قبل أسابيع قليلة كانت النغمة السائدة عن العالم العربي, أنه عالم استهلاكي لكل ما ينتجه الغرب.. عالم لا ينتج.. عالم يستهلك كل ما يقابله، سواء كان مفيدًا أو ضارًا, وبما أن فئة الشباب هي النسبة الأكبر في هذا العالم, فإن هذه السلبية كانت موجَّهة لهم بوجهٍ خاصّ, إلا أن ثورة 25 يناير في مصر غيرت هذه الفكرة.
انطلقت انتفاضة الغضب المصرية من عدة صفحات على "الفيسبوك", منها "كلنا خالد سعيد" و"شباب 6 أبريل" بالتعاون مع نشطاء مصريين على الموقع ذاته, منتمين لعدد من الأحزاب والجماعات السياسية المعارضة أو غير منتمين, وذلك بالتزامن مع يوم الشرطة الذي كان مقررًا الاحتفال به يوم الثلاثاء 25 يناير 2011, وهو اليوم الذي دُعي بالخروج فيه بمظاهرات احتجاجية على الأوضاع المعيشية والسياسية والاقتصادية السيئة، وكذلك على ما اعتُبر فسادًا في ظل حكم الرئيس المصري محمد حسني مبارك.
وقد أنشئت صفحة "كلنا خالد سعيد" في "فيسبوك" على يد المواطن المصري وائل غنيم (ناشط على الإنترنت، المدير التنفيذي لشركة جوجل في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا). وخالد سعيد هو شاب مصري قُتل في الإسكندرية في 6 يونيو عام 2010 م بعد أن تم تعذيبه حتى الموت على أيدي اثنين من مخبري شرطة قسم سيدي جابر, مما أثار احتجاجات واسعة مثلت بدورها تمهيدًا هامًا لاندلاع الثورة, وقد اعتُقل غنيم بعد اندلاع الثورة بيومين لمدة 12 يومًا.
وردًّا من الحكومة المصرية على النشطاء والمتظاهرين المصريين الذين لجئوا إلى الهواتف المحمولة وشبكة الإنترنت لتجميع الصفوف وتنسيق المظاهرات والتحركات الاحتجاجية ضد النظام, أوقفت الـ"فيس بوك" في مصر، وذلك بعد حجب موقع "تويتر".
وفي يوم الجمعة، 28 يناير، أوقفت السلطات خدمة الإنترنت في كل مصر, الأمر الذي أثر على أداء قطاعات وشركات اقتصادية هامة, ثم عادت الخدمة للعمل يوم الأربعاء 2 فبراير.
شباب الفيسبوك
وتستمر ثورة الغضب حتى يومنا هذا، وتتخذ من ميدان التحرير ساحة للاعتصام حتى تنفيذ الطلبات, وبداخل الميدان تجد شعارات موجهة من "شباب الفيسبوك" أو إليهم, كـ"عملوها شباب الفيسبوك", و"شكرًا لكم شباب الفيسبوك", بالإضافة إلى قيام بعض المجموعات والصفحات في الموقع بعمل مقرَّات لها في الميدان.
وقد أشادت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية في تقرير لها بقدرة الشباب المصري على تطويع وسائل التكنولوجيا الحديثة في الترتيب للقيام بثورته السلمية، ومدى حرفيتهم وتنظيمهم.
وأشادت الصحيفة بمهارة الشباب الذين استخدموا الإنترنت لمراوغة الشرطة السرية، ونشر الشائعات لخداع جواسيس الشرطة، والعمل على "الاختبار الميداني" في أحياء القاهرة الفقيرة قبل وضع خطط لمعاركهم، فضلًا عن أنهم خططوا مظاهرات أسبوعية للاحتفاظ بقوتهم، وهذا يساعد على شرح مرونة الانتفاضة المفاجئة.
وكان القائمون على الدعوة في البداية عددًا بسيطًا من الأشخاص، بينهم وائل غنيم، الذي اعتُقل لمدة 12 يومًا، وخرج يُكمل ما بدأه من وراء لوحة مفاتيحه على أرض الواقع, إلا أن الدعوة أخرجت ما يقرب من 10 ملايين مصري من بيوتهم للتظاهر, معظمهم من الشباب؛ المهنيين والأطباء والمحامين، الذين وُلدوا تزامنًا مع اعتلاء الرئيس مبارك للسلطة قبل 30 عامًا، وقضوْا حياتهم معترضين على القيود التي تفرضها عليهم الدولة، وتعرض بعضهم للاعتقال والتعذيب بسبب ذلك.
