الجزائر

الجزائر دولة محورية مشكلة وليس امتيازابين التزامات الجيش الدستورية وبين التحديات الأمنية في الجوار



تعيش الجزائر معادلة أمنية صعبة، من جهة الجيش مطالب دستوريا بعدم التدخل خارج حدود البلاد، ومن جهة وجود تحديات أمنية خطيرة على الحدود بدول الجوار التي تعرف فوضى أمنية وانتشار السلاح وبداية نشوء جيوب للنشاط الإرهابي في جنوب ليبيا أو في جبل الشعانبي بتونس أو حتى في النيجر وشمال مالي. هذه التحديات الأمنية الجديدة فرضت على الجزائر عبئا آخر، فأن تكون دولة محورية في المنطقة هو مشكلة قبل أن يكون امتيازا، وهو ما تجلى في الزيارات المكوكية لمسؤولي دول الجوار إلى الجزائر بحثا عن دعم لوجيستي ومعلوماتي لمواجهة الاعتداءات الإرهابية التي خلّفت قتلى في تونس واحتلال طيلة أشهر في مالي واضطرابات في ليبيا وصلت شظاياها إلى الجزائر، كما كان الحال في الاعتداء على المنشأة الغازية في تيڤنتورين من قبل إرهاب متعدد الجنسيات.بين واجب التنسيق ومبدأ عدم التدخل في شؤون الدول
عقيدة ”عدم التدخل” تقيّد قدرة الجزائر في المناورة
تواجه الجزائر معادلة أمنية صعبة في كيفية التوفيق بين واجب التنسيق الأمني مع دول الجوار والالتزام بعقيدة عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، سواء كان ذلك على الصعيد السياسي أو العمل العسكري المباشر، مما يجعل الجزائر في النهاية أشبه بالمتفرج على ما يحدث من تنامي للخطر الإرهابي في دول الجوار.
لم يكن أمام الجزائر من خيار لمواجهة التحديات الأمنية أمام ما تعلنه من ثوابت في السياسة الخارجية بعدم التدخل في شؤون الآخرين، إلا إنشاء نوع من الاجتماعات الأمنية داخل هيكل الإتحاد المغاربي على مستوى وزراء الداخلية، كانت تلك الفرصة الأمثل للجزائر في متابعة سياسات مكافحة الإرهاب في بلدان الجوار في إطار متعدد الأطراف دون أن يشكّل ذلك تعارضا مع مبدأ عدم التدخل. وفعلا عقدت اجتماعات في ليبيا والجزائر العاصمة من أجل وضع خطة مغاربية تضطلع بمهام محاربة الإرهاب بعد أن وضعت ”ثورات الربيع” أوزارها في كل من تونس وليبيا ومصر.
الواضح أن تلك المبادرة المغاربية التي ألّحت الجزائر حولها قد ذهبت أدراج رياح العلاقات المتدهورة مع المغرب، مما يفسر عودة الجزائر إلى سياسة العلاقات الثنائية المباشرة مع ليبيا وتونس وخلق مبادرة ثلاثية ولدت في غدامس الليبية قبل أشهر، إلا أن تطور الأحداث أثبت أن ملف الإرهاب في تنام مستمر وأن حركة السلاح لم تتوقف وأنه أيضا ليس في مقدور الحكومات الجديدة المنبثقة عن التغييرات العربية مواجهة الجماعات الإرهابية.
ومن جديد ستكون عقيدة الخارجية الجزائرية الموروثة عن السنوات الأولى للاستقلال بعدم التدخل في شؤون الدول، وأن الجيش لا يحارب خارج حدود الدولة أوعائقا أمام الجزائر في وضع تصورات إقليمية في مواجهة المخاطر الأمنية، والمنطق يفرض أن تشارك الجزائر صاحبة الخبرة الطويلة في التعامل مع الجماعات الراديكالية المتطرفة وفي رسم مسارات تعاون من أجهزة الأمن الدولية وفي مراقبة مصادر تمويل الإرهاب ونقاط التقاطع بين مختلف الجماعات الإرهابية دوليا. إلا أن التجربة أثبتت في ظروف كانت تبدو أسوأ من العوامل الراهنة، أن الجزائر غير مستعدة للتنازل عن مبادئ عدم التدخل في شؤون الآخرين، مما يجعلها أمام رهانات جديدة مع كل من ليبيا وتونس بالخصوص، وهذا الرهان يفترض نجاحه أن يتولد لدى هذين البلدين قرار سياسي عميق بمحاربة الظاهرة، أسباب نشأتها وموارد تمويلها، وقد تشكّل زيارة كل من رئيس الوزراء الليبي علي زيدان وأيضا وزير الخارجية التونسي علي جراندي إلى الجزائر في الأيام القليلة الماضية، مؤشرا في سياق تجاوز معادلة عدم التدخل في شؤون الغير والتي قد تقوّض إلى حد كبير قدرة الجزائريين في المناورة.
