الجزائر

"الجلفة إنفو" تحاور الأستاذ القاصّ "طالب علي" وتستكْنهُ تجربته في أدب الأطفال والكتابة المسرحية الهادفة




لا يكاد كل من يسمع اسم الأستاذ "طالب علي" الاّ ويتبادر الى ذهنه ذلك المربّي الذي نذر قلمه لأدب الأطفال ... فاكتسب فيه تجربة زاخرة زاوج فيها بين خبرته التي فاقت أربعين سنة في التدريس وبين مقدرته على تطويع ناصية القلم في الصحافة والقصّة نشرا وتأليفا طيلة أكثر من ثلاثين سنة. وهاهي قصّة "بدلة اليتيم"، الصادرة عن "دار قرطبة"، آخر ما جادت به قريحة الرجل في نهاية مارس 2015، بعد "حصاد السنين" و"سلسلة قناديل" وعدّة قصص نشرت على أعمدة الصحافة ... فكان اللقاء مع "الجلفة إنفو" في سهرة أدبية ببيته بمدينة الجلفة من أجل الحديث عن المولود الأدبي الجديد وكذلك من أجل استكناه تجربة القاص "طالب علي" والحديث عن قادم مشاريعه الأدبية والتربوية.نبدأ من الحدث الأدبي الأخير وهو صدور قصّتكم "بدلة اليتيم" التي جاءت تتويجا لاهتمامكم بأدب الأطفال ...طبعا قصّة "بدلة اليتيم" هي عمل أدبي موجّه للأطفال الصغار واليافعين خصوصا والى المجتمع الجزائري عموما كونه يعيش أزمة أخلاقية. وهي رسالة موجهة أيضا الى أولئك الذين يتشبثون بالأخلاق رغم الحاجة ورغم الخصاصة وهذا من خلال شخصية بطلها اليتيم "سعيد" الذي استطاع أن يكوّن نفسه وأن يتعلّم في المدرسة الجزائرية التي يُراد زورا الصاق تهمة بها بأنها قد خرّجت الصعاليك. و"بدلة اليتيم" هي مسار لتطور أحداث وتحدي للشاب "سعيد" الذي أصبح مديرا لشركة عمومية عمل فيها بإخلاص رغم الماديات والضغوط والمغريات وان كنتُ في الحقيقة أعني بالشركة الجزائر بصفة رمزية.أحداث "بدلة اليتيم" تعود بنا الى الأسرة والمدرسة والشارع أو المجتمع باعتبارها مؤسسات تنشئة اجتماعية للفرد ... هل يفاضل القاص "طالب علي" بين هذه المؤسسات أم أن لها نفس الحجم من المسؤولية؟بالفعل، فبطل القصة "سعيد" استطاعت أمّه أن تنشئه تنشئة اسلامية حسنة رغم فقدانه لأبيه في سن مبكّرة. وبالتوازي مع ذلك سلّطت الضوء أيضا على أهمية المدرسة من خلال شخصية المعلم الذي كان له هو الآخر القسط الوافر في نصحهم وتعليمهم وتربيتهم بكل الوسائل كالقصيدة التي نقلتها على لسان المعلّم. ولذلك أجدني أقول أنني قد حاولت من خلال شخصيات القصة أن أعالج كل السلوكيات الموجودة بالمجتمع.وقد ذكرتها وعرّجت على نتائجها الوخيمة مثل المخدرات التدخين اختلاس المال العام وغيرها.على ضوء ذلك ... هل "بدلة اليتيم" هي عتاب مبطّن لما آل اليه حال المجتمع أم توجيه لألبابه نحو أهمية التنشئة الاجتماعية؟هي في الحقيقة توجيه وارشاد وتربية لأن من يقرأ الكتاب سيجد مباشرة أن هدفه تربوي ويحمل بين طياته قيما أخلاقية. واحدى القيم اتي ركّزت عليها هي قيمة التضامن بين العمال ومديرهم التقيّ الورع الكفء والتي فنّدت من خلالها قضية أن المسؤول الشريف لا يعمّر في منصبه بل إن ذلك ممكن اذا كسب قلوب العمال بإخلاصه وقد يتضامنون من أجل بقائه.هناك قيم قد اندثرت أو كادت ... أراد "طالب علي" أن يحييها مثل نصرة المظلوم كما حدث مع "أم اليتيم" عندما اعتدى عليها السكّير أو عندما نجد قيمة النصح بالتي هي أحسن عندما خاطب الناصح السكّير بالقول "يا أخي" ... هذه قيم نفتقدها، ألا نُعاتَب على ذلك؟