وقد تأكد مثل هذا الأمر من خلال تصريحات كشفت عن صراع محموم خفي وجلي بين عواصم القرار الدولي التي تحركت من اجل القول ''أنا هنا ولا شيء يتم إقراره من دوني''.
ولم يخف وزير الدفاع الفرنسي جيرار لونغي الذي قال في عبارات فيها الكثير من التحذير باتجاه السلطات الليبية الجديدة بأنها لا يجب أن تنسى فضل فرنسا عليها وهي التي كانت حليفها الأول في حربهم ضد القذافي.
وأضاف بنفس اللهجة الحادة أن باريس ستتعامل مع ليبيا ما بعد القذافي كشريك محوري ورئيسي لأننا كنا رأس الحربة في كل ما جرى في هذا البلد. والتلميح واضح إلى اعتراف فرنسا بالمجلس الانتقالي وضغطها من اجل تمرير اللائحة الأممية 1973 التي عجلت برحيل احد أقدم الأنظمة العربية.
والتأكيد هنا واضح باتجاه غنيمة الحرب التي يجب أن تعود لفرنسا وهي التي تلقت وعدا معلنا بالفوز بأضخم صفقات النفط في ليبيا بمجرد رحيل القذافي في تعهد من السلطات الليبية الجديدة التي أدلت به في زخم أحداث الحرب الأهلية ولم يكن ليروق لعواصم دول الناتو الأخرى التي شاركت في ''تحرير'' ليبيا ممن كان بالنسبة لها ''شريكا استراتيجيا'' وتحول فجأة إلى ''طاغية'' يجب أن يرحل عن حكم ليبيا.
والمؤكد أن تصريحات وزير الدفاع الفرنسي وقبله الوزير الأول الآن جوبي لم تكن عفوية وخاصة إذا علمنا أنها جاءت غداة زيارة حاسمة لنظيرته الأمريكية هيلاري كلينتون إلى طرابلس وتكون واشنطن قد وضعت خلالها النقاط على الحروف ورسمت خطة السير لمرحلة ما بعد رحيل العقيد الليبي.
وكان متوقعا أن تثير تلك الزيارة المفاجئة حفيظة حلفاء الأطلسي الآخرين الذين رأوا فيها استحواذا أمريكيا على ثمرة أينعت في ليبيا وجاءت هيلاري لقطفها والانتفاع بها خارجيا وداخليا أيضا.
ومن تابع خطاب الرئيس اوباما في اول رد فعل له على نهاية العقيد الليبي يتأكد دون كثير من العناء انه أراد أن ينتفع بتلك الثمرة لخدمة مستقبله السياسي عاما بالتحديد قبل انتخابات مصيرية وليضرب الجمهوريين عندما قال انه ربح الحرب في ليبيا دون أن يخسر جنديا واحدا والسهم كان موجها إلى سابقه جورج بوش الذي خسر آلاف الجنود في أفغانستان والعراق ومازال يدفع تبعات هذين المأزقين إلى حد الآن.
وينتظر أن يشتد التنافس بين القوى الكبرى خلال الأيام والأسابيع وحتى الأشهر القادمة من اجل الظفر بأضخم صفقات إعادة اعمار الحرب التي تسببوا فيها أو صفقات رائحة الذهب الأسود الذي فتحت شهية كبريات شركاتها النفطية وينفرط عندها عقد حلف الناتو لصالح صراع التموقع في ليبيا الجديدة.
وهو الواقع الذي وقف عليه وزير الدفاع الفرنسي جيرارد لونغي عندما أكد أن دول التحالف ''ستنتهج من الآن سياسة تعامل ثنائي مع طرابلس وكل واحد سيعمل من اجل الانتفاع قد المستطاع''. ولكن كان يحرص في كل مرة على التأكيد أن بلاده كانت السباقة في الوقوف إلى جانب المعارضة الليبية ولم تتردد في ذلك للحظة. وقد يكون التلميح إلى روسيا التي لم تشارك في العملية العسكرية وتأخرت في الاعتراف بالمجلس الانتقالي حفاظا على مصالحها الاقتصادية الضخمة في ليبيا.
ولم يكن من محض الصدفة أن تركز كل الصحف الغربية أمس على مصير الصفقات الروسية الضخمة التي تم إبرامها بين موسكو وطرابلس في عهد الرئيس المغتال والتي ستكون تحت رحمة وإرادة الدول الغربية التي ساهمت في الإطاحة بنظام العقيد الليبي.
وهو الخطر الذي تفطن له المبعوث الروسي إلى منطقة الشرق الأوسط ميخائيل مارغيلوف الذي شدد التأكيد أمس أن موسكو اعترفت بالمجلس الانتقالي وأنها تتفاوض حاليا من اجل الاحتفاظ بمشاريعها وصفقاتها في ليبيا.
وهو الشعور السائد في بكين بعد أن استشعرت السلطات الصينية خطر انتقال السلطة في ليبيا وهي التي تمطالت في الاعتراف بالمجلس الانتقالي إلا بعد أن تأكدت انه سيربح المعركة لا محالة.
وبدا التخوف الصيني واضحا وخاصة إذا علمنا أن حجم مبادلاتها مع ليبيا يبلغ 11بالمئة من إجمالي المبادلات الليبية مع الخارج وهي لا تريد أن تضيعها بسبب حسابات ظرفية جعلتها تتردد في اتخاذ موقف حاسم منذ الأيام الأولى لعمليات الإطاحة بمعمر القذافي.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
تاريخ الإضافة : 21/10/2011
مضاف من طرف : sofiane
صاحب المقال : م.م
المصدر : www.el-massa.com