حدود شرقية ملتهبة و«رمال” إرهابية متحركة
الجزائر في مواجهة الانفلات الأمني بدول الجوار
تعتبر فرنسا في تقرير برلماني أعدّه عضوا مجلس الشيوخ الفرنسي جيرار لارشي وجون بيار شوفنمان، أن الجيش الجزائري الأقوى في منطقة الساحل، ولكن ذكر أيضا ”من الواضح أن تنظيم القاعدة هو عدو مشترك لدينا” أي بين الجزائر وباريس، وفي ذلك رسالة مشفرة من أصحاب التقرير للدور الحاسم المطلوب من الجزائر ”لاحتواء مشكلة الإرهاب في منطقة الساحل”.
رغم تلقي عضوا مجلس الشيوخ الفرنسي رسالة واضحة من المسؤولين الجزائريين خلال زيارتهم الأخيرة للجزائر في 5 جوان الفارط، بأن الجيش الجزائري ”لا يتدخل خارج حدود البلاد”، وهو الموقف الذي قال شوفنمان أنه يقدّره ويحترمه، غير أن ذلك لا يعني زوال الضغوط الممارسة ضد الجزائر، من أجل أن يكون لها دور ”حاسم” مثلما جاء في التقرير البرلماني لمجلس الشيوخ الفرنسي حول منطقة الساحل، ويتجاوز الدور الحالي الذي اقتصر على تبادل المعلومات الاستخباراتية وفتح المجال الجوي للطائرات الحربية الفرنسية للعبور إلى شمال مالي في حرب جانفي ضد الحركات الإسلامية. لكن حتى وإن واجهت الجزائر تلك الضغوط بالالتزامات التي يقرّها دستور البلاد الذي يمنع أي دور للجيش الجزائري خارج حدود البلاد، فإن التحديات الأمنية التي تولدت عن غزو ليبيا وما انجر عنها من تهريب لأطنان السلاح التي وصلت إلى شمال مالي وتنقّل بعضها إلى جبل الشعانبي في تونس، قد فرض على قيادة الجيش تغيير عقيدتها القتالية، من خلال تحصين الحدود الشرقية ما بين مالي، النيجر، ليبيا وتونس، عن طريق رفع تعداد قوات الجيش بأضعاف مضاعفة، الأمر الذي جعل ميزانية الدفاع والأمن تقارب ال 10 ملايير دولار.
ولم تتوقف الأمور عند هذا الحد، بل كان لحادثة الاعتداء على المنشأة الغازية بتيڤنتورين في جانفي الفارط، محطة مفصلية أخرى في الجزء الظاهر من جبل التحديات الأمنية التي قدمت مع ما يسمى بأحداث الربيع العربي والتي يتعين التعامل معها بمنظور أمني شامل وليس بمنطق خطط أمنية ظرفية ومتقطعة، بعدما كشفت الحادثة حسب التقرير البرلماني الفرنسي، أن المجموعة الإرهابية لمختار بلمختار في اعتدائها على المركب الغازي بعين أمناس ترمي إلى ”التحول إلى الإرهاب الدولي”. وأثبتت نتائج حرب مالي أن التنظيمات الإرهابية مثل الرمال المتحركة، بحيث انتقلت من شمال مالي لتضرب في النيجر ولتنشئ جيوبا لها في جنوب ليبيا، كما جاء في تقرير رسمي للاتحاد الأوربي، وانتقل حتى إلى تونس، حيث سجل عناصره تواجدهم في جبل الشعانبي المحاذي للحدود الجزائرية، وهو ما يتطلب استراتيجية مشتركة حتى لا تبقى المناطق الحدودية خارجة عن القانون وعن رقابة الدول.