نعم يمكن أن نقول أن هناك عتابا ولكنه عتاب من أجل التوجيه. والكتاب يعالج ذلك من خلال النصيحة بالتي هي أحسن الى السكّير الذي أصبح فيما بعد رجلا صالحا ويسعى بكل الوسائل الى التكفير عن أخطائه. ورغم أن "بدلة اليتيم" عمل ابداعي مُتخيّل الاّ أنني ضمّنتها قصصا حقيقية على سبيل التوجيه وتثمين القيم الأخلاقية المتداولة في تراثنا المحكي كقصّة "عبد القادر الجيلالي" الذي كان في طفولته سببا في توبة عصابة أشرار فقط بسبب صدقه معهم وتنفيذه لوصية أمّه بأن لا يكذب. وكذلك قصة الوالد الذي كان ابنه سببا في توبته وقصّة "كسرى" مع الشجرة وقصّة الخادم الأمين على بستان سيّده. مع العلم أنني وثّقت في كتاباتي قصصا من تراث الجلفة مثل قصّة "أمانة النايلي" التي تحكي سيرة رجل أعاد أمانة الى صاحبها بعد نصف قرن من الزمان وكلّفه ذلك البحث الطويل والسفر الشاق،في هذا السياق كانت لكم أيضا تجربة صحفية في الكتابة عن سيرة شخصيات وعظماء ...نعم، حاولت من خلال ذلك أن أخلّد أولئك العظماء وأعمالهم الجليلة لكي تبقى نبراسا للأجيال. وقد كتبت مساهمات نُشرت في عدة صحف عن شخصيات صالحة ومخلصة في أعمالها أمثال "الشيخ شطّة"، المحاسب خالدي عبد القادر، الأستاذ مختار ابراهيمي، الإمام العسالي الذي كان يرفض تناول أي شيء في المآتم خشية أن يكون من مال ورثة يتامى أو أرامل. وسيرة "سي بلخبيزي" التي سأوظفها في قصّة أخرى بعنوان "عابر سبيل" والتي تُحاكي قصة "سي بلخبيزي" الذي كان متّهما بالبخل وبعد وفاته ظهر أنه كان من أكبر المتصدّقين في السّر في سبيل الله.اضافة الى توظيفكم لتقنية الاقتباس القصصي في الكتاب لاحظنا أيضا توظيفكم لتقنية "الفلاش باك" مثلما هو الأمر مع "السّكّير" ... فما القصد من ذلك؟بالفعل يعود السكّير في فصل آخر من القصّة ولكن بعد توبته والهدف من ذلك هو أن تلك النصيحة الطيّبة قد آتت أكلها وان طال الزمن فإننا سنجد نتيجتها. وهو ما كان مع السّكّير الذي صدق فيه قوله عزّ وجل "ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب" فصار عاملا في الشركة يكدّ ويجتهد بعد أن عاش جزءا من حياته سكّيرا وقاطع طريق.لو نعرّج الآن على الهدف التعليمياتي لقصّة "بدلة اليتيم" ... فما الذي اشتغلتم عليه أثناء التأليف خصوصا في ظل الواقع المؤسف الذي تعيشه اللغة العربية؟طبعا راعيت أن تكون اللغة التي أستعملها مفهومة لكل من يقرأ القصّة تماشيا والهدف التربوي منها. خصوصا وأنها سيجري توزيعها عبر كافة ولايات الوطن من طرف الناشر. وبالتالي فإنني أراعي في أعمالي، الموجهة للأطفال والناشئة، البعدَ المدرسي التعليمياتي للغة العربية. وقصصي موجهة الى كل مستويات التلاميذ بدءا من المتوسط ويستوعبها حتى التلميذ الضعيف.كيف تقيّمون واقع أدب الأطفال في الجزائر؟الحقيقة أن الأدب الموجه للأطفال لم يأخذ حقّه في الجزائر وكان من المفروض أن يلاقي اهتماما خاصا لسبب بسيط وهو أن الطفل هو رجل المستقبل. ولكن بالتوازي مع ذلك لدينا مشكل اسمه "المقروئية" لأن هناك كتّابا اهتموا بأدب الطفل ليبقى اللوم على الأسرة المطالبة بتشجيع الأطفال على المطالعة. وبالنسبة لي فقد آليت على نفسي أن أجتهد في أن تكون القصة مختصرة وتراعي حبّ الأطفال للألوان والرسومات في أعمالي الحالية والمستقبلية من أجل أن تكون في متناول الجميع. ويبقى على الأسرة أن تسعى الى تحبيب المطالعة للأطفال لما له من فوائد جليّة بل إن من كتبوا هم الخالدون وليس الرؤساء الذين عاشوا في عهدهم.