استخدم المرابطون الجنود المسيحيون، كفرق مرتزقة متطوعة في أوائل القرن السادس هجري، الثاني عشر ميلادي، استأجرهم السلطان لحراسته أو للدفاع عن مملكته، إلى جانب الجيش المحلي، مقابل أجر معلوم (166).
وكان الموحدون قد انتقدوا المرابطين، في استخدامهم للفرقة العسكرية المسيحية المستقرة بمدينة مراكش، التي خاضت معارك كثيرة ضدهم، وكان انتصارهم على المرابطين واستيلاؤهم على مراكش نهاية لوجود الجند النصارى في الجيش الإسلامي في بلاد المغرب (167).
ولم تتحدث المصادر عن وجود، فرقة عسكرية مسيحية في الجيش الموحدي، إلا أن عهد الخليفة المأمون (626-630هـ/1228-1332م) ظهرت فيه فرقة مسيحية الجند المرتزقة والتي رافقته وناصرته على أعدائه سنة (636هـ/1228م)، وكان المأمون قد أنزلها بحي خاص بمدينة مراكش، وبنى لهم هذا الخليفة كنيسة في المدينة ليؤدوا شعائرهم الدينية، وكانت أول كنيسة مسيحية تبنى في المغرب الأقصى في العهد الإسلامي (168).
وعلى الرغم من تشدد المذهب الموحدي تجاه استئجار النصارى، إلا أن الخلفاء الموحدين، استخدموا مثل هذه الفرق العسكرية في جيشهم، وقد انتقلت فرقة مسيحية تتكون من ألفي فارس، من خدمة الموحدين إلى خدمة الزيانيين، بعد انتصارهم على الجيش الموحدي سنة (646هـ-1248م)(169)، وكان المرتزقة النصارى يعملون تحت قيادة أحدهم يدعى "القائد"
ولكن عندما وقعت محاولة اغتيال يغمراسن، من قبل الفرقة العسكرية المسيحية سنة (652هـ/1254م)، كف سلاطين بني زيان عن استخدامهم، كما ذكر يحي بن خلدون (170)، غير أن بعض النصوص العربية واللاتينية، تبين عكس ذلك، بحيث تشير إلى أنه في سنة (665هـ/1266م)، استخدم العاهل التلمساني فرقة مسيحية هامة، تتكون من الكتالونيين والاراغونيين، بقيادة الأب فيلارجو "Pére de vilararagut"، ثم تولى القيادة بعد قيوم غالسيران دي كارتيلا "Galceran de Cartelle Guillem"(171)، وفي سنة (670هـ/1271م) كان نحو (500à فارس من الروم يقاتلون إلى جانب يغمراسن، ضد بني مرين، الذين تمكنوا من القضاء عليهم جميعا(172)، وكان على رأس الفرقة العسكرية المسيحية في سنة (679هـ/1290م)، القائد جوم بيريز "Jaumme Perez" هجين الملك بيار الثالث الارغوني، Pierre III، والجدير بالذكر أن البابا نيكولا الرابع Nicola IV حث الجنود المسيحيين في سنة (689هـ/1290م)، على التمسك بديانتهم والتحلي بالسلوك القويم وعدم اعتناق الإسلام (173)، وهذا في حد ذاته يعد تنبيها للمسيحيين، الذين يعملون مرتزقة في الفرق العسكرية لصالح المسلمين من جهة ويعتبر اعترافا من جهة أخرى، بهذه الخدمة من البابا نفسه، لأن السلطة البابوية- فيما يبدو- كانت تأمل أن تجني من هذه الخدمة، بعض المزايا بفائدة المسيحية، في بلاد المغرب عامة، ومدينة تلمسان على وجه الخصوص (174).