الشعوب العربية
على غرار الثورة التي انطلقت عبر صفحات الفيسبوك, فقد انطلقت عبر الموقع نفسه دعوات شعبية لتأييدها, وبالرغم من كل ما كان يُقال عن كراهية الشعوب العربية لبعضها، وعن العداء بينهم، وحتى بعد ما حدث بين الأشقاء "المصريين والجزائريين" جراء مباريات الكرة من تهديدات مصورة، وضرب بعد المباريات، إلا أن ما ظهر الآن من الشعوب العربية يوضح غير ذلك؛ حيث أسس أصحاب ثورة "الياسمين" التونسيين صفحة باسم "تونسيون مساندون لحركة 25 يناير الاحتجاجية المصرية"، انضم لها ما يقرب من 7 آلاف شخص حتى الآن، وقد تم تأسيسها ليلة الـ25 من يناير لدعم الثورة المصرية والتي وجههوا لها رسالة قصيرة فقالوا: "غدًا 25 يناير2011، يوم هام في تاريخ الشعب المصري العريق الذي ما زال يعاني من الاضطهاد والفساد والدكتاتورية.. نشدُّ على أيادي إخوتنا وأصدقائنا".
وعلى عكس كل المتوقع، وعلى الرغم من تخيل البعض من انقطاع العلاقة بين الشقيقتين "مصر والجزائر" إلا أنه وبمجرد اندلاع ألسنة الثورة المصرية حتى سارع شباب الجزائر بمساندتها، حتى ولو من خلال الشبكات الاجتماعية، فصمموا عدة صفحات تعنى بدعم الحركة المصرية الرافضة للنظام، وكان منهم صفحة "شباب الجزائر المتضامن مع ثورة مصر الشعبية"، والتي عملت تحت شعار: "في قلوبنا الطيبة.. اتحادنا قوة.. نحن إخوة".
وتحت شعار: "كلنا تونس، كلنا مصر"، أسس بعض شباب فلسطين صفحة جديدة بعنوان: "فلسطينيون مع الثورة في مصر"، وقاموا بتوجيه رسالة لأشقائهم العرب من خلالها فقالوا: "أشقاؤنا العرب أعلنوا الثورة على الواقع المزري والمخزي والمهين؛ واقع الاستبداد والديكتاتوريات ونهب الخيرات والثروات، هذه الصفحة فلسطينية حرة مستقلة، للوقوف مع انتفاضات الشارع العربي في كل مكان نحو التغيير والحرية والعدالة والديمقراطية والحياة الكريمة.. إلى تونس ومصر واليمن والأردن والجزائر، وقبل أي شيء إلى فلسطين".
وقد وجَّه أهل المغرب الدعوات بالنصر والنجاح للمصريين في ثورتهم, حيث أسسوا صفحة بعنوان: "شباب المغرب يدعم ثورة مصر"، معتبرين أنَّ "الشباب العربي يدٌ واحدةٌ ضد الفساد العربي"، كما استعارت الصفحة الكثيرَ من الشعارات المصرية الطابع، والتي كُتبت مؤخرًا حول موقف النظام مما يحدث في الشارع، بالإضافة لنشرها الكثيرَ من الصور الملتقطة من قلب الشارع المصري.
كما أسس شباب سعودي عدة صفحات أيضًا لإعلان تضامنهم مع شباب الثورة المصرية "الأحرار"، كما وصفوهم في صفحة "المساندة السعودية الشعبية لثورة شعب مصر"، والتي وجّهوا من خلالها للشعب المصري رسالة قائلين: "إنها كلمة الشعوب لتعلوا وتُسمع، ثورة الشعب المصري ثورتنا، انتصارها انتصار لنا جميعنا".
وبعد إعلان الكثير من الشعوب العربية تضامنها مع مصر، كان هناك أيضًا من أسَّس صفحات تجمع العرب جميعًا لإعلان التضامن مع مصر، فكان منهم "الثورات العربية المتحدة (تونس، مصر، الأردن، اليمن) الكل معًا"، أيضًا صفحة: "كل العرب معاك يا مصر"، والتي اشترك بها آلاف حتى الآن يعلنون تأييدهم لشباب الثورة المصرية الغاضبة، والتي تهدف لإسقاط ثاني "الدكتاتوريات العربية"، حسب وصفهم.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 12/02/2011
مضاف من طرف : infoalgerie
المصدر : الإسلام اليوم