الجزائر

الجزائريون اختاروا الهنا



الجزائريون اختاروا  الهنا
رغم ما يقاسيه الكثير من الجزائريين من ضنك العيش ومن سوء في الأحوال المالية والاجتماعية ومن أزمات في السكن والشغل والبيروقراطية وما إلى ذلك من اليوميات الصعبة، إلا أنه مع ذلك لا يزال الجزائري بطبعة يتخذ من الصبر فلسفة له ويرفض الانجرار وراء نداءات حزبية أقل ما يقال عنها أنها تفتح باب المغامرة على المجهول، كما كان الشأن مع دعوات المسيرات . ولم يكن الرفض لتلك المسيرات التي لم تستقطب إليها الحشود المنتظرة من الشعب، رغم مشروعية المطالب العلنية المرفوعة فيها، راجع لكون الجزائريين يكرهون الحرية ولا يحبون الديمقراطية ولا يعشقون الشفافية وما إلى ذلك من المبادئ المكرسة لحقوق الإنسان، وإنما جاء عزوفهم لأنهم يفضلون الهنا حتى وإن نام بعضهم وهو جوعان، على أن يملأ بطنه ويقضي ليلته في كوابيس يحلم بزوار الليل باعتبار أنه تجرع من نفس الكأس لأكثر من عشريتين. ومثلما يقال في المثل الشعبي لي قرصو الحنش يخاف من الحبل ، فالجزائريون الذين اكتووا بنار الإرهاب واللاأمن واللااستقرار ودفعوا الفاتورة بالجملة وليس بالتقسيط لوحدهم، من الصعب عليهم اليوم وهم يقتربون كلية من الخروج من النفق المظلم أن يهدموا بيوتهم بأيديهم ويتركوا المعلوم وينقلبوا متراجعين إلى عهد المجهول، لأنهم مقتنعون إلى حد اليقين بأن عصفورا في اليد أفضل بكثير من عشرة فوق الشجرة. لم يعد الجزائريون كسابق عهدهم الريح اللي تجيء تديهم كما كان الأمر في بداية التسعينات، ومن يتصور ذلك فهو أكثر من مخطئ ويعيش في كوكب آخر غير الذي يعيش فيه السواد الأعظم من الجزائريين. صحيح أن العشرية الحمراء أو السوداء أذابت الشحم ونخرت العظم وتركت آثارا وندوبا وجروحا على أجسام وذاكرة الشعب الجزائري، لكنها محن لم تزده إلا قوة وفطنة ومقدرة على التفريق بين العود الأخضر الذي يأتي منه الخير، وبين العود اليابس الذي يستعمل في إطالة عمر الحريق. وإذا كان هناك من درس يجب استخلاصه من رفض الجزائريين السير في مسيرات تسبح عكس التيار، فإنه درس يكشف عن عدم استعداد الجزائريين التخلي عن نعمة الهنا تحت أي عنوان أو أي يافطة سياسية مهما كان شكلها ولونها وطعمها، ومن لم يفهم هذه الرسالة فهو شخص أعمى البصر والبصيرة .




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)