والمفارقة أن اجتماع الرباط جاء مع حلول الذكرى الثالثة والعشرين لميلاد اتحاد المغرب العربي الذي مهدت قمة زرالدة في فيفري 1988 لميلاده الرسمي عاما بعد ذلك وأحدثت ديناميكية في البناء الوحدوي المغاربي من خلال القمم المتعاقبة التي تلتها وأثمرت بقرابة خمسين اتفاقية ومعاهدة مشتركة لم ير معظمها طريقه إلى التجسيد الميداني بسبب خلافات آخر لحظة.
والمؤكد أن مهمة إعادة الروح إلى الاتحاد وهياكله المشلولة ليست بالمهمة السهلة ولكن اجتماع أمس يبقى في حد ذاته مؤشرا إيجابيا على أكثر من صعيد.
وحتى وإن سلمنا أن الاجتماع جاء في سياق التغييرات التي فرضها ما اصطلح عليه بالربيع العربي، فإنه كان ضروريا من أجل حلحلة وضع لم يعد يطاق لاتحاد ولد بآمال كبيرة لكل شعوب المنطقة ولكن مسيرته ما لبثت أن توقفت هكذا وفشلت كل المساعي لإعادة تحريكه من جديد.
ولكن هل سيتمكن وزراء خارجية دول الاتحاد بعد كل هذا الجمود من إزالة الغبار الذي علق بعمل هذا التكتل بالنظر إلى عمق الخلافات الثنائية والحسابات الضيقة لبعض دوله التي حالت دون تقدمه باتجاه تجسيد المبادئ الوحدوية التي تأسس عليها الاتحاد قبل ربع قرن وامتدادا للقاء طنجة قبل قرابة أكثر من خمسة عقود؟
وإذا كانت عملية تقييم ما تم انجازه إلى حد الآن سهلة بالنسبة للوزراء، من منطلق أن ما تحقق قليل، مقارنة بالطموحات التي تضمنتها وثائق التأسيس، فإن الأصعب في كل ذلك يبقى كيف يمكن الدفع بالعمل المغاربي باتجاه الوحدة والتكامل الاقتصادي والاجتماعي المرجو؟
وهي الحقيقة التي لا يمكن القفز عليها مهما كانت إرادة كل الدول الأعضاء في تحريك الوضع بدءا بإعادة الدفء إلى العلاقات الثنائية وحسم الكثير من القضايا الشائكة بما فيها قضية الصحراء الغربية وحتى مسألة الحدود المغلقة بين الجزائر والمغرب منذ سنوات للأسباب المعروفة من الجميع.
واقع قد تصطدم به رغبة الرئيس التونسي منصف المرزوقي بعقد قمة مغاربية في بلاده في أقرب الآجال وهي الفكرة التي حملها في آخر جولة له إلى كل من الرباط ونواقشوط والجزائر وهو حلم تعيق تحقيقه ملفات معقدة ولا يمكن تجاوزها من أجل قمة برتوكولية لا تأتي بأي جديد على طريق البناء المغاربي الذي يجب أن يبنى هذه المرة على أسس صلبة وتمنع تأثره بأي هزات محتملة.
ثم إن تحويل المغرب لوجهته باتجاه مجلس التعاون الخليجي وانضمامه إليه وكذا رغبة الرباط الملحة في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي كلها عوامل زادت في الاعتقاد أن المغرب لا يريد من الاتحاد المغربي إلا الزبدة التي يريد أن يجنيها من تكتل لا تمثل فيه المبادلات البينية سوى 2 في المئة من إجمالي المبادلات الخارجية لكل الدول الأعضاء.
كما أن التحولات الجذرية التي عرفتها تونس وليبيا والأزمات الداخلية في هاتين الدولتين تزيد في الاعتقاد أن المشاكل الداخلية لهذه الدول ستجعلها تولي اهتماما أكبر لواقعها الجديد من عقد قمة مغاربية تبقى حظوظ نجاحها في تحريك العمل المشترك محدودة جدا.
ولكن كل ذلك لا يجب أن يغلب النظرة التشاؤمية أمام الآمال لتحريك العمل الوحدوي الذي أصبح أكثر من ضرورة بل إنه أصبح مفروضا في ظل الحراك الشعبي في مختلف الدول العربية بما يستدعي إرادة سياسية جديدة من كل العواصم ولكن أيضا بعد تصفية الأجواء وحسم كل الخلافات التي تراعي مصلحة كل الأطراف من تكتل يجب أن ينتفع منه الجميع لا أن يدفع ثمنه عضو أو عضوان.
