عندما يحل الـ8 من مارس و عيد الحب وعيد الأم يزداد نشاطهم وتتحول محلاتهم إلى قبلة يقصدها كل باحث عن وردة جميلة يهديها لزوجته أو خطيبته أو أمه أو صديقته. وعندما تمر هذه المناسبة يجلس البائع في زاوية من محله ينتظر عودة العيد.. هكذا هي يوميات أصحاب محلات الورود، في بلد طغت عليه الاحتجاجات والأزمات ولم يعد للوردة معنى.
لقمة عيش قبل الورد
نعيش على ما نبيعه في الـ8 مارس وعيد الحب
يجمع أصحاب بيع الأزهار، أن الوضع أصبح عسيرا بالنسبة لمهنتهم، فحتى المبيعات خلال بعض المناسبات مثل الـ8 مارس أو عيد الحب والأم تراجعت. وتزداد شدة الأزمة، خلال فصل الشتاء عندما تقام الأفراح بسبب تراجع الإنتاج وحتى الأزهار المستوردة من تونس والمغرب لم تعد قادرة على سد الفراغ.
خلال جولة قادتنا إلى محلات بيع الأزهار بقلب العاصمة وبعض الأحياء الشعبية، لاحظنا أن العديد من هؤلاء الباعة اشتكوا من كساد المهنة، بسبب عدة عوامل، حيث قال بائع بحسين داي قرب مكتب البريد الأزمة مست الجميع، فالزهور كانت من الكماليات والآن أكثر من أي وقت مضى، فحتى الورود التي كانت تتزين بها مواكب الأعراس خلال فصل الصيف تراجعت مداخيلها. فالعديد من أصحاب الأعراس صاروا يكتفون ببضعة زهور وأحيانا بدون زهور إطلاقا .
زميل له بالقرب من مقر أمن ولاية العاصمة قال أين الزهور في فصل الشتاء؟ فالإنتاج يتراجع كثيرا وقليل من أصحاب المشاتل من يقترحون زهورا للبيع، أما المبيعات فتراجعت فحتى المناسبات التي كانت تزدهر خلالها المبيعات لم تعد كذلك مثل الثامن مارس و سان فالونتان فغالبا ما أغلق أبواب محلي خلال فصل الشتاء وهو ما يمثل خسارة كبيرة لا يمكن أن تسدها بضعة زهور نبيعها بمناسبة عيد المرأة .
رشيد صاحب محل في ساحة أول ماي أرجع سبب الأزمة لعدة عوامل، أهمها عزوف الناس عن شراء الأزهار. من جهة أخرى عدم تجديد المهنة أو تطويرها تسبب كذلك في هذا الوضع، فظلت مقتصرة على طرق التسويق التقليدية بعيدا عن نظم التسويق العصرية. فبعض محلات بيع الزهور كئيبة لم يستطع جمال الأزهار أن يجعلها ذات جاذبية للزبائن. وعن أزمة التزود بالأزهار في فصل الشتاء قال المتحدث المنتجون رفضوا الاستثمار في التقنيات الحديثة لإنتاج الأزهار التي تعتمد على بيوت زجاجية فيها نظام تدفئة متطور يسمح بإنتاج الأزهار على مدار السنة، وهي تقنيات معتمد عليها في تونس والمغرب، لذا يتم استيراد الأزهار منهما خلال فصل الشتاء، ما ينعكس على سعر الأزهار، حيث يرتفع سعر الوحدة الى 200 دينار وهو سعر مرتفع .
سعر الوردة من بين الأسباب أيضا
الجزائريون والأزهار...علاقة مرهونة بالكيس الأسود
الحديث عن مشاكل مهنة بيع الأزهار، يقود حتما للحديث عن علاقة الجزائريين بالورود أحد رموز الرومانسية، فتبقى العلاقة مناسباتية مرتبطة بالأفراح وأخرى مثل الثامن مارس أو عيد الحب، أما باقي الوقت فقلة قليلة من الجزائريين من يقتنون الزهور لزينة البيت. فلا يجب عزل ما تعرفه المهنة من تراجع للنشاط عن البعد الثقافي للمجتمع الجزائري، الذي لا تشكل له الورود إلا سلعة مناسبات وليس سلعة يمكن اقتناءها على مدار السنة. فرشيد بائع الورد بساحة أول ماي، يقول هناك بعض الزبائن المنتظمين الذين يقتنون الزهور بصفة منتظمة لتزيين منازلهم، وهم قليلون جدا . فالمجتمع يرفض أن يرى الرجل حاملا لباقة ورود أو وردة واحدة، فهذا سيجلب له تهكم ولاد الحومة .
