن يرى الحبيب –صلّى الله عليه وآله وسلّم- في المنام؟ كم مرّة دعا ربّه أن يلقى نبيّ الهدى والرّحمة –عليه الصّلاة والسّلام- على الحوض؟ وكم مرّة دعا الله أن يُسكنه الجنّة بجوار صاحب المقام المحمود والدّرجة الرّفيعة؟
علينا أن نراجع قلوبنا مع محبّة النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، ونراجع أحوالنا مع طاعته واتّباع هديه وسنّته؛ فمحبّته –عليه الصّلاة والسّلام- فرض واجب، لكنّها تحتاج إلى دليل هو الطّاعة والاتباع، ((قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ))، ومعصية النبيّ –صلوات ربّي وسلامه عليه- ومخالفة هديه وأمره ليست بالأمر الهيّن، ((فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)).
إنّ الاحتفال بمولد النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، وإظهارَ الفرح في يومه وحضورَ الدّروس والمحاضرات التي تتحدّث عن سيرته وشمائله، دليلٌ على محبّتنا له، يؤجر من أخلص فيها، ولكن لا يجوز أبدا أن نظنّ بأنّنا نؤدّي حقّه علينا عندما نتذكّره يوما واحدا في العام، نأكل ونشرب، ثمّ ننسى حبيبنا -عليه الصّلاة والسّلام- عاما كاملا.. نبيّ الهدى –صلّى الله عليه وآله وسلّم- ينبغي أن يكون مرشدَنا ودليلَنا وقائدَنا وقدوتَنا في كلّ يوم وكلّ ساعة، فلا يكفي أن نأكل ونشرب في ذكرى مولده حتى نُكرَم بالشّرب من حوضه يوم القيامة، بل لابدّ من طاعته واتّباع سنّته، والتشبّه به في عباداته وأخلاقه وسمته ومعاملاته.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)