الجزائر، أكبر بلد جغرافيا في إفريقيا، يثير المطامع والأطماع، جربت برامح وسياسيات ولبست أطقما لا تناسب جسدها سياسيا، اقتصاديا واجتماعيا طوال خمسين سنة بعد الاستقلال، ولم تظهر لها صورة تُعرفُ بها وتُعرّف الغير بها.. بعيدا عن نفطها وغازها.
هي البلد الوحيد الذي انتقلت فيه الانقلابات من أعلى هرم السلطة في ستينات القرن الماضي، إلى قمم الأحزاب في الألفية الثالثة، باسم ما يسمى “التصحيحات”، والهدف منها الحصول على أحزاب “موالاة”، أو على الأقل أحزاب غير مزعجة.
وهي البلد العربي الوحيد، الذي تتحدث فيه الأحزاب بمناسبة الانتخابات، (من الموالاة إلى المعارضة) عن مخاوف عزوف الشباب في الانتخابات ولا تتكلم عن “عزوف” الشباب (اللاإرادي) عن الزواج والأمل.. بسبب أزمة السكن والشغل.. وأزمة أفق لا يرى فيه الجزائري ما يخرجه من حالة “ابن الكلب” إلى حالة المواطنة، على رأي الكاتب علي رحايلية.
وهي الاستثناء ربما الوحيد من المحيط إلى الخليج من حيث أنها تُلقح رؤوس الوزارات بالتعيين في زمن الديمقراطية، والتغني بالتعددية التي يفترض أنها تفرز أغلبية حاكمة تعود لها الحقائب الوزارية بشكل آلي مع منتصرين آخرين في الانتخابات. والغريب أن الاستوزار على الطريقة الجزائرية صار ظاهرة ينبغي تدريسها في الجامعات من باب تفادي تكرارها: وزراء يعودون من الباب بعد الخروج من النافذة، ووزراء يدومون في المناصب رغم سقوط حكومات متعاقبة (نموذج وزير التربية السابق ابوبكر بن بوزيد بعشرين سنة وزيرا). وزراء بعدد فاق 900 وزير) بحساب الأسماء التي تتكرر مع توالي الحكومات منذ الاستقلال، أي في خمسين سنة!.
والجزائر هي البلد العربي الوحيد، أقول الوحيد، الذي سمح لجامعاته بتدريس مقياس لا علاقة له بالماضي، لا بالحاضر ولا بالمستقبل، وهذا المقياس دُرّس على مدار عشرين سنة في الجامعات الجزائرية، وباقتراح من وزير أسبق، واسمه “تكوين التخلف”!.
وهذه البلاد، التي ضحى من أجلها مليون ونصف المليون شهيد على الأقل، أصبحت تُفاوض الأوروبيين، الأمريكيين، الروس، الإسبان والصينيين على من يأتي إليها ل”الاستثمار”، مقابل صفقات لا تقل كلفة أصغرها عن مليار يور أو دولار. ومع هذه الأبواب المفتوحة على الآخر وفد إليها من يغير تركيبتها السوسيولوجية لاحقا: 40 ألف صيني قدموا باسم المساهمة في البرامج السكنية، وانتهوا بإقامة وأولاد، ما يعني أننا قبالة “تشاينة تاون” لم تسم بعد!.
وفي بلاد الأمير عبد القادر تُحصي وزارة الداخلية 1541 بلدية “تنتج” آلاف الاحتجاجات بسبب السكن والطرق المهترئة، بلديات باضت أكثر من 1600 منتخب في المجالس البلدية متابع قضائيا بتهم تبديد أموال عمومية وإبرام صفقات مشبوهة، يعني أكثر من 1600 لص منتخب!.
وبين 1962 و2012 جرّب المتنفذون اشتراكية نزعت الأرض من المزارع، ورُبطت بطون الجزائريين بموانئ لا تعرف غير الاستيراد-استيراد. وجربت البلاد مذاق اللبرالية الشرسة مع أول حبات كيوي وموز وُزّعت على الفقراء بدعم من الدولة في ثمانينات القرن الماضي! وجرّبت حربا أهلية رهنت مستقبل الأجيال بيد صندوق النقد الدولي في التسعينيات، ومن الغرابة أن يتحول هذا الصندوق من قارض للجزائر إلى طالب قرض منها في 2012!.
وها هي “سوناطراك” (شركة المحروقات الوطنية) تتحمل همَّ مصاريف البلاد، وهبها الله سعة في الصدر وارتفاعا في أسعار البترول في الأسواق الدولية منذ أواخر 1998، فوفرت للبلاد ما يزيد عن حاجتها.. وهي عينها الشركة التي ساهمت في وضع أكثر من 200 مليار دولار على جنب (احتياطي الصرف) فأثارت لعاب صندوق النقد الدولي، باريس، واشنطن، بكين، روما، موسكو.. وغيرها، ومنه بات اسم الجزائر معفيا (بفضل سوناطراك) من بطاقات حمراء كانت عواصم عالمية ترفعها في وجهها بدعوى الديمقراطية وحقوق الإنسان..
الجزائر ليست بحاجة إلى وزير يستنسخ برامج تربوية أجنبية ويطبقها دون مراعاة خصوصية الشعب والتاريخ واللغة والسوسيولوجية وعوامل أخرى، وليست بحاجة إلى “بكالوريا سياسية”، غزا حاملوها جامعات سُرقت منها عقولها في سنوات الأزمة ولم تعُد.. وليست بحاجة إلى منتخبين في المحليات يختمون العهدة الانتخابية بقضايا جنائية عن تبديد المال العام، وليست بحاجة لمن يغني لها “طفي الضوء واشعلي كيما نقولك طيعي”، وليست بحاجة إلى دستور لا يحترمه معدّلوه في كل مرة.. الجزائر بحاجة إلى متصرفين إداريين جيدين يحسنون صرف المال العام في مكانه بعقلية المحاسب المالي الذي يفكر في تبرير المصاريف قبل صرفها، حتى لا يترك للصوص الصفقات فرصة الثراء على ظهر “شعيب الخديم”.
مرزاق صيادي
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 20/12/2012
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : الفجر
المصدر : www.al-fadjr.com