دعا وزير الشؤون الخارجية السيد مراد مدلسي، أمس السبت، بالرباط إلى عقد اجتماع وزاري مغاربي بالجزائر العاصمة من أجل بحث مسألة الامن في المنطقة، مشيرا إلى أن الجزائر التي أدرجت مسألة الأمن ضمن جدول أعمال هذا الاجتماع توصي بتعاون حقيقي وناجع في هذا المجال وتضافر الجهود من أجل التصدي للمخاطر التي تهدد المنطقة.
في هذا السياق، دعا الوزير في مداخلة له خلال أشغال الدورة الـ30 لوزراء خارجية اتحاد المغرب العربي التي انطلقت أمس، إلى وضع أدوات من أجل تنسيق الجهود بغية مكافحة الارهاب والجريمة المنظمة وتهريب الأسلحة والهجرة غير الشرعية، مؤكدا في هذا الصدد أن هذه الاخطار التي تهدد الاستقرار والسلم في المنطقة وكذا أمن الأشخاص والممتلكات تتطلب المزيد من اليقظة وتعاون كل الأطراف.
وكان وزير الشؤون الخارجية، السيد مراد مدلسي قد اعتبر أول أمس الجمعة في الرباط خلال ندوة صحافية مشتركة مع نظيره المغربي السيد سعد الدين العثماني، أن اجتماع مجلس الوزراء المغاربيين للشؤون الخارجية يشكل نقطة انطلاق'' لمقاربة جديدة لاتحاد المغرب العربي، الذي سيتحول من حلم دائم إلى واقع خلال الاشهر والسنوات القادمة''.
من جهته، قال السيد العثماني أن كافة الشروط متوفرة لاعطاء ديناميكية لتشييد اتحاد المغرب العربي ما دامت الارادة السياسية موجودة في كل بلد من البلدان المغاربية، مؤكدا بأن ''سنة 2012 ستكون سنة اتحاد المغرب العربي''.
وفي رده على سؤال يتعلق بالعلاقات الثنائية، قال السيد مدلسي بأن هذه الاخيرة لها طابع استراتيجي وأنها جدية لكن غير كافية، مؤكدا إرادة توسيع هذه العلاقات إلى كافة اقطاب التعاون، بالقول ''أمامنا افاق تمكن الجزائر والمغرب من تدعيم علاقاتهما وهذا بالعمل المستمر من أجل تجسيد الارادة السياسية في البلدين'' كما اضاف.
وفي رده على سؤال يتعلق بفتح الحدود البرية بين البلدين، أكد السيد مدلسي ''علينا أن ننظر إلى المستقبل ليس من جانب الحدود فقط''، معتبرا بأن ''مهما كانت أهميتها (الحدود) فإن هذا لا يجب أن يتجاهل الامال التي نحملها لتوفير شروط اندماج أكبر''.
وبخصوص مسألة الصحراء الغربية، قال الوزير مدلسي إن الطرفين اتفقا على ان يحترم كل طرف وجهة نظر الاخر، مذكرا بأن ''هذه القضية هي بين أيدي الامم المتحدة منذ سنوات وستبقى على هذا المستوى''، كما أكد بأن للجزائر ''ثقة كاملة في منظمة الامم المتحدة في التوصل إلى حل يرضي الجانبين طبقا لقرارات الهيئة الاممية''.
وذكر وزير الشؤون الخارجية بالمناسبة أنه ''في 1989 مع ولادة فكرة الاتحاد المغرب العربي، فإن مسألة الصحراء الغربية كانت موجودة'' مشيرا إلى هذه المسألة ''لن تمنعنا من اقامة علاقات ثنائية ايجابية''.
وبخصوص النزاع في سوريا، أكد الوزير تقارب وجهات النظر للبلدين حول المسألة، مؤكدين تمسكهما بالمخطط العربي لحمل السلطة والمعارضة إلى ''ايجاد حل سوري'' .
من جانبه، اكد الوزير المغربي أن بلاده دعت إلى وقف العنف في سوريا والحفاظ على وحدتها وسلامة أراضيها والعمل في إطار المبادرة العربية ورفض التدخل العسكري الاجنبي.