وحسب رشيد الكثير من الزبائن أول شيء يسألون عنه بعد اقتناء وردة هو: هل هناك كيس أسود؟ من أجل إخفاء الوردة التي يريدون إهداءها لزوجاتهم أو حتى صديقاتهم داخل الكيس حتى لا يشاهدهم أحد حاملين هذه الورود . وفي المقابل إن كان البعد الثقافي وضغط التقاليد، عامل مهم فلا يمكن عزل ظاهرة عزوف الجزائريين عن شراء الأزهار بصفة منتظمة بسبب ارتفاع أزهارها التي تتراوح بين 100 الى 200 دينار للوردة الواحدة، ما يجعل باقة من 4 زهور فقط قد يصل سعرها الى 800 دينار وهو ما يعتبر أمر كاف لتفسير نفور الجزائريين عن تزيين بيوتهم بالروائح الطبيعية للزهور، مستبدلين إياها بزهور بلاستيكية لا تفوح لكنها لا تزول وسعرها مقبول.
بورتريه
رشيد بائع ورد بساحة أول ماي
نضطر لبيع زهور بلاستيكية لمواجهة الأزمة
من يعرف جيدا ساحة أول ماي، يعرف بكل تأكيد كشك بيع الزهور المحاذي لموقف سيارات الأجرة، المحل اعتنق عشق الزهور منذ عقود وصار إرثا يتوارثه الأبناء عن الأجداد، ولم تدفع صعاب المهنة، رشيد المسير الحالي، تطليق عنفوان الوردة الحمراء.
حين وصولنا إلى المحل وجدنا رشيد منهمكا في إعداد باقة زهور، لتكون ربما في يد أم كعربون خطوبة. استسمحناه للحديث عن المهنة فوافق دون تردد، مثلجا صدرنا بعد رفض العديد من زملائه معرفة حتى موضوع المقال. واستهل رشيد حديثه عن مهنته قائلا المهنة نتوارثها في العائلة أبا عن جد، لقد تعلمت كل خباياها بفضل والدي، وأنا اليوم أقوم بتلقين فنياتها لابن أختي الذي تشاهدون ينهمك في العمل بالمحل .
عائلة رشيد تمارس نشاط بيع الأزهار منذ سنوات السبعينات تقريبا، وعن وضع المهنة قال الأمور تغيرت الوضع أصبح صعبا، شاهد خلفي هناك ورود بلاستيكية نضطر لبيعها لرفع المداخيل أمام تراجع حجم البيع بسبب عزوف الكثير عن شراء الأزهار، فحتى مناسبات مثل 8 مارس وعيد الحب تراجعت خلالها المبيعات، فمنذ أسابيع مرّ عيد الحب ولم نستقطب فيه عدد كبير من الزبائن كما جرت عليه العادة خلال سنوات مضت .
واستدل مستضيفنا أغلب المحلات التي نعرفها هي محلات يعود ظهورها لعشرات السنوات، فعدد قليل من متاجر بيع الأزهار رأت النور مؤخرا، وقد لاحظتم أن أغلب أصحاب المحلات هم رجال متقدمين في السن، فالشباب يعزفون عن هذه المهنة المتعبة وذات الربح القليل .
ورغم هذا لا يريد الشاب رشيد التفريط فيها من المحال أن أغيّر نشاطي. فبالنسبة لي بيع الأزهار ليس تجارة بل فن، أنا أعشق الزهور ولن أفرط فيها .
شاهد من أهلها
رئيس اتحاد التجار والحرفيين الجزائريين لـ الخبر
بائعو الورود بحاجة لتنظيم يدافع عنهم
قال رئيس اتحاد التجار والحرفيين الجزائريين، صالح صويلح في تصريح لـ الخبر ، أن مهنة بيع الورود هي من المهن التي يرفض أصحابها الالتحاق بأي تنظيم نقابي أو هيكل يدافع عنهم وعن مهنتهم رغم حاجتهم الماسة لهذه التنظيمات.