حوار
الدكتور في معهد العلوم السياسية أحمد عظيمي ل ”الخبر”
”عندما تساعد الجزائر تونس فهي تؤمّن حدودها”
هل الجزائر إزاء معادلة أمنية جديدة مع بؤرة توتر جديدة في الشعانبي على الحدود مع تونس؟
الحدود مع تونس كانت هي الحدود الأكثر استقرارا مقارنة مع باقي دول الجوار ليس لدينا أدلة، لكني أعتقد أن هناك مخططا يتجاوز دول المنطقة يستهدف استنزاف الجزائر، أنا دائما أعيد طرح نفس السؤال، لماذا تتزامن نشاطات القاعدة مع ظروف معينة، وابتداء من هي القاعدة ومن يموّلها، ليس من باب فكر المؤامرة، لكن ما وقع في تونس غير بريء، هناك أطراف دولية تريد إبقاء الجزائر في حالة استنزاف، وهناك ما يعرف ب ”خريطة الدم” أو ”سايكس بيكو 2” موجودة على الأنترنت وضعها جنرال أمريكي كان مسؤولا في القوات البرية أمريكية، يوضح فيها كيفية إعادة تقسيم المنطقة العربية، بحيث لا تبقى أي دولة عربية كبيرة، وبعد تدمير العراق وسوريا، تبقى الجزائر هي أكبر بلد عربي وإفريقي مستهدفة، وللأسف السلطة في الجزائر تساعد على ذلك عن غباء أو عن جهل وعن عدم إدراك بحجم المخاطر.
وزير الخارجية يؤكد أن الجيش الجزائري لن يقوم بأي عمليات قتالية خارج الحدود، إلى أي مدى يمكن لهكذا سياسة دفاعية أن تكون ذات جدوى ...؟
هذه مسألة تقليد وموقف جميل لأننا لا نتورط في قضايا الخارج، لاحظ أن الوضع في مالي خلق لتوريط الجيش الجزائري، واختطاف الدبلوماسيين الجزائريين في غاو كان يستهدف توريط واستدراج الجيش الجزائري، مع تفعيل التعاون والتنسيق الأمني، لم يكن مطلوبا التدخل القتالي، بقدر ما هو مطلوب دبلوماسية نشطة تقرأ الوضع وتستبق الأحداث. ما وقع في مالي كان يمكن أن لا يقع، وكان لا يجب ألا يقع الانقلاب على الرئيس المالي، وكان يمكن تجنّب سيطرة المجموعات المسلحة على الشمال وتجنّب خطف الدبلوماسيين، لو قدّرت الجزائر بحق حجم المخاطر ميزانية الجيش المالي 100 مليون دولار، كان يمكن للجزائر أن تتبرع بها، وأن تحافظ على شرعية السلطة في مالي، وتتجنب كل هذا التوتر وتداعياته.
كيف يمكن الموازنة بين التنسيق الأمني والعسكري دون الإخلال بمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية ..في حالة تونس مثلا ..؟
التنسيق الأمني والعسكري يتم مع دولة ومع مؤسسات، ولا يسمح لنا أن نتدخل في الشأن الداخلي لتونس، سواء الذي يحكم في تونس النهضة أو غيرها، وإنما نتعامل مع مؤسسات رسمية ودولة لدولة وحكومة مع حكومة، في تونس ليس المطلوب أن يقاتل الجيش الجزائري داخل التراب التونسي، لكن يجب أن نساعد تونس اقتصاديا حتى لا تنهار، ونساعدها بالسلاح والخبرة، لأن الأمر يتعلق بتونس كدولة شقيقة وقفت معنا خلال الاستعمار، وعندما تساعد الجزائر تونس، فهي تؤمّن حدودها.
