يشكل محمد غارن حلقة فريدة من نوعها في صراع الذاكرة التاريخية لفرنسا إبان الحقبة الاستعمارية في الجزائر، وخاصة خلال الثورة، فقد استطاع هذا الجزائري أن يفتك من العدالة الفرنسية قرارا تعترف له فيه بأنه كان نتاج اعتداءات جماعية قام بها أفراد من الجيش الفرنسي في حق والدته، ليتم التأكيد، من خلال القرار، بأن عمليات الاغتصاب كانت من بين الممارسات المعتادة في الجيش الفرنسي.
مأساة محمد غارن ووالدته ''خيرة'' التي ستنظر فيها المحكمة الفرنسية مجددا بعد أسابيع، كشفت خبايا قضية ظل مسكوتا عنها لسنوات ومن الطابوهات لدى المؤرخين، ويتعلق الأمر بالاغتصاب وحالات هتك الأعراض التي ذهبت ضحيتها جزائريات، ذنبهن أنهن وجدن في المكان الخطأ خلال عمليات تمشيط كان يقوم بها الجيش الفرنسي في الأرياف والقرى، وهم يدركون بأن أقصى وسيلة للإهانة هي هتك العرض بالنسبة لسكان هذه المناطق المحافظة.
معركة الجزائري محمد غارن بدأت من رحم المأساة التي عاشها، والتي ترجمها في كتاب صدر عن دار ''هارماتان'' بعنوان ''فرنسي عن طريق الجريمة.. إنني أتهم''، منذ طفولته حيث صنف كيتيم الأب والأم.
وعرضت قصة الجزائري محمد غارن، أول أمس، خلال حصة تلفزيونية لقناة ''فرانس ''2 التي تحمل عنوان ''أسرار العائلة''، هذا الطفل الذي عاش يتيما، ثم تخلت عنه عائلته التي تبنته منذ 1965 اكتشف بأن أمه الأصلية ''خيرة'' لاتزال على قيد الحياة، فسعى للقائها. ولكن فرحة اللقاء لم تكتمل في أعقاب بحثه المضني لمعرفة والده الأصلي، الذي قيل له بأنه الشهيد عبد القادر بوشناق.
ولكن رغبته في البحث عن الحقيقة سرعان ما صدمته مجددا أمام محكمة بالجزائر، حينما اضطرت الوالدة إلى كشف المستور الذي دفن في أتون التاريخ الاستعماري، بأن الولد كان نتاج اغتصاب جماعي لوحدات من الجيش الفرنسي، اعتقلوا الأم ''خيرة'' التي لم تبلغ 15 ربيعا آنذاك، وتم اقتيادها إلى محتشد ''ثنية الحد'' في إطار عملية شال العسكرية، حيث اغتصبت مرات عديدة ما بين 1959 و1960 قبل أن تحبل، ثم تهرّب من قبل إحدى الممرضات الفرنسيات إلى مستشفى العطاف، بعد أن حاول الجنود الفرنسيون إخفاء جريمتهم بمحاولة إجهاضها. بعدها، قيل للأم بأن الولد ''محمد'' توفي، بينما نقل الرضيع إلى ملجأ ''سان فانسون دو بول'' بالعاصمة في .1960
واعتبر المؤرخ الفرنسي ''ألان روسيو'' خلال الحصة التي بثتها القناة الفرنسية، أن ''الاغتصاب ظل في الذاكرة الفرنسية من الطابوهات، وأن الاغتصاب الجماعي في مناطق المواجهة والمعارك كانت قائمة في محاولة لكسر إرادة السكان وإذلالهم، وكانت أيضا شكلا من أشكال الردع والقمع والإهانة، وكانت المصالح المختصة في مجال الرعاية النفسية في الجيش الفرنسي على علم بمثل هذه الممارسات، وفي غالب الأحيان كان الضباط السامون يتغاضون عن الأمر''.
ويخوض محمد منذ 1999 معركة قضائية في فرنسا، بعد أن قام بتوكيل المحامي جون إيف حليمي، حيث ظل يؤكد ''إنني فرنسي عن طريق الجريمة، ويجب على فرنسا أن تعترف بذلك''. ولكن الاعتراف بالذنب واجهه مشكل العفو الصادر من قبل الجنرال ديغول في 31 جويلية 1968، والذي يمنح الحصانة لمرتكبي الجرائم من الجيش الفرنسي. ومع ذلك، حصلت ثغرة من خلال الحكم الصادر لصالحه من قبل محكمة باريس، ليمنح له تعويض رمزي. ويواصل محمد غارن معركته القضائية ليفتك اعترافا صريحا بأنه كان ضحية لممارسات وحشية، تغاضى عنها الساسة والمؤرخون، واقترفها أفراد من الجيش الفرنسي إبان الاستعمار.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 21/01/2012
مضاف من طرف : sofiane
صاحب المقال : الجزائر: حفيظ صواليلي
المصدر : www.elkhabar.com