غني بالأملاح المعدنية ومختلف العناصر الأساسية للجسمتتوارد معطيات إيجابية حول تحقيق محصول "الحمص" البقولي لنتائج تقنية مُلفتة في الجنوب الكبير، إثر تجربته بنطاق المناخ الصحراوي الحار والجاف صيفاً، مُظهراً بذلك قدرة جينية عالية على التأقلم والنمو والإثمار، وإدرار كميات متناسبة مع ظروف إنتاجه ومساره التقني.
ترقية زراعة محاصيل البقوليات واسعة الإستهلاك ومنها منتوج "الحمص"، يندرج ضمن أوليات السلطات العمومية بالجزائر، ويدخل في استراتيجياتها لإنعاش القطاع الفلاحي، وتحقيق الأمن الغذائي الوطني، وكذا بِخططها لتنظيم عمليات استيراد المنتجات الفلاحية الموطنية من الأسواق الخارجية بالعملة الصعبة.
وحسب مختصين في المجال، فإنّ منتوج "الحمص" بالتحديد، ما زال من تلك المحاصيل الزراعية المستوردة من الأسواق الأجنبية بنسبة حوالي 60 % من احتياجات استهلاكه في البلاد، في حين يناهز إنتاجه محليا 30 % بعد أنْ كانت مصالح الدولة تنتجه وتصدّره في ما مضى من حقبٍ زمنية.
انتكاسة التصدير ومأزق الإستيراد
كشف أستاذ العلوم الزراعية بجامعة ورقلة، الدكتور بومادة عبد الباسط، أنّ الإنتاج الحالي لمحصول الحمص في الجزائر لا يغطي سوى نسبة 25 إلى 30% من الإحتياج الوطني، والباقي يُعوّض بالاستيراد، بالنظر إلى الأهمية الغذائية التي يكتسيها هذا المنتوج لدى المستهلك الجزائري.
وأوضح الدكتور بومادة، في تحليل خصّ به "الشعب"، أنّ فاتورة استيراد الحمص هي الأعلى بالنسبة للبقوليات الغذائية بما يقارب 39 % سنويا؛ إذ يأتي هذا رغم أنّ الجزائر كانت في نهاية الستينيات وبداية السبعينيات من القرن الماضي تُصدّر كميات معتبرة من المحصول إلى الخارج بأكثر من 1000 طن سنويا، وقد بلغت 2279 طن سنة 1969م.
وأوعز المختص أهمية استهلاك مادة الحمص الذي لا تكاد موائد الجزائريين تخلو منه، إلى كونه غنيّ جدّا بالبروتينات واحتوائه على أكثر من 25 %منها، وبالتالي يشكل بديلا عن البروتينات الحيوانية غير المتاحة لشريحة واسعة من المستهلكين، بالإضافة إلى أنّه غني بالأملاح المعدنية ومختلف العناصر الغذائية الأساسية للجسم.
زراعة جزائرية موطنية قديمة
قال الدكتور عبد الباسط أنّ الجزائر كانت قبل 50 سنة تحوز على أكثر من 30 صنفا محليا لمحصول الحمص، بيد أنّ تلك الأصناف لم يعد لها وجودا حاليا إلا في بعض المناطق الداخلية للوطن؛ بسبب عدم إيلائه كما باقي البقوليات الغذائية في ما مضى الأهمية اللازمة للمحافظة على مختلف أنواعه.
وفضلاً عن ذلك، فإنّ جهود تكثيف زراعة الحمص لم تصل في أغلب الأحيان إلى الأهداف المسطرة والمرجوّة، رغم أنّ هناك عدّة أبحاث من جامعات ومراكز بحث متخصّصة أعطت نتائج مشجّعة في المجال، بحسب قوله.
ضعف مردودية الهكتار الواحد
أبرز الدكتور بومادة أنّ زراعة الحمص في الجزائر تشغل مساحة تقدر ب 35000 هكتار، مع إنتاج وطني يتراوح بين 25000 و40000 طن سنويا، بمردودية في حدود 8 و12 قنطار للهكتار الواحد، معتبرا إيّاها ضعيفة مقارنة بمقوّمات النجاح وعوامل الإنتاج الهامة المتاحة عبر ولايات الوطن.
وربط المختص ذاته ضعف مردودية محصول الحمص بعدّة أسباب تتعلّق أساسا بنقص وتذبذب الأمطار والجفاف الحاصل منذ سنوات، ملوحة وقلوية التربة الزراعية في بعض المناطق، الحشائش الضارة، دوافع الآفات والأمراض الفلاحية المتفشية بسبب الفطريات والبكتيريا والفيروسات، بالإضافة إلى سوء استعمال البذور المعتمدة.
وفي ذات السياق، نوّه عبد الباسط بأهمية إدخال الحمص ضمن الدورات الزراعية في محيطات إنتاج الحبوب، للمساهمة في مكافحة الطفيليات والحشائش الضارة للبقوليات، بالإضافة إلى دوره في تخصيب وتحسين التربة كونه من البقوليات التي لها خاصية تثبيت النيتروجين الموجود في الجوّ.
مقترحات للتّخلص من التوريد
للتّخلص من استيراد محصول الحمص وغيره من البقوليات الغذائية التي تثقل كاهل الخزينة العمومية، اقترح الدكتور بومادة، تسريع عملية توسيع مساحات زراعة الحبوب، والتركيز على تطوير أدوات الإنتاج لزيادة المردودية في الهكتار الواحد، وإشراك التقنيين والمهندسين الزراعيين في البرامج من أجل اتباع المسار التقني الصحيح للوصول للنتائج المسطرة فلاحيًا.