حوار: عثمان لحياني
أستاذ العلوم السياسية بجامعة ورڤلة قوي بوحنية ل ”الخبر”
الجزائر تواجه تزاوج الجريمة والإرهاب وعليها تفعيل الدبلوماسية الأمنية”
بعد أزمة مالي، جبهة توتر جديدة في منطقة الشعانبي، هل الجزائر بصدد استنزاف أمني جديد...؟
الجوار الإقليمي الجزائري للأسف يشتعل بشكل متدحرج ككرة الثلج لأسباب عديدة، منها فشل المنظومة الأمنية المتبعة لهذه الدول في ضبط ومراقبة الحدود وقلة الاحترافية التي يتم التعاطي معها في قضايا استتباب الأمن، خصوصا في حالة مالي. ومع تداخل الجانب الأمني بالجانب السياسي، وقع هذا الانفلات في مالي ثم تونس مؤخرا. وأمام هذا الوضع الذي يصعب التنبؤ بنتائجه، تجد الجزائر نفسها تدفع فاتورة الجوار وهي المعادلة التي لم تكن يتوقع أن تهبّ أعاصيرها من الجار الشرقي التونسي, إن التحدي الكبير الآن هو ذلك التزاوج بين نوعين من الجريمة والإرهاب، أولها الإرهاب الاقتصادي المتمثل في الجريمة المنظمة وتهريب كل أنواع السلع والوقود بشكل يستنزف الاقتصاد الجزائري، والإرهاب الثاني المتمثل في العنف المسلح، لذلك لجأت الجزائر إلى تفعيل دور الجيش في تطويق وزيادة حراسة الحدود منعا للجرائم السالفة الذكر وهذه المهمة مركبة ومزدوجة تحتم احترافية أمنية أكبر أمام هذه الأوضاع المتوترة.
الجيش لا يستطيع القيام بعمليات قتالية خارج الحدود، هل يمكن للجيش أن يبقى في وضع دفاعي في هكذا حالات توتر لها انعكاس مباشر على أمن الجزائر..؟
الجيوش الوطنية تحدد مهامها الدساتير والقوانين وكذلك الأنظمة الداخلية الناظمة لآلية تحركها وطرق تدخلها ومختلف ميكانزمات التعاون المشترك، وفي الحالة الجزائرية الأمور محسومة وواضحة. فالدستور حدد بوضوح مهام قوات الجيش في صيانة الحدود وضمان السيادة، لكن في مثل هذه الحالات الأمنية المتوترة والتي لها انعكاس على الداخل الجزائري، وفي حالة تفاقمها قد تلجأ المؤسسة العسكرية وبناء على ما تربطها من اتفاقيات مع دول الجوار إلى مراجعة بعض آليات العمل السابقة والتصرف وفق ما تحدده النصوص القانونية والدستورية وقد تابعنا في الزيارة الأخيرة لكبار المسؤولين في تونس، تحويل أغلب اتفاقيات التعاون إلى اتفاقيات استراتيجية، وهو ما يعطي بعدا جديدا للعمل التعاوني المشترك في مختلف القطاعات، بما فيها القطاع الأمني، ومع ذلك، فأنا أرى ضرورة تطوير المنظومة الأمنية لكل دولة بالموازاة مع تطوير اتفاقيات التعاون المشترك.
كيف يمكن للجزائر التوفيق بين معاجلة واجب التنسيق الأمني والعسكري وعدم التدخل في الشؤون الداخلية..؟
الجزائر كدولة محورية ليس أمامها إلا تفعيل الدبلوماسية الأمنية وذلك بتعزيز الاتفاقيات الاستراتيجية الثنائية والجماعية بشكل يقضي بشكل تدريجي على كل أنواع الجريمة المنظمة العابرة للدول وتماشيا مع ذلك إيلاء أهمية لتفعيل آليات المراقبة التقنية الذكية للحدود، وهو ما أخذت به قوات الجيش والدرك الجزائري في الآونة الأخيرة، ويجب أن يترافق ذلك مع سعي سياسي جماعي حثيث يتمثل في تفعيل المنظمات المغاربية والإفريقية كالاتحاد الإفريقي ومجلس الأمن والسلم الإفريقي والاتحاد المغاربي دون إغفال الجانب الإجرائي المتعلق بتعزيز آليات عمل دول الميدان وتطوير منظومة إقليمية ترتبط بالأبحاث الأمنية في مجال الأدلة الجنائية.
حوار: عثمان لحياني


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)