إصلاحات حاسمة وضعت حدا للمثبطات والعراقيل
بلادنا تقدمت بنحو 13 نقطة في تصنيف المنظمات العالمية
اعتبر الخبير الاقتصادي محفوظ كاوبي، أن الجزائر صارت في الرواق المناسب لتبوئ الصدارة، بفضل الإصلاحات التي أقرها رئيس الجمهورية، وأسفرت عن مؤشرات تبعث كثيرا من التفاؤل، فقد فتحت أبواب الاستثمار وفق رؤية مدروسة، وراهنت على الجهود المبذولة لاستئصال الفساد ومحو مظاهر البيروقراطية، وقدّم كاوبي - في عرضه المستفيض - عوامل تحسين مناخ الأعمال بالجزائر، ودعا إلى مواصلة على نهج الإصلاح، خاصة بعد أن تحرك الاهتمام الأجنبي بالتواجد في الأسواق الجزائرية.
حرص الدكتور محفوظ كاوبي على تقديم قراءة دقيقة للمعطيات، ورصد المشهد الاستثماري الجديد المفعم بالحركية والطلب المكثف، وتحديد العوامل التي أفضت إلى مناخ أعمال أكثر مرونة وانسيابية، مرجعا ذلك، إلى حزمة من الإصلاحات، أكد أنها مسّت الإطار القانوني والمؤسساتي المتعلق بالاستثمار، ويرى أن الهدف منها كان منصبا على تحسين بيئة الاستثمار وإعطاء ميزة تفاضلية، تجعل الجزائر وجهة مهمة للاستثمارات الأجنبية على وجه الخصوص، بالإضافة إلى ما وصفه ب»العمل على تحرير كل الطاقات الموجودة على المستوى المحلي»، أي الطاقات الاستثمارية، وأشار كاوبي إلى أن برنامج رئيس الجمهورية يعتمد على مبدأ العودة للاستثمار كعامل محرك أساسي لمنظومة التنمية؛ ولهذا يقول كاوبي - تمّت إعادة النظر في المنظومة التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالاستثمار، وتمّ اعتماد قانون للاستثمار ومجموعة من النصوص التطبيقية، مسّت الإطار المؤسساتي المعتمد في هندسته على مبدأ المساواة والشفافية والسرعة في تنفيذ العمليات الاستثمارية، بالإضافة إلى مجموعة من الإصلاحات مسّت الإطار القانوني المتعلق بالإطار المصرفي، عن طريق اعتماد قانون جديد تمّ من خلاله إعادة النظر في العملية من أساسها، كونها تنظّم المعاملات البنكية والمصرفية، من خلال مبدأ عصرنة المنظومة، إلى جانب تنويع المنتجات البنكية الموجهة إلى تمويل الاستثمار سواء عن طريق التمويل التقليدي المصرفي أو البنكي، أو إعطاء تنويع أكثر للتمويل التساهمي، وبالإضافة إلى التمويل وفق الشريعة الإسلامية.
تكريس مزايا تنافسية
وتحدّث كاوبي عن بعض المزايا المدرجة في سلم الإصلاحات، وقال إن القانون المصرفي ركّز على الزيادة في وسائل مراقبة المنظومة البنكية، بهدف جعلها أكثر قوة على مواجهة ما من شأنه أن يمسّ بالإطار المصرفي على المستوى المحلي والعالمي، وبالموازاة مع ذلك، اعتمدت قوانين أخرى بينها تلك المتعلقة بقانون الصفقات العمومية، بهدف عصرنة منطق التسيير وبناء الحوكمة على المصلحة العمومية المرتبطة بالشأن الاقتصادي، وليس تسيير أو حوكمة الإطار العمومي عبر إجراءات إدارية لا توفر النجاعة والمردودية التي يتوخاها أي مسير في إطار التسيير العصري.
