الجزائر

الجزائر الجديدة.. واقع التغيير والإصلاح الشامل



استعادة هيبة الدولة.. ندية في التعامل الدولي والسيادة خط أحمرتكريس الديمقراطية التشاركية في صناعة واتخاذ القرار
بلغ مسار الإصلاح الشامل والعميق الذي أطلقه رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، قبل أربع سنوات، محطة جدّ متقدمة في إحداث التغيير الهادف إلى تعزيز السيادة الوطنية، وصون كرامة المواطن وإعادة هيكلة الاقتصاد الوطني، إلى جانب تكريس الديمقراطية التشاركية في صناعة واتخاذ القرار.
قد تبدو السنوات الأربع الماضية، وتحديد من 12 ديسمبر 2019 إلى 12 ديسمبر 2023، مرت سريعا، ومع ذلك ستسجل على أنها فترة عامرة بالأحداث والإنجازات والتحديات، وحتى الألغام التي زرعت هنا وهناك، وتم تفكيكها الواحد تلو الآخر، ضمن معركة استعادة هيبة الدولة وكرامة المواطن.
كل شيء انطلق من شعار «التغيير» الذي اختاره رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، ليكون برنامجه الشامل، فلا يترك قطاعا من القطاعات إلا وشمله، ضمن رؤية واضحة تستهدف تقويم المسار أحيانا وإعادة الضبط الكلي أحيانا أخرى.
ويذكر للرئيس تبون أنه صرح بعبارتين مفتاحيتين، حتى قبل فرز نتائج أصوات الانتخابات الرئاسية، وهما «القضاء على الحكم الفردي» و»إعادة تصويب آليات صنع القرار بحيث يصب في مصلحة الوطن وليس مصلحة مجموعة أشخاص».
وحتى قبيل اكتمال حلقة السنوات الأربع، شهد الأصدقاء والأشقاء لرئيس الجمهورية، أنه عمل وفق هذا النهج بصرامة وحزم وبأقصى طاقة، بل لقد وصف الرئيس الروسي فلادمير بوتين، في منتدى سانت بطرسبورغ، الصائفة الماضية، الرئيس تبون ب «الزعيم الذي يدافع عن مصالح بلاده».
لقد احتلت «المصلحة الوطنية» حجر الزاوية على الصعيد الداخلي، وأيضا في السياسة الخارجية، من خلال إعادة وضع محدداتها وأهدافها وفقا لسمعتها الدولية المستمدة من مرجعية ثورة الفاتح نوفمبر وعقود النضال ضمن أطر عدم الانحياز.
ولم يعد خافيا أن بوصلة الجزائر الجديدة تتجه نحو تكريس مفهوم السيادة الكاملة، من خلال استكمال كل ما يعزز الاستقلال الوطني الذي تحقق بدماء ملايين الشهداء في 05 جويلية 1962. ويكفي فقط التذكير، أنه وقبل 4 سنوات، كان «الأمن الغذائي» و»الزراعة الاستراتيجية» «والصادرات خارج المحروقات» مجرد شعارات أو مساعي متروك تحقيقها للأمد البعيد، لكنها أضحت برنامجا سياسيا، تقاس به نجاعة السياسة العامة للدولة ومستوى أداء الجهاز التنفيذي.
دستور 2020
مر دستور نوفمبر 2020، على اختبار الاستفتاء الشعبي، ليكون قاعدة التغيير الأساسية في نهج الحكم وأدواته، وقاعدة لإعادة البناء المؤسساتي على أسس الاستحقاق والنزاهة بعيدا عن شبهات المال الفاسد أو الغش السياسي.
وإلى جانب إعادة تعريف العلاقة بين السلطات الثلاث (القضائية، التنفيذية، التشريعية)، واعتماد الفصل والتكامل فيما بينها، جاء الدستور بضمانات لكافة الحقوق الفردية والجماعية مكرسا الديمقراطية الحقيقية، على الصعيد الشعبي وداخل الهيئات، وواكب - بشكل حثيث - التطورات الحاصلة في مجال الحقوق والحريات.
