الجزائر

"الجهل المقدّس" كاري culture




تحادثت، أول أمس، مع صديق مصري مفترض، عبر الفايس بوك، وكنت حريصا على الاستفسار منه عن الحال المصري بعد تولي الإخوان المسلمين زمام الحكم في البلد. وفي خضمّ تمريراتي الخبرية، مع الصديق الذي لم تمر على معرفتي به أيام قلائل، تذكرت أن يوم الخامس من شهر جويلية مصادف للذكرى الثانية لوفاة المفكر المصري نصر حامد أبو زيد صاحب كتاب "مفهوم النص" والكثير من كتب الفكر الإسلامي والديني الجدلية التي جرجرته إلى المحاكم وعلّقّت فكره في مشنقة التكفير، ووصل الحدّ بحراس الأفكار في بلده إلى تطليقه من زوجته بحكم قضائي. قبل أن يهاجر معها مكرهَين إلى هولندا.
سألت صديقي الفايسبوكي الجديد، ما إذا كان المصريون يحتفون بفكر أبي زيد، بعد مرور سنتين على رحيله ؟؟ فاكتفى الصديق الفايسبوكي، بجواب مقتضب، من خلال جملة يستعملها الكثير من حرّاس الأفكار في هذا الزمن وخصوصا من مريدي الفكر الإخواني..
قال لي صاحبنا: "إن أبا زيد أفضى إلى ما قُدّر له".. وهي الجملة التي يستعملها التكفيريون للحديث عن رجل ميت مطعون في التزامه الديني، عوض عبارة "يرحمه الله"..
أردت بعد أن أدركت أن صاحبي الفايسبوكي الجديد "منهم"، أن أستفز "أفكاره الصلبة" أكثر، لمعرفة سبب وضعه لمفكّر بحجم نصر حامد أبو زيد؛ في خانة الذين "أفضوا إلى ما قدّر لهم"، فسألته هل قرأت كاتبه "مفهوم النص.. دراسة في علوم القرآن" أو كتابه "نقد الخطاب الديني" أو كتابه "التفكير في زمن التكفير"..؟؟
بعد دقائق من الصمت الأبيض، أغلق صاحبي جداره الفايسبوكي في وجهي وغاب..
عبَرت ذاكرتي في تلك اللحظة دراسة رائعة للمفكّر الجزائري الراحل محمد أركون، حول ما اصطلح على تسميته ب"الجهل المقّدس" يتحدّث فيها عن تلك العقائد الموضوعة التي يتبنّاه ويدافع عنها كثيرون دون إخضاعها لسلطة العقل..
أجزم أن الكثير منّا يتحدّثون في مجالسهم بإعجاب كبير عن كتّاب ومفكّرين لم يقرأوا لهم أبدا. أو يهاجمون كتابا ومفكّرين آخرين دون أن يقرأوا لهم كتابا واحدا. وذلك من منطلق "الحديث بمنطق الإجماع"، أو "تكريس المكرّس" أو ما يسمّيه الفلاسفة ب"الجهل المقدّس" الذي يرى أركون أنه ظاهرة حديثة في الوطن العربي بدأت مع ظهور جماعة الإخوان المسلمين في مصر سنة 1928.
وبالحديث عن الإخوان المسلمين المنتصرين لأفكار دوغماتية مقدّسة، أحبّ أن أختم بإحالة لمقولة صاحب الأفكار المحرّرة؛ المفكّر العربي العالمي أبو الوليد ابن رشد، الذي أجاب - قبل ثمانية قرون - بعض المنتقدين لتعامله العقلي مع النصّ القرآني بقوله "العقل نور والنصّ نور.. والنور لا يطفئ النور".
صدقت يا ابن رشد "النور لا يطفئ النور"، لكن الظلام دامس يا أبا الوليد.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)