ولقد جاءت الإصلاحات حاسمة ووضعت حدا لكل مثبطات الاستثمار يواصل الخبير كاوبي، ويؤكد أن التنظيمات والتشريعات، اعتمدت بهدف القضاء على المحسوبية ومحاربة الفساد، وهذا يعتبر في تقديره - عنصرا أساسيا في تحريك وتحديث وتحيين القواعد القانونية المرتبطة بمناخ الاستثمار، لأن عامل الشفافية ومحاربة الفساد يعتبران من العوامل الهامة في تقييم محيط الاستثمار، بالإضافة إلى قوانين أخرى تمّت مراجعتها بهدف إدخال الرقمنة في التسيير الحكومي، المرتبط بمنظومة الاستثمار خاصة في المجال التجاري، من خلال اعتماد وتوفير مجموعة من الإجراءات الشفافة في تسيير عملية الاستيراد والتصدير، وإسناد العملية إلى «ألجاكس» لتتعامل بمنطق اقتصادي يضمن النجاعة والمردودية، ويحترم الوقت، مع ضرورة تفعيل هذه القواعد في تسيير الشأن الاقتصادي.
في هذا الشقّ، أوضح كاوبي أنه ينبغي مواصلة الجهود من أجل أن تكون للجزائر صفات تنافسية تمكنها من تحرير طاقاتها على المستوى المحلي، وتوفير البيئة المستقطبة للاستثمارات الأجنبية، وهذا ما بدأ فعلا يعطي نتائجه على أرض الواقع، من خلال تحرك عملية الاستثمار المشترك والبيني مع العديد من الشركات الأجنبية، سواء في المجال النفطي أو في الصناعات الاستخراجية وصناعة الحديد والفولاذ وصناعة الإلكترونيك والميكانيك والصناعة الصيدلانية، الأمر الذي يبين أن الرؤية التي اعتمدتها الجزائر الجديدة هي الأقرب إلى الصواب، وأثرت بشكل محسوس على تحسين مناخ الاستثمار باعتبار أن الجزائر تقدّمت بنحو 13 نقطة في تصنيف المنظمات العالمية التي تعنى بتقييم وتصنيف الدول حسب مناخ الأعمال.
وفي إطار السير بنفس الخطى وتوخي ذات المنحى، شدّد الخبير الاقتصادي على أهمية مواصلة الإصلاحات بشكل يعطي نسقا أحسن في المستقبل، من ناحية كفاءة الأداء والسرعة، لأن المرحلة المقبلة ستكون هامة ومفصلية في إحداث الوثبة الحقيقية في التحوّل الاقتصادي، عبر تحريك كل الوسائل المعتمدة في إطار المنظومة التشريعية، وخاصة تلك المرتبطة بإعداد المخطط الوطني للاستثمار المتعلق بتشريعات الاستثمار، وكذا اعتماد المخططات المحلية للاستثمار، لأن الوسيلتين تعتبران المرجعية الأساسية التي ستعطي عمقا حقيقيا ومحتوى ظاهرا لعملية التحوّل الاقتصادي، من خلال تبني سياسة تحوّل صناعي وفلاحي، وتحديد القطاعات والمؤسسات الإنتاجية التي لها الأفضلية، خاصة في كيفية انتشارها على المستوى الإقليمي بشكل يجعل هذا الانتشار يوظف كل القدرات المحلية الموجودة، ويعطي مساحة واسعة من الشفافية، ويمكّن الإدارة من التصرّف بوسائل معلومة لدى كل الفاعلين على المستوى الاقتصادي، وهذا أمر مهم للغاية، بالإضافة إلى ضرورة المرور إلى السرعة القصوى فيما يخصّ القانون المتعلق بالعقار الاقتصادي سواء كان صناعيا أو سياحيا.
توسيع الوكالة الجزائرية للاستثمار
واقترح الخبير كاوبي تعزيز القوانين المتخذة لتحسين بيئة الاستثمار بالجزائر، بتوسيع صلاحيات الوكالة الجزائرية للاستثمار؛ لأن إسناد مهمة تسيير العقار الصناعي للوكالة الجزائرية للاستثمار، يهدف إلى إعطاء نسق أحسن وتجانس في تسيير العملية الاقتصادية، لكن الأمر يمر عبر إعطاء إمكانات أكبر لهذه الوكالة حتى تتمكّن من بلوغ مستوى التحديات. ولم يخف محفوظ كاوبي أن هذه الوكالة كلفت بوضع المخطط الوطني والمخططات المحلية، ووصف العملية ب»المهمة للغاية»، غير أنها - في الوقت نفسه - صعبة، مفسرا ذلك بأن الأمر يتطلّب توفير امتياز وموارد بشرية وموارد تقنية، تمكن هذا المخطط من أن يكون مرجعية أساسية في هذا المجال، إلى جانب منح نسق أحسن للتحوّل على مستوى القطاع المالي، على اعتبار أن اعتماد القانون المصرفي والمالي يعد خطوة مهمة، ولكن بنفس القانون تسند عملية التنظيم مهمة إعطاء محتوى حقيقي لهذا التحوّل، سواء كانت تلك المتعلقة بتحسين حوكمة البنوك العمومية أو إحداث الآليات المتعلقة بتنويع الموارد والمنتجات البنكية، وهذا يفضي - دون شك - إلى التمكين من التقليل من العراقيل المرتبطة بعملية تمويل المشاريع أو بتلك المتعلقة باحتواء السوق الموازية، والسماح بالحد من السوق الموازية.