وبما أنّ المناطق الصحراوية تشهد ديناميكية كبيرة في المجال الفلاحي، بفضل عوامل الإنتاج المتوفرة من أراضي شاسعة ومناخ ملائم ومياه جوفية، متبوعة بوجود إرادة قويّة لدى المزارعين المحليين للتغلب على المعوّقات، فذلك يُمثّل سانحة لاستغلال المقوّمات المتاحة، وتحقيق الإكتفاء الذاتي بمختلف المنتجات الفلاحية ومنها الحمص، مثلما أضاف محدثنا.
وكشف الأستاذ أنّ محصول الحمص يفضل التربة الرملية، وليست له احتياجات مائية كبيرة، لافتاً أنّ بعض التجارب أعطت نتائج جدّ إيجابية في زراعته بكلّ من ولايتي ورقلة والوادي.
وتابع بومادة قائلاً: "من بين طرق المرافقة التقنية الأنجع تكثيف إنشاء مزارع صغيرة للبرهنة تابعة للمعهد التقني للزراعات الكبرى في مناطق الجنوب، لما يشهده من تطور ملحوظ في المحاصيل الإستراتيجية، وتقريبها من المنتجين المحليين حتى يسهل إقناعهم بالفوائد التقنية والإقتصادية للمحاصيل الغذائية البقولية ومنها الحمص، مع حثهم على إدراجها في الدورة الزراعية".
زراعة مُرتبطة بالأمن الغذائي
اعتبر رئيس جمعية الوفاق لتنمية وتطوير الفلاحة الصحراوية، تماسين، بولاية توقرت، فاجي عبد الحكيم، محصول الحمص أحد أهم الزراعات الغذائية التي تساهم في الأمن الغذائي، وتحظى بإقبال استهلاكي واسع من المواطنين، حيث لا تخلو مائدة منه في الجزائر.
وأفاد فاجي في اتصال مع "الشعب"، أنّ مادة الحمص تكتسي مكانة استهلاكية كبيرة في كلّ ولايات الوطن لا سيّما بالمناطق الجنوبية؛ لأنّه يدخل في إعداد كثير من الأطباق الشعبية ذات الشهرة مثل الدوبارة البسكرية، الدوبارة السوفية، القرانتيتة البشارية، بالإضافة إلى الأطباق الأخرى المميّزة لكلّ منطقة على حِدة.
وأشار المتحدّث إلى أنّ زراعة الحمص في المناطق الصحراوية ما تزال قليلة المردود، وتطويرها يبقى رهينا بتهيئة الظروف المناسبة والقيام بدراسات تقنية متخصّصة.
وبناءً على التجارب الميدانية، أضاف فاجي، أنّ زراعة هذا المحصول صالحة في الصحراء إذا توفرت بعض العوامل على غرار استبدال الأتربة المالحة بنشارة الخشب، تسميد البذور بعد زراعتها بالدوبال العضوي الخاص بالدواجن؛ لكونه غنيا بعناصر أزوتية وفسفورية مهمة ومغذية للنباتات.
خطوات وتدابير جادّة للاستدراك
عرفت زراعة الحمص توسّعا ملحوظا بولايات شمال الوطن، في الأعوام الأخيرة، مقارنة بحجمه الكمي قبل عقد من الزمن، مع رصد اهتمام كبير من قبل المزارعين بإنتاجه؛ كونه أقلّ تكاليف ومجهود تقني قياسا مع باقي المحاصيل الإستراتيجية الأخرى.
ويحتاج هذا المحصول في غالب الأحيان، أثناء متابعة مسار نموّه، إلى إزالة الأعشاب الطفيلية من نطاقه الزراعي، ومكافحتها حتى لا تتسبب في عرقلة مراحل تطوّر المنتوج، ناهيك عن رشّه بالمبيدات الفلاحية للحدّ من أضرار الحشرات والديدان، وفقا للاختصاصيين.
وبغرض توسيع زراعة الحبوب والبقوليات، تُسارع السلطات العليا إلى اتخاذ إجراءات تحفيزية وتطويرية هامة للقطاع الزراعي، من خلال تشكيل أقطاب فلاحية لإنتاج المحاصيل الإستراتيجية في المناطق الجنوبية، بغية تحقيق اكتفاء ذاتي قريب فيها.
وقد انبثق عن اللقاء الوطني حول الاستثمار الفلاحي بولايات الجنوب، الملتئم في الرابع من ديسمبر 2023م، بولاية أدرار، تحت رعاية رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبّون، وتنظيم وزارة الفلاحة، عدّة قرارات هامة تصبّ في نفس الإطار على غرار إقامة رواق أخضر لإنتاج المحاصيل الكبرى كالبقوليات في ولايات الجنوب، سيستفيد منه المستثمرون الراغبون في ولوج هذا المعترك.
محصول الحمص يعدّ من المنتجات الأساسية ذات القيمة الإقتصادية والصناعية، ويعرف مؤشره السّعري ارتفاعا محسوسا في الأسواق الدولية مقارنة بباقي البقوليات، لذا يتطلب الأمر التركيز أكثر على زراعته في كلّ ربوع بلادنا، وتشجيع الفلاحين والمستثمرين على إنتاجه؛ نظراً إلى توفر الظروف المناخية المواتية والأراضي الشاسعة الخصبة الصالحة لمثل هذه الزراعات الإستراتيجية.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 20/12/2023
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : سفيان حشيفة
المصدر : www.ech-chaab.net