يبقى السؤال مطروحا بالحاح في ظل أزمة المقروئية ... كيف نحبّب المطالعة الى الأطفال؟المشكل هو في كثافة البرنامج الدراسي التي تأتي دوما كحائل دون التفرغ للمطالعة. ولكن هناك مبادرات في بعض المدارس لأساتذة تطوعوا فيها بتخصيص حصص مطالعة للتلاميذ. وقد كانت لي تجربة في تحبيب المطالعة عن طريق تبادل الكتب بين تلاميذ القسم الواحد وكل تلميذ يقوم بمطالعة كتب زملائه طيلة الموسم الدراسي وتلخيصها. والقصة هي أفضل وسيلة يمكن لها أن تلعب دورا في جعل الطفل يبني قناعته لوحده بما تحتويه من ارشاد واقناع. والنبي صلى الله عليه وسلم كان يستعمل الأسلوب غير المباشر بقوله "ما بال قوم يفعلون كذا وكذا" فالقصة أسلوب غير مباشر ومجدي في تربية الطفل. والخالق عزّ وجلّ يدلّنا على استعمال القصة على منوال القصص القرآني. وبالتوازي مع ذلك لا يجب أن ننسى أن الوالدين مطالبين بأن يكونا قدوة لأبنائهما.لديكم أيضا تجربة في الكتابة المسرحية وفي كتابة القصة للأطفال عبر الصحافة... حدّثنا عنهايجرّني سؤالك الى واقع أدب الأطفال عبر الجرائد حيث كانت هناك أقسام خاصة بالأطفال بجريدتي "صوت الأحرار" و"الشعب" والصحفي القدير "عبد الوهاب حقّي" في يومية "آخر ساعة" اضافة الى الجرائد الأخرى التي نشرت فيها مثل "العالم السياسي، النبأ، الجزائر نيوز والشروق وغيرها" وقد افتقدنا هذا الدور للصحافة للأسف. أما بالنسبة لتجربتي في الكتابة المسرحية فهي في الحقيقة عبارة عن تمثيلية مسرحية وحيدة للأطفال اقتبستها من قصة "العصفورة والفخ" ويمكن أن أقتبس من أعمالي السابقة مثل "حصاد السنين" من أجل انتاج تمثيليات مسرحية هادفة للأطفال. وأستغل هذه السانحة لكي أشيد بالعمل الجبّار الذي يقوم به السيّد "بن عزوز عبد العزيز"، رئيس الجمعية المسرحية "النبراس".هل هناك أعمال أدبية أخرى يشتغل عليها القاص "طالب علي"؟هناك عنوانان موجهان للأطفال "عابر سبيل" و"من وراء الأسوار" التي سأعالج فيها ظاهرة عقوق الوالدين والرمي بهما في دور الشيخوخة. وسوف يُراعى في القصّتين عنصر الاختصار ولكن الرسومات والطباعة بالألوان قد تكون عاملا في رفع تكلفة القصة. ويضاف ذلك الى سلسلة القصص "قناديل" وهي قصص متتابعة سننشرها ان شاء الله. كما أنني بصدد جمع كل مساهماتي الصحفية وأعمالي الأدبية خصوصا وأنني قد شارفت على السّتّين من عمري ويجب عليّ أن أتفرّغ لذلك. أما في الجانب التعليمياتي اللغوي فإنني بصدد تأليف دليل تطبيقي في تعليمية التعبير الكتابي والإنشاء للتلاميذ وقد وضعت له عنوانا مبدئيا وهو "زاد المعرفة في الإنشاء" وهو نتيجة خبرة 40 سنة في التعليم. ولديّ أيضا كتاب آخر مخطوط في القواعد والنحو وضعت له عنوان "المُصوّغ في النحو العربي" وهو موجه لجميع الطلبة من مختلف المراحل الدراسية وحتى الجامعية منها.بطاقة تقنية عن قصّة "بدلة اليتيم":العنوان: "بدلة اليتيم"، الطبعة الأولى، 2015/1435النوع: أدب الأطفال واليافعينالكاتب: طالب علي / هاتف:0790377867، 0553936566الناشر: دار قرطبة للنشر والتوزيع، باب الزوار الجزائرعدد الصفحات: 63 صفحةمتوفرة في المكتبات بولاية الجلفة وعلى الصعيد الوطني




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)