بالنسبة للسوق الموازية التي تسعى الجزائر إلى إدماجها في السوق الرسمية، أشار الخبير كاوبي إلى أهمية القيام بتقليص السوق الموازية وتوحيد أسعار الصرف العملة الصعبة؛ لأنها ترتبط بمنظومة سعر الصرف، وهو ما تحتاجه المنظومة بشكل عاجل، من أجل الرفع من تنافسية الاقتصاد الوطني في المستقبل، نفس الأمر بالنسبة إلى منظومة التحويلات الاجتماعية، حتى لا تؤثر على عملية الاستثمار.
وخلص الخبير إلى القول، إن مجموعة من الإصلاحات تنتظر الجزائر في المرحلة المقبلة، منها إصلاح الإدارة العمومية من خلال إحداث تنظيم جديد وتفعيل عملية التحول الرقمي على أرض الواقع وبشكل فعلي، خاصة وأن الرئيس تبون منح الحكومة مهلة من أجل إتمام العمل، مع أهمية إعادة النظر في الأدوات المسيرة لعملية التحوّل الأساسي، لأن العلاقة مع الهيكل التنظيمي وعملية التحول مهمة للغاية، ويرى كاوبي أن إعداد إستراتجية التحول الرقمي، ينبغي أن تصاحبه إستراتجية إعادة النظر في هيكلة الإدارة العمومية، من أجل إنجاح عملية التحول في المستقبل.
وفي الشقّ المتعلق بالقطاعات التي توفر فيها الجزائر فرص تنافسية للاستثمار، عاد كاوبي، إلى قانون الاستثمار والقطاعات التي تتمتّع بأفضلية للدولة وتستفيد من نظام التحفيزات المتعلقة بعملية الاستثمار، وتتمثل في الصناعات الاستخراجية بصفة عامة، وصناعات الحديد والفولاذ والصناعات الميكانيكية والالكترونية إلى جانب الفلاحة والتحوّل الطاقوي والطاقات الجديدة وكذا الصناعة البتروكيماوية والصناعة الصيدلانية والتكنولوجيات الجديدة والشركات الناشئة، وأفاد كاوبي أن هذه القطاعات تحوز على ميزات تنافسية هامة، يمكن أن تكون مصدر لشراكات هامة بين رأسمال المحلي أو المقيم مع غير المقيم، مما يمكن أن يفضي إلى صناعات مهيكلة تشكّل قاطرة للعديد من الصناعات الأخرى، فمثلا قطاع الفلاحة يمكن أن يشكل قاطرة للصناعات الغذائية والصناعات الاستخراجية، ويعد من أهم القطاعات التي تمثل قاطرة لصناعات أخرى كونها تزودها بالمدخلات المتوفرة بأثمان تنافسية وتعكس الإمكانات والطاقات التي توفرها الجزائر، إضافة إلى أن القطاعات الأخرى، يمكن أن تكون من مصادر النمو وتستفيد من النظام العام للتحفيزات، حتى إن كانت لا تمثل أولوية، لكنها تبقى مفتوحة للاستثمار بهدف الزيادة في النمو والتشغيل وخلق القيمة المضافة.
وبلغة واثقة، أكد الخبير كاوبي أن الجزائر تعد قطبا عالميا في مجال الاستثمار، وهذا ما يتطلّب مواصلة العمل والقيام بإصلاحات اقتصادية أخرى وكذا الإصلاحات التي تمسّ محيط الاستثمار بصفة عامة، وليس المجال التشريعي والتنظيمي فقط، واقترح الخبير التسريع في ريتم الإصلاحات لتكون العملية متجانسة، فالريتم السريع لعملية التحوّل وتجانسها يعطي ثماره بطريقة أحسن.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 27/12/2023
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : فضيلة بودريش
المصدر : www.ech-chaab.net