هذا النص الذي يسمو على كافة القوانين، أشادت به كثيرا، مبعوثة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إلى الجزائر، ماري لولور، خاصة «الأحكام المتعلقة بالمساواة بين الجنسين وحرية التعبير وتكوين الجمعيات والتجمع».
وعبرت لولور، في ختام زيارتها التي جاءت بدعوة رسمية من قبل الحكومة الجزائرية، الأسبوع الماضي، عن سعادتها لما سمعته «عن امتثال القوانين الوطنية للدستور»، ما يمثل اعترافا صريحا بأن دستور 2020، بات ضامنا أساسيا في «رؤية الجزائر الجديدة التي يلعب فيها التشاور والمشاركة العامة دورا أساسيا».
وأنهت الجزائر فعليا، عمليات إعادة البناء المؤسساتي، من انتخابات تشريعية ومحلية سنة 2021، وتنصيب الهيئات الدستورية الرقابية والاستشارية في شكلها التنظيمي والقانوني الجديد، كما استكملت مراجعة عشرات القوانين والقوانين العضوية لتنسجم مع مضمون الدستور.
واللافت أن الثورة التشريعية التي عرفتها البلاد في السنتين الأخيرتين، تستمد مرجعيتها من الدستور، بما فيها المنظومة القانونية المرتبطة بالاستثمار، حيث ينص الدستور على حرية الاستثمار وحمايته من قبل الدولة، وكذلك قانونا الحق النقابي وممارسة الحق في الإضراب اللذان يكسران ما يعرف بالحقوق الدستورية المشروطة بالحقوق الأخرى.
الإصلاح العميق عبر المراجعات القانونية، شمل قوانين لم تعدل منذ ما يفوق 30 سنة، على غرار قانون النقد والقرض الذي أصبح يسمى القانون النقدي والمصرفي، حيث أعاد الاستقلالية لبنك الجزائر ونص على إنشاء مكاتب الصرف، في خطوة ينتظر أن تقضي تدريجيا على السوق السوداء للعملة الصعبة.
وشملت التعديلات قوانين الصفقات العمومية والمحاسبة المالية العمومية، وتحرير المبادرة الاقتصادية من خلال استحداث قانون المقاول الذاتي الذي يمنح الإطار القانوني لحملة المشاريع والمؤسسات الناشئة.
وانسجاما مع نص الدستور، صدرت كافة النصوص القانونية التي ترسخ، ولأول مرة منذ الاستقلال، استقلالية القضاء، وعلى رأسها القانون العضوي المتعلق بتركيبة المجلس الأعلى للقضاء والتي أبعدت عنها السلطة التنفيذية ممثلة في وزير العدل، وجرى اعتماد قانون جديد للتقسيم القضائي.
التغيير بالقانون..
وسبق لرئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، في بداية 2020، التأكيد على أن التغيير الذي اتخذه شعارا لحملته الانتخابية، لا يقصد به تغيير أشخاص بآخرين، وإنما استبدال القوانين وأدوات الحكم التي كبحت تقدم البلاد وعطلت مصالح المواطنين وجعلت كل خطوة نحو الأمام تقع في مستنقع البيروقراطية.
وبعد دورتين تشريعيتين من انتخابه، صادق البرلمان (خاصة المجلس الشعبي الوطني)، الذي يعد إحدى لبنات الدستور الجديد، على 53 قانونا، منها قوانين عضوية وعادية، بادرت بها الحكومة في إطار تجسيد التزامات رئيس الجمهورية وتنفيذ برنامجه.
وصبت كل هذا القوانين في اتجاه إنهاء الغموض والضبابية التي ميزت أداء عديد القطاعات وعطلتها، كما ساهمت بشكل مباشر في تجسيد ثلاثية الأمن والمتمثلة في الأمن الصحي، الأمن الغذائي والأمن الاجتماعي.
