الجزائر

الجزائر بالفعل كبيرة



 عاشت الشقيقة تونس، طيلة شهر كامل، صراعا داميا بين نظامها وشعبها، انتهى كما هو معروف ووفق منطق التاريخ بانتصار الشارع الذي كان ويبقى الممثل الحقيقي والطليعة الحقيقية للشعب ـ انتصر ـ على الحاكم، وبالرغم من أن هذه الدولة الشقيقة هي في نفس الوقت جارة، مع ما يترتب عن هذه الجيرة من تأثر وتأثير متبادلين، إلا أن السلطة في الجزائر ظلت صامتة وكأنها غير معنية بزخم الأحداث التي كانت الشرارة التي بدأت تقود وستقود المنطقة حتما إلى تغييرات ستؤثر تأثيرا هائلا وتاريخيا في المستقبل القريب والبعيد للمنطقة برمتها، وليس في تونس أو الجزائر فقط.
بعدها انتفض الشارع المصري مدة ثمانية عشر يوما، أسقط بعدها نظاما قمعيا تسلطيا لم يكن محميا بالأجهزة القمعية المصرية فقط، وإنما محمي كذلك من قبل أخطر وأحدث الأجهزة المخابراتية الغربية، وهذا لا حبا فيه، وإنما لأهمية مصر الإستراتيجية وتأثيراتها على عموم المنطقة، لكن مع ذلك، وعلى عكس كل الدول المؤثرة في العالم، بقيت الجزائر غائبة وكأنها غير معنية لا من بعيد ولا من قريب بأحداث مصر التي لم تكن سوى امتداد لثورة الشعب التونسي، فهل يعقل أن تكون لمعظم دول العالم من الولايات المتحدة إلى دولة قطر، مواقف واضحة، وليس مهمّا هنا طبيعة هذا الموقف، إلا الجزائر، فقد ظلت غير قادرة حتى على إفراد تغطيات للأحداث عبر وسائلها الإعلامية الرسمية، مثلما كان الأمر مع أحداث تونس التي سبقتها؟
السؤال الذي يطرح نفسه الآن ـ يطرح نفسه ولا نطرحه نحن أو أي جهة أخرى هو ـ إذا كانت الجزائر لا تتوفر على السياسة أو الرؤية أو الشجاعة التي تمكنها من اتخاذ موقف واضح من أحداث جيراننا ودول المنطقة التي ننتمي إليها تاريخيا وجغرافيا، فمتى ومن أية أحداث يكون لها موقف... إذا كانت الجزائر عاجزة عن اتخاذ موقف واضح وصريح وشجاع مما جرى في تونس ومصر، فهل ننتظر أن يكون لها موقف من الأحداث ذات الطابع الدولي والعالمي أو الأحداث التي قد تعرفها مناطق مؤثرة في العالم وفي بلدان كبرى؟
لننتبه وننبّه إلى أن الجزائر هي قلب المغرب العربي وهي أكبر دوله، ومن الدول الكبرى في العالم الثالث، وقد حباها الله ومنحتها الجغرافيا ومنحها التاريخ مؤهلات التأثير في مختلف الأحداث العالمية مثلما كانت ذات يوم، فهل يعقل أن تعجز دبلوماسيتها عن إصدار بيان من أحداث المنطقة الدرامية؟
الجارة الجماهيرية تهتز بعنف وقد يحرقها العقيد اليوم أو غدا، فهل يعقل أن تكتفي الدبلوماسية الجزائرية بتصريح غامض للوزير مدلسي وعبر قناة إعلامية فرنسية هي ''فرانس .''24
لننتبه وننبّه إلى أننا فقدنا التأثير كما دلت الأحداث الأمنية في منطقة الساحل في محيطنا الجنوبي، ولم نعد مؤثرين حتى في أصغر القضايا الإقليمية، وها نحن نغيب أو نتغيّب ونتأخر ونتخلف عن صناعة حاضر ومستقبل منطقتنا، فهل لنا أن نرتقي إلى مستوى الجزائر، ونكون في مستوى الحجم الذي منحه لها التاريخ والجغرافيا... نقول هذا الكلام لأن بعض وجوه ساستنا يقولون إن الجزائر استرجعت مكانتها الدولية... لهؤلاء نقول بأن الجزائر لم تخسر كل شيء ولم تغب عن الأحداث الدولية عبر كل تاريخها مثل غياب هذه الأيام، فهل من تقييم موضوعي وإعادة نظر لمعرفة حقيقتنا، على أمل أن ننتبه لأنفسنا، ونكون في مستوى الجزائر التي هي بالفعل كبيرة.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)