الجيش المصري ليس كنظيره التونسي البعيد عن السياسة وألاعيبها، بل كان ولا زال وكل المعطيات والحقائق تقول وتؤكد بأنه سيبقى لاعبا رئيسيا في صناعة مختلف الأدوار السياسية، خاصة على مستوى سياسة مصر الخارجية، وهذا راجع بكل تأكيد لحساسية منطقة الشرق الأوسط وتأثيراتها على السياسة الدولية ككل، ولتسيسه هذا جاء تدخله في الأحداث وتعامله مع التطورات التي عرفتها مختلف المدن المصرية تدخلا ذكيا.
الجيش المصري وكان يدرك بكل تأكيد أن أيام حسني بارك قد أصبحت معدودة، وأن مبارك وآله على أبواب التحول إلى حدث من تاريخ مصر... غادر ثكناته واحتل شوارع مختلف المدن بعد أن أخلتها الشرطة تحت ضغط حشود الجماهير التي لم يعد بإمكان أي قوة فوق الأرض وقف اندفاعها وتدفقها الجارف... الجيش المصري دخل المدن وقبل عن طيب خاطر أن تكتب على مجنزراته ومدرعاته وعرباته عبارة ''يسقط مبارك''، ومبارك هذا ليس مواطنا عاديا أو مجرد مسؤول في الدولة، وإنما هو القائد الأعلى للقوات المسلحة المصرية، مع العلم هنا، أن دور الرجل لم يكن محصورا في هذا المنصب القيادي فقط، بل كان ذا سلطة وسطوة على الجيش قل توفر نظير لها في أي جيش من الجيوش العربية الأخرى... زيادة على هذا استطاع هذا الجيش أن يتعامل بطرق لطيفة مع المنتفضين فكان عكس الشرطة تماما، وبهذا تمكن من امتصاص الغضب فحمى العديد من المؤسسات دون أدنى عنف ودون أي استخدام للقوة... ولنقارن بين دباباته وهي محاصرة بآلاف المتظاهرين الذين امتطى الكثيرون منهم ظهرها وبين عربات الشرطة المحروقة في كل مكان... حدث هذا بالرغم من أن الجيش المصري ليس حياديا كالجيش التونسي، وإنما هو جيش غارق في السياسة وفي الممارسات السياسية... وحدث هذا بالرغم من أن المواجهات بين عناصر الشرطة المصرية والمنتفضين لم تمتد لأسابيع وبعد هروب الرئيس كما حدث في تونس، وإنما جاء تدخل الجيش بعد ثلاثة أيام فقط من انفجار الأوضاع، وهو ما يعني أن تدخله لم يأت في آخر المطاف وبعد أن أصبح البلد على حافة الانهيار، كما كان الأمر في الجارة تونس. فهل جاء تدخله لإنقاذ البلد أم لإنقاذ النظام الحاكم؟
لا يمكن تصور أن خيارات عمر سليمان كنائب لرئيس الجمهورية، وأحمد شفيق كرئيس للوزراء، جاءت بعيدا عن حسابات الجيش، إن لم يكن هو واضعها وحسني مبارك مجرد معلن عنها، وعليه فإن تحركه جاء لإنقاذ وحماية امتدادات النظام ما بعد مبارك وليس لشيء آخر.
ما حدث في مصر لحد الآن مشابه إلى حد بعيد لما حدث في تونس، حيث نصب بن علي الكثير من أركان حكمه في المناصب الحساسة للدولة قبل رحيله، غير أن تواصل حركة الشارع التونسي أسقطت العديد من هذه الركائز. فهل يستطيع الشارع المصري تحقيق نسبة من الإنجازات التي تحققت في تونس؟
هذا ما ستجيب عنه الأيام القليلة القادمة، بل ستجيب عنه الساعات القادمة.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 01/02/2011
مضاف من طرف : sofiane
صاحب المقال : العربي زواق
المصدر : www.elkhabar.com