ولأن هذه النصوص تضمنت عقوبات قاسية، فقد توفرت على خاصية الردع، أي استباق الأفعال المخالفة للقانون بمنع وقوعها، فقد تم وضع حد نهائي للاعتداء على الكوادر الطبية في المستشفيات واجتثاث عصابات الأحياء وتشديد عقوبات تبييض الأموال والاتجار بالمخدرات وتمويل الإرهاب والاتجار بالبشر.
ونص قانون الاستثمار الصادر سنة 2022، على تحرير المبادرة وتقديم تصنيفات ثلاثة للاستثمارات، أهمها القطاعات الاستراتيجية والصناعية، والتي تقدم على أساسها حوافز الدولة من قروض بنكية إلى إعفاءات جبائية هامة.
وتم فتح الأبواب للزراعات الاستراتيجية، بإنشاء ديوان خاص بها، لرفع حجم إنتاج الحبوب في الهكتار والواحد وتشجيع الاستثمارات المنتجة للزيت والسكر، حيث تم إنتاج أول قارورة زيت مائدة جزائرية من الحقل إلى المستهلك في ماي الماضي.
إرادة الدولة في بلوغ الأمن الغذائي باتت فعلية، ووضعت من أجلها خارطة طريق واضحة، بعدما كانت في السابق انشغالا ثانويا ومجرد توصيات تصدرها بعض النخب العلمية.
في المقابل، تصدر الإعلام الوطني القطاعات التي شملت الثورة التشريعية، من خلال إعداد 03 قوانين، هي قانون الإعلام (عضوي) وقانونا الصحافة والسّمعي البصري، تسمح بإعادة بعث الممارسة الإعلامية على أسس الوضوح والمسؤولية والحرية، خاصة مع استحداث سلطتي الضبط ومجلس آداب وأخلاقيات المهنة.
هيبة الدولة وكرامة المواطن
عمليات الإصلاح والتغيير الشاملين، تمت بالموازاة مع تنفيذ ما يرقى إلى وصفه ب»نزع ألغام مقاومة التغيير»، والتصدي لمخططات تخريبية سعت إلى ضرب استقرار البلاد والمساس بأمن المواطن.
لقد فرض رئيس الجمهورية هيبة الدولة وسلطتها، بوضع حد لكل المناورات الدنيئة، من شاكلة المضاربة وخلق الندرة في المواد الأساسية، وحرائق الغابات ومحاولات إغراق البلاد بالمخدرات القادمة من الحدود البرية والبحرية، كما شن حربا ضروسا على البيروقراطية وأعداء الرقمنة والشفافية.
وجرى خوض هذه المعارك بشكل متتابع، وحسمت جنبا إلى جنب مع مواصلة مكافحة الفساد بجميع أشكاله، وفي ظروف خاصة جدا تميزت بتفشي جائحة فيروس كورونا القاتل الذي شل العالم وفتك بعديد الأرواح وجمد الاقتصاد وهوى بأسعار النفط.
ومن رحم كل هذه الأزمات، ثبت الرئيس تبون الدولة على أركانها وجعلها أكثر قوة، ومضى قدما في استجماع قدراتها الاقتصادية وتأمين القدرة الشرائية للمواطنين وإحاطة الشباب البطال برعاية استثنائية وغير مسبوقة في القارة الإفريقية تمثلت في استحداث منحة البطالة.
لقد أكد رئيس الجمهورية - في أكثر من مناسبة - على أن همّه الأول هو كرامة المواطن، ودفع بعض المسؤولين ثمن فشلهم في تحقيق الأهداف المرحلية للتنمية، خاصة في المشاريع التي لا تطيق الانتظار.
وعمل الرئيس، دون هوادة، على استئصال المظاهر المشينة، من انعدام التنمية في القرى والمناطق النائية والطوابير على اقتناء بعض المواد، على غرار الحليب والزيت، من خلال تطبيق برامج خاصة لمناطق الظل ومحاربة المضاربة والاحتكار.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)