ومن جهته، قال السيد مدلسي إن القاسم المشترك لحل النزاع في سوريا هو الحل العربي، موضحا في هذا الصدد ''نعتبر (الجزائر والمغرب) أن هذا النزاع يجب أن يجد حلا في اطار جامعة الدول العربية''، مشيرا إلى أن المبادرة العربية تقوم على اساس حل سوري يجمع كافة الاطراف السورية بدون استثناء''.
للاشارة فقد سبق اجتماع وزراء الخارجية عقد اجتماع للجنة المتابعة لاتحاد المغرب العربي، أول أمس، بمشاركة الوزير المنتدب المكلف بالشؤون المغاربية والإفريقية السيد عبد القادر مساهل.
وفي مداخلته خلال هذا الاجتماع عرض السيد مساهل من جهته المقاربة الجزائرية لإعادة تفعيل العمل المغاربي المشترك، من خلال اعطاء الأولوية لثلاثة جوانب كبرى تتعلق بالسياسة والاقتصاد والأمن. وأكد الوزير أن المقاربة الجزائرية توصي بتفعيل العمل المغاربي وفق ''مقاربة براغماتية ومتدرجة. كما أكد السيد عبد القادر مساهل في تصريح للصحافة قبيل انطلاق اشغال اللجنة أنه يجب على اتحاد المغرب العربي ''تكييف آلياته مع التحديات والتغيرات التي شهدتها المنطقة''، مضيفا في هذا الصدد أن ''عالم اليوم تغير كثيرا والمغرب العربي تغير أيضا'' وأنه ينبغي اذن ''تكييف الآلية مع التغيرات التي شهدتها المنطقة وكذا مع التحولات الكبرى التي عرفها العالم''.
كما استرسل السيد مساهل يقول ''يجب على بلدان المغرب العربي أن تشق طريقا وأن تعيد التفكير في طريقة العمل وأطرها القانونية التي أفضت الى ميلادها وتطورها وكذا موقعها مقارنة بباقي العالم'' مضيفا أن ''التكامل الاقتصادي والاجتماعي يكتسي ''أهمية بالغة'' ويجب أن يقوم على ''سياسات مشتركة''. يذكر أن القضايا المدرجة في جدول اعمال وزراء الخارجية تتركز حول الاندماج الاقتصادي المغاربي ومواصلة اصلاح الاتحاد وإقرار الدراسة المتعلقة بإنشاء المجموعة الإقتصادية المغاربية، فضلا عن تقييم التقدم الحاصل في المسيرة المغاربية واستحقاقات الفترة القادمة''.
وقعت الجزائر والمغرب، أول امس الجمعة، بالرباط مذكرة تفاهم حول وضع آلية مشاورات سياسية بين وزارتي الشؤون الخارجية للبلدين. وتنص المذكرة التي وقعها السيد مراد مدلسي وزير الشؤون الخارجية والسيد سعد الدين العثماني وزير الشؤون الخارجية والتعاون المغربي على تعميق المشاورات السياسية بين الوزارتين قصد إعطاء نفس جديد للعلاقات بين البلدين.
ويتضمن هذا الاتفاق تنصيب لجنة مشاورات سياسية تجتمع مرتين في السنة في كلا البلدين بالتناوب قصد بعث التعاون بين الجزائر والمغرب وتبادل وجهات النظر حول المسائل الإقليمية والدولية ذات الإهتمام المشترك.
كما ينص على تنظيم لقاءات بين مسؤولي الوزارتين وتحضير آليات تعاون أخرى بين الطرفين.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 18/02/2012
مضاف من طرف : sofiane
صاحب المقال : من جهة أخرى، أعلن السيد مراد مدلسي ان وزيري الاتصال بالجزائر والمغرب سيقومان قريبا بتبادل الزيارات، قائلا في هذا الصدد خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره المغربي سعد الدين العثماني أن ''وزيري الاتصال الجزائري والمغربي سيلتقيان بالجزائر وفي الرباط ،بهدف تعزيز التعاون بين ''وكالة الانباء الجزائرية'' (وأج) و''وكالة الانباء المغربية'' وكذا بين الاذاعة والتلفزيون للبلدين ''.
المصدر : www.el-massa.com