في رأيكم ما هو السبب الذي يمنع بائعو الورود من الانضمام لتنظيم نقابي؟
للأسف أصحاب محلات بيع الزهور ظلوا يرفضون الانضمام إلى الاتحاد الذي يمثل كافة التجار الجزائريين باختلاف نشاطهم، والأمر لا يتوقف عند هذا الحد، إذ لا يوجد أي تنظيم سواء نقابة أو فدرالية تمثلهم مما يسمح بهيكلة النشاط.
هل لديكم حصيلة أو عدد الحرفيين الذين ينشطون في هذا القطاع؟
على حد علمي هناك عدد قليل وقليل جدا من محلات بيع الزهور، كما لاحظنا تراجع عدد المحلات لأسباب مختلفة.
في نظركم ما هو سبب هذا التراجع ؟
ربما قد يكون راجع لعدم هيكلة الحرفة عبر تنظيم يحرص على حماية حقوق أصحابها، كما أن هذا النشاط أصبح يصادف مشاكل ترتبط أساسا بعقلية الجزائريين وثقافتهم، إذ لم يعد هناك إقبال كبير من قبل الجزائريين على اقتناء الورود إلا في بعض المناسبات.
انتشار غير عادل للمحلات
حرفة ترفض اقتحام الأحياء السكنية الجديدة
المتتبع لانتشار محلات بائعي الورود يلاحظ أنها متركزة في الأحياء العتيقة وقلب المدينة، فيما تعرف الأحياء الجديدة ندرة كبيرة في متاجر بيع الأزهار وأحيانا انعدامها إطلاقا. ما يمكن اعتباره هاجسا آخر في وجه انتشار ثقافة الزهور، فالكثير من محلات بيع الأزهار رأت النور في سنوات الستينيات والسبعينات، وبعضها إبان الحقبة الاستعمارية، في حين أن الأحياء التي رأت النور في العشريتين الأخيرتين وحتى الثمانينات بقيت تعرف نفور أصحاب المهنة توسيع نشاطهم إليها إلا في حالات نادرة.
ولا يمكن عزل الظاهرة، عن الأزمة التي تعرفها هذه المهنة المصنفة في خانة التجارة غير المربحة، فافتتاح محل بيع مأكولات سريعة في أحد الأحياء الجديدة يدرّ أموالا أكثر من بيع الورود.
أغلبهم رفضوا الحديث إلينا
شيوخ يديرون المحلات وحظ البائعات ليس اليوم
من بين العوامل التي قد تعجل باندثار مهنة بيع الأزهار، هو أن حوالي 80 بالمائة من ممارسيها شيوخ، فيما يعزف الشباب عنها بسبب مشقتها. فخلال الجولة التي قادتنا إلى أغلب أكشاك الزهور بقلب العاصمة، لاحظنا أن الأغلبية عبارة عن شيوخ رفضت الأغلبية الساحقة منهم الحديث إلينا بعض استظهار البطاقة المهنية، رغم أننا جئنا للحديث عن محن مهنتهم. وإن لم يقم البعض بتوريث المهن لأبنائهم لاختفت المهنة منذ فترة، فرغم عدد المشاريع المعتبرة التي تموّنها مختلف صناديق الدولة في مقدمتها مشاريع وكالة دعم الشباب، يمكن الجزم أن لا أحد اقترح فتح محل بيع زهور، في مقابل عشرات محلات بيع البيتزا والحلويات. والسمة الثانية للمهنة، أنها تقريبا مائة بالمائة رجولية فلا وجود للعنصر النسوي تقريبا فيها، رغم أن المهنة تحمل في طياتها الكثير من الأبعاد التي قد تجعلها أقرب إلى النساء من الرجال. وقد يفسر هذا بمتاعب المهنة التي تفرض التنقل بين مختلف المشاتل بانتظام لاقتناء السلع من مختلف الورود ونباتات الزينة.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 06/03/2012
مضاف من طرف : sofiane
صاحب المقال : فاروق غدير
المصدر : www.elkhabar.com