وترأس أيضا الفرقة الأرغونية الكتلونية، التي تخدم سلاطين تلمسان، الفارس رودريقو سانشيز دي فيرغايس "Rodrigo Sanghez de vergays"(175)، وقد استمر وجود المليشيات المسيحية في الدولة الزيانية، بعد الحصار الطويل، الذي تعرضت له مدينة تلمسان من قبل المرينيين في عهد أبي حمو موسى الأول، وكان قائدها آنذاك الفارس فيليب دي موريا "Felip de mora " (176).
وكان يرأس الفرقة الميورقية، ما بين سنتي (725هـ/1325م)، بعض أرباب السيف من النصارى، مثل ابن الملك جاك الثاني (Jacque II) هجين جاك الأرغواني، وصار هذا الأخير يقوم مقام الوسيط الدبلوماسي بين سلطان تلمسان والملك الأرغوني (178).
واستخدم أبو حمو الزياني الثاني المرتزقة المسيحيين في جيشه وصنفهم ضمن المماليك الخاصة بحراسته وفي هذا الصدد يقول صاحب البغية : "فاستركب الحرم وحمل الأموال واكفل بذلك الخصيان والنصارى المستخدمين" (179)، وقد وجد عاهل أرغون فائدة كبيرة في وجود الفرق العسكرية المسيحية، في خدمة الدولة الزيانية وغيرها، لأنه كان يأخذ ضرائب غير مباشرة، عن رواتبهم يقسمها العاهل الزياني (180). كما كان الجند بدورهم، يقدمون جزء من زواتبهم للخزينة الأرغونية (181). وكانت رواتب هذه الفرق المسيحية، الملازمة للخدمة مرتفعة، بحيث تتراوح ما بين خمسة دنانير وخمسين دينارا ذهبا في كل شهر (182)، وكان ملوك أرغون، حريصين على تعيين قيادات الجند بأنفسهم، وعزلهم حسب مشيئتهم، وكانوا يطالبون في كثير من الأحيان، بمد نفوذهم إلى قيادات الجند النصارى المرتزقة العاملين بالمغرب الأوسط، وبعاصمته تلمسان على وجه الخصوص، أو المارين بها مهما كانت جنسياتهم الأوروبية (183).
وقد دعم هذا التعاون العسكري، بين أرغون وتلمسان بمعاهدة، تنص على أن الملك الأرغوني، حامي كل المسيحيين المتواجدين بالمغرب الأوسط، بينما يتولى ملك كتالونية رعاية مسيحيي البحر المتوسط الآخرين، كالإيطاليين والفرنسيين في دول أخرى (184).
والظاهر أن الجند المرتزقة، كانوا يسكنون، في حي منفصل خاص بهم، يعرف بربض النصارى (185)، وكانوا يتمتعون بأداء شعائرهم الدينية، ويديرون شؤوتهم بأنفسهم، كما كانوا معفيين من جميع الضرائب والرسوم الجمركية، ويخضعون لسلطة قوادهم القضائية (186).
ويشير برنشفيك، بأن قواد المليشيات المسيحية في الدولة الحفصية، كانوا يملكون عقارات وأملاكا عمرانية، وبعض الاقطاعات (187)، ويبدو أنهم بحكم إقامتهم الطويلة في بلاد المغرب، يكونون قد تأثروا ببعض العادات المحلية وخاصة منها اللباس، ولكنهم ظلوا على نصرانيتهم، كان سلاطين تونس يدعون زوجات الجند المرتزقة، المرتديات للملابس الإسلامية إلى القصبة لحضور الحفلات العائلية (188).
وكان المسلمون يستخدمونهم في حروبهم ضد الدول المجاورة، أو ضد القبائل الثائرة، أو ضد النصارى أنفسهم، ولعل رد فعل المسلمين، عن خدمة هذه الفرق العسكرية المسيحية، لسلاطين الدولة الزيانية لم يكن واضحا، بل ربما لم يكترثوا بهم في كثير من الأحيان (189).
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 27/10/2010
مضاف من طرف : tlemcenislam
المصدر : www.almasalik.com